عندما كنت طفلة، قرأت قصّة البطة الدميمة، وتأثرت بها إلى حدّ البكاء: تلك البطة الصغيرة التي سخر منها الجميع ورفضوها لمجرّد أنها مختلفة عن بقية "القطيع"، حتى والدتها تطلعت إليها بشفقة آلمتها أكثر من الاحتقار. ولعلها تمنّت في سرّها لو "وَأدَتْها"؛ لأنها ليست جميلة مثل بقيّة إخوتها.
رحلتْ البطة الصغيرة وانزوتْ في مكان قصيّ كأنها تعاقب نفسها. كبرتْ وحيدةً. ومرّت عليها الأيام قاسية من دون أن تنتبه إلى أنّ الزمن "أنصفها" وحوّلها إلى بجعة جميلة.
أنا أيضاً كبرتُ، وتحوّلتُ من طفلة صغيرة تعاطفتْ مع البطة المختلفة إلى شابّة تتطلع يومياً إلى مرآتها تستنطقها: هل أنا جميلة؟
ومع الزمن، تغيّر السؤال: ما معنى أن تكون المرأة جميلة؟ تحدّث البعض عن جمال الروح. وأصرّ البعض الآخر على جمال الجسد. "كوني جميلة واصمتي".. هل تعني أنّ جمال الجسد يُنسينا قبح الروح؟ أم أنّه لا يُغنينا عن جمال الروح؟ هل حوّلْ بعض وسائل الإعلام، والإعلان، المرأة إلى تمثال من شمع؟ إلى قالب فاتن يحمل روحاً من رخام؟
فتنتُ بشاعر المرأة والحب، نزار قباني، وبحثتُ عن صور بلقيس المرأة "التي أتقنتْ اللعبة" وحوّلته إلى عاشق متيّم، فحوّلها إلى آلهة حب وجمال. وتساءلتُ: هل هي فعلاً أجمل نساء الأرض؟ وهل لي من جمالها ولو نزْرٌ يعطيني ثقة بنفسي؟
نضجتُ وانشغلتُ عن لعبة الجمال لسنوات قضّيتُها في التحصيل العلمي وبناء شخصيتي، حتى قابلتُ رجل حياتي، أحببتُه ورأيت نظراته لي، ولهفته وغيرته عليّ، حتّى خُيِّل إليّ أني أصبحتُ "بلقيسَه". يومها عاودني ذلك السؤال: ما معنى أن تكون المرأة جميلة؟ وبدل أن أبحث عن الإجابة، دهمني الوجه الآخر للسؤال: وهل توجد امرأة قبيحة؟ تطلعتُ إلى عينيه فرأيتُني، وأدركتُ حينها أنّ المرأة تحسّ بجمالها عندما ترى ذلك في عينيْ رجل تحبه ويعشقها، وأنّ الوصول إلى قلب ذلك الرجل لا يكون إلا عبر الوصول إلى تحقيق ذاتها وامتلائها بنفسها. عندما تحبّ المرأة نفسها وتتصالح مع جسدها تستطيع التطلع إلى مرآتها بكل ثقة لتصرخ: أنا جميلة.
الآن أتطلع إلى ابنتي وهي تستنطق مرآتها يومياً لتعيد سؤالي القديم نفسه: هل أنا جميلة؟
أودّ أن أختصر عليها زمناً من الحيرة وأخبرُها –صادقة- أنها جميلة، فلا تطمئنّ كثيراً لجوابي. يبدو أنّ تغزّلي بها وحبّي اللاّمحدود لها لا يشفيان غليلها.
ولكني لستُ قلقة عليها؛ لأنّ الجمال لم يتحوّل إلى هوس يلهيها عن دروسها وبناء شخصيتها. فعندما كنتُ أقرأ لها، طفلةً، قصة البطة الدميمة لم أنس أن أبثّ لها من خلال السطور حكمة السنين: لا توجد امرأة جميلة وامرأة قبيحة، بل توجد امرأة ناجحة وامرأة فاشلة. امرأة قد تلتقي يوماً ما رجلاً حقيقياً يتقن فنّ الحبّ فيضفي جمالاً على جمالها.