كان يا ما كان في قديم العصر والزمان، في وطن من أجمل الأوطان، فتاة شابة رسمت حلماً بثبات وإتزان..
كانت تدرك أن الطريق صعب ووعر، وأن الوصول يكاد يكون مستحيلاً، لكن لأن "المستحيل" لم يعد يجد له مكاناً اليوم في مملكة الفرص، تحول حلم الفتاة إلى واقع، والجهد الذي بذلته لأكثر من عقد من الزمن أثمر ونضجت ثماره. نتحدث هنا عن رائدة الأعمال ريوف بنت خالد الرميح، التي أدركت منذ الصغر شغفها بالمجال الإبداعي، ومع نمو دور التسويق الإبداعي حددت أهدافها بتأسيس وكالة متخصصة بذلك، تقودها امرأة وفريق سعودي شاب آمنت بقدراته ومهاراته.
اليوم، بمناسبة اليوم الوطني السعودي 94، نستضيف ريوف الرميح لتتحدث لنا عن بداياتها المليئة بالتحديات، وعناصر ثقتها بنجاح مشروعها، وعما حظي به القطاع الإبداعي من دعم وتحفيز في ظل استراتيجيات رؤية 2030.
رائدة الأعمال ريوف الرميح اختارت أن تظهر خلال هذا الحوار بملابس تعكس الثقافة السعودية، من تصميم المصممة السعودية نورة آل الشيخ.
تحويل التحديات إلى فرص
حدثينا عن البدايات والعمل على تحويل الحلم إلى حقيقة؟
تأسيس "نثار" كان مزيجاً من الحلم الذي تحقق والجهد الذي أعطى ثماره واستثمار ذكي للفرص. كانت الرؤية من البداية هي تقديم منصة إبداعية تدعم وتُمكّن النساء وتقدم حلولاً تسويقية مبتكرة. لم يكن الطريق سهلاً، ولكن عبر العمل الجاد والإصرار على التميز، استطعنا تحويل التحديات إلى فرص. اليوم، "نثار" ليست مجرد شركة، بل قصة نجاح تعكس التفاني والإبداع والاستثمار الذكي في الفرص التي قدمت لنا.
أن تؤسسي مشروعاً من نقطة الصفر في قطاع تنافسي مزدحم ويعج بالصعوبات، ألم تكن مخاطرة؟
نعم، كان تأسيس هذا المشروع من نقطة الصفر في قطاع مليء بالمنافسة مخاطرة كبيرة. السوق كان مزدحماً ومعظمه يهيمن عليه الرجال، مما جعل من الصعب كسر القوالب النمطية وإثبات قدرة المرأة السعودية على القيادة والابتكار. واجهنا تحديات عدة، تتعلق بكسر القوالب النمطية وبناء الثقة في سوق تقليدي وخلق مكانة مميزة بين المنافسين. ولكن من خلال تقديم خدمات مبتكرة واستراتيجيات غير تقليدية، حولنا هذه التحديات إلى فرص للنمو والتفوق. بفضل الإصرار والدعم المستمر، استطعنا أن نثبت وجودنا ونحدث فرقاً حقيقياً في الصناعة. وبفضل رؤية المملكة 2030 ودعم القيادة، تمكنت الشركة من كسر الحواجز والريادة في صناعة الإبداع والتسويق.
ما الذي منحك الثقة بنجاح المشروع؟
ما منحني الثقة بنجاح المشروع هو إيماني بقدرة المرأة السعودية على القيادة والإبداع، ورغبتي في تقديم أفكار مبتكرة في سوق يفتقر إلى وجهات نظر جديدة. كانت هناك حاجة لخدمات تتجاوز الحلول التقليدية، وتقديم استراتيجيات تسويقية مبتكرة تلبي تطلعات العملاء. الثقة جاءت أيضاً من دعم قيادتنا وتوجهات رؤية 2030، التي شجعتنا على الحلم بشكل أكبر. كذلك حظيت بدعم كبير من أب رائع، رحمه الله، وكان يحثني دوماً على الصبر، وتعلمت منه الشغف والإصرار، وكان يقول لي دوماً "لا شيء مستحيل إذا توفرت الإرادة والإصرار".
في هذا السياق، هناك عدة عناصر ساهمت في نجاح المرأة العربية كرائدة أعمال، تعرفوا إليها
القوة الدافعة للتغيير
حرصت على تكوين فريق عمل من الشباب السعودي الموهوب، ما أهمية أن تمنح الشركات والمؤسسات ثقتها لهؤلاء الشباب؟
أؤمن أن الشباب السعودي هم القوة الدافعة للتغيير والإبداع، وهم من يمتلكون الطاقة والحماس لإحداث الفارق. تكوين فريق من الشباب الموهوب كان خياراً استراتيجياً لأنهم يجلبون أفكاراً جديدة ورؤى غير تقليدية.
منح الثقة للشباب هو استثمار في المستقبل، إذ يفتح الباب أمام الابتكار والتجديد ويعزز بيئة عمل متجددة. الشباب السعودي اليوم يمتلك المهارات والمعرفة، وعندما يُمنح الدعم، يمكنه تحقيق إنجازات كبيرة. في "نثار"، نعتبر الاستثمار في المواهب الشابة جزءاً أساسياً من رؤيتنا ونحرص على تمكينهم وتطوير مهاراتهم.
"منح الثقة للشباب هو استثمار في المستقبل"
وإذا أردنا تحديد 5 صفات أو مهارات يتميزون بها: ما هي؟
الإبداع والابتكار: الشباب السعودي يتميز بقدرة فائقة على التفكير الإبداعي والخروج بأفكار جديدة وغير تقليدية تساهم في تعزيز التميز في بيئة العمل.
المرونة والتكيف: لديهم القدرة على التكيف مع التغيرات السريعة في السوق واستيعاب التوجهات الجديدة، مما يجعلهم قادرين على تقديم حلول مبتكرة في مواجهة التحديات.
الشغف والتفاني: الشباب السعودي يظهر شغفاً كبيراً تجاه عملهم، مع استعداد للتفاني في تحقيق الأهداف والتميز فيما يقومون به، وهذا ينعكس في جودة العمل وأدائه.
العمل بروح الفريق: يمتلكون مهارات عالية في العمل الجماعي والتعاون مع الآخرين، مما يعزز من قدرات الفريق ويخلق بيئة عمل متجانسة ومثمرة.
الطموح والرغبة في التطور: يتميز الشباب السعودي بطموح كبير ورغبة مستمرة في التعلم وتطوير مهاراتهم، مما يدفعهم لتحقيق نتائج أفضل والمساهمة بشكل إيجابي في نمو المؤسسات.
"لا تخافوا من الفشل"، بهذه الرسالة تتوجهين دوماً للشباب، لماذا؟ أو كيف تنظرين للفشل؟
أؤمن أن الفشل خطوة ضرورية على طريق النجاح. من خلال تجربتي، أدركت أن الفشل ليس نهاية، بل فرصة للتعلم والنمو. كل تحدٍ يعلمني ويقويني، لذا أشجع الشباب على رؤية الفشل كفرصة لتعلم شيء جديد وتحقيق النجاح في المستقبل.
عمق تأثير المرأة
تقولين "النساء قادرات على القيادة والإبداع"، ما أهم ما يميز المرأة السعودية اليوم؟
المرأة السعودية اليوم تتميز بالطموح والإصرار، وقد أثبتت نفسها في مختلف المجالات بفضل كفاءتها وشجاعتها. نحتفي بإنجازاتها المتنوعة، مع تكريم دور جداتنا اللواتي ساهمن في بناء المجتمع. كما نبرز التأثير التاريخي للمرأة السعودية، مثل دورها في الحروب وتقدير الملك عبدالعزيز لأخته نورة بتسميته "أخو نورة"، مما يبرز عمق تأثير المرأة في تاريخ المملكة. تجمع المرأة السعودية بين الحفاظ على هويتها والانفتاح على العالم، مما يعزز من دورها القيادي في بناء المستقبل.
من هي المرأة التي تعتبرينها قدوة لك في الحياة؟
والدتي هي قدوتي في الحياة لأنها تجسيد حقيقي للقوة والإيجابية. طوال حياتها، كانت دائماً مصدر دعم لا ينضب لي، تعلمني الصبر والإيمان بقدراتي، حتى في أصعب الأوقات. لقد غرست فيّ القيم الأساسية مثل الإصرار والعمل الجاد والتفاني، وكانت دائماً تذكرني بأن الفشل ليس نهاية المطاف، بل خطوة نحو النجاح. بفضل حكمتها وإيمانها بي، تعلمت كيف أواجه التحديات بثقة وأعمل على تحقيق أحلامي دون تردد. قوة شخصيتها وإيجابيتها المستمرة جعلتها نموذجاً يُحتذى به، ليس فقط في حياتي، ولكن لكل من حولها.
