كثيراً ما تدور في مجالسنا كلمات لها دلالة واحدة مهما اختلفت مسمياتها في كل أسرة أو بيئة، ومنها: "يا أخي أنا أستحي"، "لا تحرجني رجاء"، "أخاف ما يفهمني لو قلت له"، "لا أستطيع وأشعر بصعوبة في التنفس لو تكلمت"، إن هذا الشبح الذي يلاحق الكبار والصغار في كل بيئة، ويعتبر من أشد الأمراض فتكاً بقيم التواصل الاجتماعي، فيضع الحواجز التي لا تنتهي بين كل فرد وآخر.
حول الرهاب الاجتماعي يحدثنا المستشار الأسري والاجتماعي عبد الرحمن القراش في السطور الآتية.
بداية يعرف القراش الرهاب الاجتماعي بقوله: "إنه حالة مرضية، وهناك فرق واضح بين الخجل والرهاب، فالخجل حالة يمكن أن تطرأ على الإنسان في أوقات معينة فقط أو في بعض المواقف ويستطيع الخروج منها والسيطرة على نفسه بحسب ما يراه مناسباً، ولكن الرهاب هو تملّك الخوف غير المبرر قبل وأثناء وبعد الحدث، بحيث يجعل صاحبه لا يستطيع النوم أو الأكل، وربما يصل لحالة التقيؤ أو الإسهال، وحالة الرعب هذه تسمى " الرهاب الاجتماعي"، ويبدأ هذا المرض مبكراً في سن الطفولة، ويستمر في النمو والتدرج بحسب حالة المريض والإهمال في علاجه والبيئة الحاضنة للسلوكيات السلبية حتى يصل لمرحلة متقدمة يصعب السيطرة عليها، وتحتاج وقتاً طويلاً لعلاجها".
• أسبابه:
يشير القراش إلى وجود عدد من الأسباب للرهاب الاجتماعي، ومنها:
1. الأسباب الأسرية:
نشأة الشخص في بيئة يكون بها الاهتمام الزائد الملغي لشخصية الفرد أو الانطوائية والبعد عن الناس أو الحذر غير المنطقي بحيث يرتفع معدل ثقافة العيب والحرام في كل التصرفات، والخوف من الإقدام والشك في نوايا الآخرين دون ذكر سبب لها، حيث يكبر الطفل وينشأ على أن كل التصرفات بها عيب وحرام، فيصاب بالخوف من أتفه الأسباب؛ لأنه لم يجد من يفهمه الفرق بين العيب والحرام، ومتى يمكن استخدام تلك العبارة؟ ومتى يمكن تجاوزها؟
2. الأسباب السلوكية:
التعرض لصدمة من تصرف حدث أمام الشخص وأصبح لديه رهاب من كل المواقف، حيث يحسب لكل كلمة أو تصرف ألف حساب خوفاً من الوقوع في نفس المأزق والحرج، فينخفض لديه معدل "الأدرينالين" عند وقوع أي حدث مثير في حياة الشخص.
3. الأسباب الوراثية:
لا ننكر دور الوراثة في انتقال هذه العدوى من خلال الاطلاع على تاريخ الأسرة الطبي، فالأسر التي لديها سوابق مع هذا المرض يكون المحيطين بهم أو أقاربهم يحملون نفس الجينات التي ربما تكون بيئة خصبة وحاضنة لاستقباله.
• الأعراض
وحول الأعراض يقول القراش: "يختلف حدوثها من شخص لآخر، وتختلف درجاتها والإصابة بها، فكل شخص يصيبه نوع أو نوعان أو ثلاثة أنواع منها، وأشهرها ما يلي:
الاحمرار الزائد، التعرق غير المنطقي، المغص الشديد، التبول اللاإرادي، الإسهال المفاجئ، الحركات الهستيرية المضطربة، الإغماء، الهروب من المكان، اختلاق الأعذار الكاذبة، فقدان الشهية، وعدم القدرة على النوم".
• العلاج
يضيف القراش: "لا تزال الكثير من أمراض النفس البشرية قيد البحث والدراسة، ورغم تطور علم النفس الحديث إلا أنه لم يجد الحل النهائي للكثير منها كالرهاب الاجتماعي"، مبيناً بعض العلاجات التي يمكننا تقديمها، وهي:
1. العلاج الأسري: يجب إعادة تقييم بعض المفاهيم والعادات وسرعة علاجها، وأهم تلك المفاهيم مفهوم ثقافة "عيب، حرام، لا يجوز، انتبه"، كما يجب أن توضع حدود واضحة لجميع أفراد الأسرة ومرجعية لكل حد، فالأمور الشرعية الحلال فيها بيّن والحرام بيّن وما تشابه من الأمور فيرد فيه لأهل العلم للفصل مباشرة فيها، ويجب عدم تكبير حجم الأمور الاجتماعية كالعادات بحيث يؤخذ منها ما يوافق العقل والدين وينفى ما يخالفهما دون ضرر أو ضرار، بالإضافة لفتح قنوات الحوار بين أفراد الأسرة، فيعبر الجميع عن آرائهم من دون خوف أو خجل، ما يساعد في خروج الطفل للمجتمع بشجاعة ومقدرة على التأقلم بلا رهبة، ناهيك عن احتواء المخطئ وعدم القسوة عليه وتوضيح سوء الفهم له؛ لأن ذلك سيكسبه ثقافة الاعتذار والصدق في الحديث مستقبلاً خصوصاً بين الزوجين.
2. العلاج السلوكي: في البداية يجب أن يتم تعليم المريض أسلوب الاسترخاء والسيطرة على التوتر حتى يستطيع بناء الثقة بنفسه وعدم الاهتمام بنظرة الآخرين له، ومن الضروري سلوكياً تشجيعه على مواجهة الموقف وكثرة امتداحه والثناء عليه لكي ينخفض معدل القلق لديه، ويكون ذلك بصورة متدرجة من المواقف التي يكون فيها التوتر أقل إلى المواقف الأعلى في التوتر، كذلك بناء جسور تعليمية ومهارات تساعد على اختيار الألفاظ المناسبة التي تعبر عن الرأي، ويحتاج لذلك إشراكه في دورات تطوير الذات التي تتميز بالحوارات.
3. العلاج الدوائي: يجب عدم إهمال دور الطب النفسي من خلال عرض المريض على مختص جيد يصرف له بعض الأدوية المساعدة في رفع معدل "الأدرينالين" بنسب معينة تؤخذ بالتدرج حتى لا يدمن عليها.
المزيد: