يقول المثل الأرجنتيني: «متى دخلت الغيرة، خرجت الحقيقة من الرأس»، ويقول المثل الآخر: «الغيرة تشل الحب»، كلنا يعرف أنَّ الغيرة ناشئة عن حب عميق وجد بين طرفين، ولا حب في الكون أجمل من الحب الغريزي الإلهي من الأم تجاه أبنائها وبناتها، ولكن ماذا لو اختلت الموازين، وازدادت جرعة الغيرة، وزاد الطين بلة وكان مصدر الغيرة هو نبع الحنان، فهل ستصاب الحقيقة بطلقة «لطيفة» متجهة نحو رأسها؟!
«سيدتي» ترصد آهات الفتيات الممزوجة بشيء من اللامعقول، المضحك والمبكي في آن، عبر هذا التحقيق:
تحكي لنا ليلى البرزن «30 عاماً»، ربة منزل، قصة صديقتها المعذبة من غيرة والدتها المفرطة، بلهجة لا تخلو من الطرافة وشيء كبير من التعجب، قائلة: والدة صديقتي تزوجت مبكراً، وكبر أبناؤها، وهي لم تبلغ سن اليأس بعد، فأصبحت تغار من ابنتها الوحيدة، وظهر ذلك بوضوح تام على مرأى من الجميع؛ إذ كانت تقلّد ابنتها في أزيائها بالمناسبات تقليداً كاملاً، وكانت تتعمد في بعض الأحيان مفاجأة ابنتها بذلك، وتقاطع حديث الأشخاص عندما يمتدحون ابنتها؛ متسائلة عن حجم جمالها مقارنة مع ابنتها، كل ذلك أدى بالفتاة إلى الانعزال بشكل كبير. وأضافت: بعد عقد قران الابنة، كانت والدتها تتسوق مثلما تتسوق ابنتها وبالمتطلبات والموديلات والماركات نفسها وكأنها عروس جديدة، وبعد زواج الفتاة، طلبت الأم من زوجها أن تسافر؛ لتجدد شهر العسل، فهي لا تقل عن ابنتها في شيء.
كأنها حماتي
أما ندى «25 عاماً»، طالبة جامعية في قسم التمريض فتخبر عن أمها قائلة: منذ الصغر ألاحظ غيرة أمي عندما يبدي أبي اهتماماً كبيراً لي، ولكن لم أتوقع أن تصل الغيرة إلى ذروتها، فتغار من شريك حياتي القادم، وكأنها حماتي وليست أمي؛ إذ عبّر لي خطيبي ذات مرة بالتلميح ومرة أخرى بالتصريح، عن صدور بعض التصرفات المضحكة من والدتي والتي تدل على غيرتها، أحد هذه التصرفات أنها تقوم بأخذ الصحن الذي يحضره الشاب خصيصاً لشريكة حياته المقبلة كنوع من الدلال، وتجلب الكأس المعبأة بالعصير والخاصة بابنتها، ومن ثم تبادر للجلوس بجانبه، وتخبره بأنها مثل ابنتها، وباستطاعته أن يبتدئ الأكل والجلسة بدونها، فأمها تغني عنها.
تنافس في عمليات التجميل
ويرى حسين آل غالب «28 عاماً»، موظف في القطاع الخاص، أنَّ هذه الغيرة موجودة في كثير من الأمهات في عصرنا الحالي المعتمد على المادة بشكل كبير، فعندما تشب ابنتها، وتبدأ في مسايرتها بعالم الموضة والأزياء تطفو جذوة الغيرة، وقد تخمد أحياناً، أو تشتعل عند البعض.
ترمي إلى الإغراء!
وتروي أنعام سعيد رضا «24 عاماً»، معلمة رياض أطفال، قصة تلك الطفلة البالغة من العمر 10 سنوات التي اشتكت والدتها منها، وذلك جرّاء قيامها ببعض التصرفات التي قد نراها نحن عادية جداً، ونقيّمها تحت مسمى «شقاوة الطفولة»، لكن الأم صرحت بإحساسها قائلة: تغيظني ابنتي بتصرفاتها أمام والدها؛ إذ ينجذب لها ولا يلتفت إليَّ، فهي تقوم بتقبيل والدها كثيراً عندما يأتي من العمل فينشغل بها ولا يتذكرني».