التحول الرقمي فرصة للنمو
"الإبداع والابتكار الإنساني لا يمكن استبدالهما بأي تقنية"
التحول الرقمي هل أثر على الدور التقليدي لشركات الخدمات التسويقية والإبداعية؟
التحول الرقمي أثر بشكل كبير على الدور التقليدي لشركات التسويق والإبداع، حيث غيّر طريقة التواصل مع الجمهور وتقديم المحتوى وبناء الاستراتيجيات. اليوم، لم يعد الأمر يقتصر على الإعلانات التقليدية، بل يتطلب تفاعلاً فورياً عبر المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي.
فرض التحول الرقمي على الشركات أن تكون أكثر ديناميكية وتبني التكنولوجيا في عملياتها، مما يتيح فرصاً للابتكار من خلال البيانات والتحليلات. ونحن نرى التحول الرقمي كفرصة للنمو، حيث نمزج بين الإبداع والتكنولوجيا لتقديم حلول تسويقية متكاملة تلبي احتياجات العملاء بفعالية. الشركات التي تتكيف مع هذا التحول هي التي ستستمر في قيادة السوق.
وهل تتخوفون من أن يحل المجال الالكتروني والذكاء الاصطناعي يوماً ما مكان العنصر البشري والمؤسساتي في هذا القطاع؟
لا أرى أن المجال الإلكتروني والذكاء الاصطناعي سيحلان مكان العنصر البشري تماماً في قطاع الخدمات التسويقية والإبداعية. رغم أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يسهمان في تحسين الكفاءة وتقديم حلول تسويقية مخصصة، إلا أن الإبداع والابتكار الإنساني لا يمكن استبدالهما.
التسويق والإبداع يتطلبان فهماً للثقافة والمشاعر الإنسانية، وهو ما لا يمكن للذكاء الاصطناعي تحقيقه وحده. نحن نؤمن بأن التكنولوجيا تعزز قدراتنا، لكنها ليست بديلاً عن اللمسة البشرية والإبداع. الجمع بين الذكاء الاصطناعي والعنصر البشري هو ما يحقق التميز والنجاح المستدام.
خلق التوازن
كيف توازنين بين التزامك بتعزيز المكون الوطني وإيمانك بأهمية الانفتاح على التجارب والخبرات العالمية؟
التزامي بتعزيز المكون الوطني ينبع من إيماني بقدرات الشباب السعودي ودورهم في بناء المستقبل. لذلك نحن نحرص على دعم وتطوير المواهب المحلية والمشاريع التي تعكس هويتنا وثقافتنا.
في الوقت نفسه، الانفتاح على التجارب العالمية يتيح لنا التعلم من الممارسات الناجحة وتطويرها بما يناسب احتياجاتنا. يساهم هذا التوازن في بناء شركات قادرة على المنافسة محلياً ودولياً، ويعزز من دورنا في تقديم صورة إيجابية عن السعودية للعالم.
تشددين دوماً على التمسك بالأخلاقيات المهنية، ما الذي يشمله هذا المفهوم بنظرك؟
تشمل النزاهة، الشفافية، والاحترام المتبادل بين أعضاء الفريق والعملاء والشركاء، إلى جانب تحمل المسؤولية عن القرارات، وتقديم الأفضل دون المساومة على القيم. تتضمن أيضاً الأمانة في العمل، حفظ السرية، واحترام الحقوق الفكرية.
التمسك بالأخلاقيات المهنية يعزز بيئة عمل تقوم على الثقة والاحترام، مما يشجع على التعاون، الإبداع، والإنتاجية. كما يحظى بتقدير العملاء والشركاء، مما يعزز سمعة الشركة ويبني علاقات طويلة الأمد. الأخلاقيات المهنية ليست مجرد قواعد، بل هي الأساس لبناء مستقبل مستدام وناجح.
