يعد التراث الملبسي التقليدي جزءاً مهماً من الإرث الحضاري لأي بلد، فالملابس التقليدية تُعَد سجلاً يحفظ عادات أي أمة وفنونها وتراثها، ويُستَدَل بها على كثير من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمكانة الاجتماعية، والحفاظ عليها يعني التمسك بالهوية وإبرازها للعالم والافتخار بها.
نلاحظ في السنوات الأخيرة، في المملكة العربية السعودية، عودة الاهتمام بالملابس التقليدية - النسائية خاصة - بعد أن توارت عن الأنظار لعقود، انجذبت فيها المرأة للملابس العصرية الحديثة، وتأثرت بتغير الحياة الاجتماعية الناتج من تغير المستوى المادي والاقتصادي للبلاد. وبالطبع، فإن للجهود الحكومية المتمثلة في عناية وزارة الثقافة - بهيئاتها المتعددة - بالتراث بشكل عام، والملابس التقليدية بشكل خاص، دوراً في إحياء هذا الموروث الملبسي، إضافة إلى أصالة الشعب السعودي، وتمسكه فطرياً بجذوره، واهتمامه بإبراز تراث بلده والافتخار به.
ومجاراةً لهذه العودة للملابس التقليدية للواجهة، فلا بد من وجود مصادر لها مرجعية موثوقة تضمن أصالة هذا الموروث، وتحميه من العبث والتشويه، ونحن بحاجة إلى زيادة الدراسات المتخصصة والمؤلفات الموثوقة في هذا المجال.
أحد أبرز المصادر الأصيلة في توثيق التراث هو "الشِّعر الشعبي"، فيعدّ مؤرخاً للأحداث التاريخية، حافظاً للمفردات المحلية، ويصوّر ويوثّق وينقل لنا حياة الأجداد بتفاصيلها ومسمياتها، ومن الأمور المهمة التي احتفظ لنا بها شعرنا الشعبي، الملابس والحلي التقليدية، فقد وردت في الأشعار بمسمياتها المختلفة، بل إن بعض الأشعار ينقل لنا صورة تخيلية لما كانت عليه زينة المرأة، وفي ذلك أهمية كبيرة، خاصة في ظل التطور الذي طرأ على الحياة الاجتماعية، والابتعاد عن الملابس التقليدية في الحياة اليومية المعاصرة، فاحتفظت قصائد شعرنا الشعبي بمسميات هذه الملابس وأجزائها ومكملاتها التي كانت شائعة قديماً؛ حيث عايش الشعراء فترة ارتداء تلك الملابس، فوثّقوا مسمياتها، وأجادوا في وصفها، وتغزّلوا بها وبمن ارتدينها من النساء.
أحد أبرز المصادر الأصيلة في توثيق التراث هو "الشِّعر الشعبي"، فيعدّ مؤرخاً للأحداث التاريخية، حافظاً للمفردات المحلية، ويصوّر ويوثّق وينقل لنا حياة الأجداد بتفاصيلها ومسمياتها.. بقلم ريم البسام في #مدونات_سيدتي على الرابط https://t.co/XW00b2Pv2D@ReemAlbassam pic.twitter.com/gxSzEJZLn4
— مجلة سيدتي (@sayidatynet) April 1, 2023
فهذا الشاعر محمد بن لعبون "المتوفى عام 1247هـ/1831م" ينقل لنا صورة حية لزينة امرأة في عصره، فيقول:
يسحب المنثور بالزري الرخيم
تحت ما هو بالنعم ريش النعام
عينها والعنق يشدي عنق ريم
نايفة بالطوق تزهى بالزمام
لجة الخلخال يسمعها الصميم
وإن نظرها صايمٍ خلًى الصيام
فهو هنا يتغزّل بهذه المرأة، واصفاً لبسها وحليّها في صورة تتمثّل في الخيال، فذكر إنها ترتدي ثوباً مزيّناً بالزري، وتتحلّى من الحلي بالطوق على العنق والزمام على الأنف والخلخال في القدم.
أما الشاعر عبد الله الأشقر "توفي عام 1403هـ/1983م"، فأبدع بوصف طريقة ارتداء الثوب، ورفع أكمامه فوق الرأس:
عَرَض لي فارعٍ دالع يشوح الريح بقرونه
مْغَرٍ يَطْرِق القذلة يحسب المطّرَق خالي
تضمضم يوم نابيته وضَفّ الراس بردونه
تذيّر، قلت لا تزمل أنا المملوك يا الغالي
فهو يصف تلك الفتاة التي صادفها في غفلة، وفزعها منه بأن غطّت شعرها بأكمام ثوبها، كعادة النساء قديماً بـ "كبع" الثوب و"نسف" أكمامه فوق الرأس.