تخوفني بالسحر والعين
وتخبر «س.ع» «25 عاماً»، خريجة جامعيَّة عن والدتها التي منعتها من زيارة صديقاتها، وحرمتها العديد من الأمور المباحة؛ إذ تقول: والدتي تدرك أنّي شخصية تملك القليل من الوساوس، فابتدأ الأمر بغيرتها مني عندما كنت في المرحلة المتوسطة؛ إذ كنت في أوج مراهقتي، وكنت أحب الزينة بسبب وبغير سبب، فكانت كلما تراني صرخت في وجهي أو حطمتني بالنعوت السيئة التي تطلقها عليَّ، وتطور هذا الأمر إلى منع حضور بعض المناسبات العائلية، وذلك بسبب بعض المديح الذي أتلقاه من صديقاتي أو أقربائي، فكانت تدّعي أني سأصاب بالعين، أو توحي لي بأن صديقاتي سيقمن بمكيدة السحر ضدي، وتبعث في نفسي كثيراً من المخاوف والهواجس السيئة.
الرأي النفسي
يخبرنا الدكتور ماجد قنش الأهدل، استشاري علم نفس وسلوك أسري، أنَّ لمثل هذه الظاهرة أسباباً عديدة منها:
1- دلال الأب المبالغ فيه للفتاة، وإهمال الأم بشكل ملحوظ، ما يؤدي بها إلى الغيرة.
2- تراكمات قديمة ناتجة عن حرمان الأم من الحنان في فترة الطفولة، ويتبعه حرمانها من ذلك من جهة الزوج.
3- عدم إدراك بعض الأمهات لفارق السن بينها وبين ابنتها.
4- اختلاف الأجيال والحرية التي قد تتمتع بها فتاة اليوم، قد لا تتمتع بها فتاة الأمس.
ولكي تتفادى الفتاة الأزمة النفسية التي قد تمرّ بها، عليها إدراك الفارق العمري بينها وبين والدتها، وما يتبع ذلك من تغيرات شكلية وهرمونية ونفسية، واستيعاب كل ذلك بصدر رحب، ومحاولة نقاشها والحديث معها إن صدر منها أي أمر مريب أو غريب، إضافة إلى أنَّه يجب على الفتاة ألا تتصور أن أي تصرف سلبي صادر من والدتها هو دليل على غيرتها منها، قد يكون أحياناً شيئاً من الانفعال الوقتي، أو العتاب أو الخوف على فتاتها، وفي حال أنَّه اجتمع لديها أكثر من مؤشر يدل على غيرة والدتها، عليها أن تلجأ إلى مختص يرشدها بطريقة صحيحة، ويُفضل ابتعادها عن الحديث لعامة الأشخاص الذين قد يُسيئون التوجيه لها.
الرأي الاجتماعي
يشاركنا المستشار الدكتور عامر الأسمري مدلياً برأيه قائلاً: غيرة الأمهات من فتياتهن لا تعتبر ظاهرة؛ لأنَّ هذه المشكلة ليست منتشرة بشكل كبير في المجتمعات، فالأصل أن غريزة الأمومة غطاء كبير يضم الأحاسيس الجميلة، وهذه المشاكل هي طارئة بفعل الزمن، أو ثمة أسباب أدت إليها، كما أنَّ الغيرة صفة سيكولوجية فطرية في المرأة، خاصة تجاه المرأة مثيلتها، والمتعارف عليه أنَّ المرأة تغار إذا ارتبطت برجل متزوج من أكثر من امرأة، أو كان الرجل ذا سلوك غير سوي، وقد تغار الفتاة من أختها أو من إحدى قريباتها، وهذا يحدث كثيراً، أما أن تغار الأم من ابنتها فهذا خلل واضح، قد يتسبب باضطراب الفتيات سلوكياً، كمحاولة للتخلص من جحيم الأمهات، فهذه المشكلة تحتاج إلى التوجيه والتربية والعلاج، إن كان الخلل مرضاً نفسياً أو سلوكياً يمكن علاجه والاستشفاء منه، إضافة إلى أنَّ المجتمع يحتاج المزيد من المراكز التربوية؛ لتثقيف الأمهات وتعليمهنَّ فن التعامل مع الأبناء.