بيئة محفزة لريادة الأعمال
في ظل استراتيجيات الرؤية، القطاع الإبداعي حظي بحصة كبيرة من الاهتمام، حدثينا عن ذلك وكيف انه عزز وجود بيئة مشجعة ومحفزة لرواد الأعمال؟
استراتيجيات رؤية 2030 قدمت دعماً كبيراً للقطاع الإبداعي كجزء من جهود تنويع الاقتصاد وتعزيز الصناعات الإبداعية، مما أدى إلى بيئة حاضنة ومحفزة لريادة الأعمال. اليوم، نشهد نمواً في الشركات الناشئة بالمجالات الإبداعية بفضل المبادرات الحكومية، والبرامج التمويلية، والمراكز الإبداعية التي تدعم الابتكار والمواهب الشابة. هذا الاهتمام ساهم في إبراز الهوية الوطنية وتعزيز ثقافة الابتكار، مما جعل المملكة بيئة خصبة لتحويل الأفكار الإبداعية إلى مشاريع ناجحة تسهم في تحقيق رؤية مستقبلية مزدهرة.
ريادة الأعمال ليس ملعباً سهلاً: أعطنا 5 عناصر تساعد رواد الأعمال على النجاح؟
الرؤية الواضحة: تحديد أهداف واضحة وطويلة الأمد يساعد في توجيه الجهود نحو تحقيق النجاح وبناء مسار واضح للنمو.
المرونة والتكيف: القدرة على التكيف مع التغيرات والتحديات والاستفادة من الفرص المتاحة تعتبر أساسية لمواصلة التطور والابتكار.
الابتكار المستمر: البحث عن حلول جديدة ومبتكرة تميز المشروع عن المنافسين، مع التركيز على تحسين المنتجات والخدمات.
بناء فريق قوي ومترابط: تكوين فريق عمل مؤهل ومتجانس يشارك الرؤية ويعمل بتفانٍ. من المهم أن يكون القائد قريباً من الفريق، يستمع إلى آرائهم ويعزز التواصل المفتوح، مما يخلق بيئة عمل تحفز على التعاون والإبداع ويشعر فيها الجميع بقيمة مساهماتهم.
الإدارة المالية الحكيمة: التحكم في النفقات والاستثمار الذكي في الموارد يضمن استدامة المشروع ونموه، مع التأكيد على التخطيط المالي السليم واتخاذ القرارات المبنية على البيانات.
قاعدتك الرئيسية في ريادة الأعمال هي التفكير خارج الصندوق، أي آفاق تطمحين بالوصول إليها؟
التفكير خارج الصندوق هو جوهر عملي في ريادة الأعمال ويقودني لاستكشاف آفاق جديدة. أطمح أن تصبح "نثار" وكالة إبداعية رائدة عالميًا، تستقطب العقول المبدعة وتقدم حلولًا تسويقية غير تقليدية، ونموذجاً في الابتكار والاستدامة وقيادة قطاع الإبداع والتسويق على المستوى الإقليمي والعالمي. أسعى لتوسيع نطاق أعمالنا دوليًا، وبناء شراكات مع شركات عالمية لتعزيز الابتكار وتبادل الخبرات، كما وأهدف بشكل رئيسي إلى تمكين المرأة السعودية في المجال الإبداعي.
اليوم الوطني السعودي 94
"سأظل ملتزمة بنقل قصص النجاح والإبداع للعالم"
بمناسبة اليوم الوطني السعودي: كيف تعرفين لنا الوطن؟
الوطن هو الأرض التي تحمل أحلامنا وتاريخنا ومستقبلنا. السعودية هي مهد الطموح والإلهام، ومنحتني الكثير من الفرص لأحقق ذاتي، وأساهم في بناء المجتمع من خلال عملي في القطاع الإبداعي. دعمتني لأكون واحدة من أوائل النساء اللواتي أطلقن وكالة إبداعية متخصصة، ووفرت لي كل ما أحتاجه من بيئة محفزة وإمكانيات لتحقيق النجاح.
وعدي لوطني هو أن أستمر في العمل بإخلاص وتفانٍ، وأن أسهم في تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة، وأن أدعم الشباب السعودي في تحقيق طموحاتهم. سأظل ملتزمة بنقل قصص النجاح والإبداع للعالم، والعمل على تطوير بيئة إبداعية تعكس قيمنا وهويتنا الوطنية بكل فخر واعتزاز.
قد يهمكم أيضاً أن تقرأوا : "سيدتي" تبحر بفخر في إنجازات المرأة السعودية