يصعب بل يكون مستحيلاً أن يستغني أحد عن الموبايل هذه الأيام؛ نظراً لإيجابياته وفوائده المعروفة. ولا شك أنَّ هناك شريحة كبيرة من النساء، إن لم يكن جميعهنّ يقعن ضمن أولئك اللاتي يضعن الموبايل بيد وبالأخرى يعملن أي شيء.
تستهل رهف الشريف (25 عاماً ـ فنانة تشكيلية) بقولها: «لا أرى أنَّ الهاتف الجوال يؤثر في حياتي بشكل سلبي، فقد استفدت منه كثيراً في الاطلاع والقراءة بحكم تخصصي، وساعدني كثيراً على التعلم أكثر وتطوير موهبتي للأحسن، على الرغم من أنه يسرقني قليلاً من الاجتماع بالأهل والجلوس معهم، لكن مع تنظيم الوقت لا توجد مشكلة».
من جهة أخرى هتاف بكر (إعلاميَّة ـ 25 عاماً) توضح «أن الموبايل أصبح من الأساسيات والأهم في حياة المرأة؛ لأنَّ ذلك يوفر عليها التواصل مع صديقاتها وأهلها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، مع العلم من وجود سلبيات وإيجابيات يُخلفها هذا الموبايل، ومن أول الإيجابيات أنه يجعل المرأة متصلة بالعالم بشكل دائم، وتعلم كل ما هو جديد من تقنية أو موضة أو أخبار. ومن سلبياته إهمال المرأة أمورها وواجباتها من مسؤولية منزل وتربية أبنائها، فالاستخدام المفرط للأجهزة يجعل هناك دائماً فجوة مُخيفة بين الأم وأولادها، وربما يتطور الأمر أيضاً بينها هي وزوجها، وتفكك في العلاقات الحميمة، وهذا يعتبر خطأ فادحاً أيضاً يؤثر على طرق تعاملها وأسلوبها مع صديقتها وأهلها. وعلى المرأة أن تستخدم الموبايل بشكل معقول من دون الإدمان، ما يجعله يؤثر على حياتها».
مظهر
نجاح عبدالسلام (24 عاماً ـ معلمة أحياء) تقول: «علاقة المرأة بالموبايل لا تنتهي، ومتى ما خطر ببالها الاستغناء عنه يستحيل ذلك في ظل وجود الأسرة، فبضغطة زر من أحدهم يرن الموبايل وترد لتلبي، فهو ملازم لها». لافتة إلى أنَّ «استخدام الموبايل بالنسبة لبعض النساء أصبح من المظاهر التي تستخدم للتباهي، ومؤشراً إلى الحالة الماديَّة، الأمر الذي يجعل كل امرأة تحرص على أن تقتني أحدث الموديلات، وهو عبء إضافي على الأسرة وزيادة في نفقاتها».
الرأي الاجتماعي
«المرأة والموبايل... قصة عشق لا تنتهي»، بهذه المقولة استهل المستشار الاجتماعي أ.عبد الرحمن القراش حديثه قائلاً: «الأنثى منذ أن تعرفت على هذه التقنية، وأصبحت تتحكم بها، عقدت معها عهداً لا تنقضه، ولا تتخلى عنه مهما كلفها الأمر»، ويستكمل بقوله: «منذ الأزل لم نسمع بقصة عشق حدثت بين كائن حي وجماد، يسمع وينطق كيفما أراد صاحبه من دون مخالفة لأمره، أو معارضة لفكره، أو رفض لرأيه، إلا قصة الأنثى والموبايل، إنها «قصة عشق من نوع خاص»، حيث أصبحت لا تنام إلا وهي محتضنة له، تنثر عليه أحاسيسها، وتداعب أزراره بأنوثتها، وتمسح أحزانها بمعانقته. عشق لا يمنعها منه أحد، ولا يرفضه عاقل، بل أصبح الكثير من الأزواج والأقارب والعِرْسان إذا أرادوا التودد والتقرب منها قدموا لها أحدث الأجهزة التي ترضيها عنهم، فتحتضنه أمامهم من دون خجل».
لافتاً إلى أنَّ «المرأة عاشت فترة من الزمن تقبع في قوقعة الرجل؛ لا تنظر إلا بمنظاره، ولا تسمع إلا كلامه، ولا تفهم إلا بطريقته، حتى حصلت هذه التقنية الرقمية ببرامجها المتعددة، فأخرجتها من بحر الظلمات إلى محيط المعرفة والإدراك، من دون تدخل من الرجل بشكل أساسي في حياتها، من قبل أن تتزوج، وهي قد كوّنت لنفسها عالمها الافتراضي الخاص، الذي تقضي معه جلّ وقتها من دون حسيب أو رقيب، إلا في بعض الحالات من تدخل الوالدين بحرمانها منه، فتعيش مثل الضائعة التي فقدت نفسها، وعندما يعود لها فقد عادت لها الحياة مرة أخرى.
وبعد زواجها لا تفتر من معانقته إما هرباً من واقعها السيئ مع زوجها القاسي، الذي لم يستطع أن يحتويها بحبه أو رغبة في اكتساب المعرفة». لاسيما أنَّ هناك فئة من النساء تنسى أو تتناسى أنَّ لها زوجاً وأبناء لهم حقوق عليها، فلا تتعب ولا تمل من المحادثات والمواقع والمتابعات، حتى أصبحت تعيش منفصلة عنهم بحياتها الخاصة، دون مراعاة لأحد أو إدراك لخطورة فعلها، ولو خاطبها أحد أقامت الدنيا ولم تقعدها.
مشيراً إلى المشاكل الأسرية والاجتماعية الكثيرة التي حدثت بسبب تقنية الجوال وتطبيقاته المتعددة، خصوصاً في جانب المرأة، فكم من أسرة هدمها، وكم من أبناء فرّقهم، وكم من ضغينة نشرها، من دون وعي أو محاسبة، وكانت المرأة تلعب دور البطولة فيها، ويعود سبب ذلك لعدم إدراك ثقافة ترشيد الاستخدام اليومي له، حيث تعتبر المرأة مدرسة قيمها تنعكس على كافة أفراد الأسرة، فمهما كان الرجال أشد تعلقاً بالموبايل وأكثر متابعة لبرامجه، فإنَّ ضرره عليهم لا يحاسبون عليه كما تحاسب المرأة؛ فمهما وجدوا للرجل من أخطاء فإنها تُغفر له اجتماعياً ولا تغفر للمرأة، بل تزيد عليها العقوبة، وتتضاعف مهما كان صغر ذلك الخطأ.
وأبان القراش بأنَّه يجب على المرأة أن تدرك أنَّها الجانب المشرق في الأسرة، والأكثر تعقلاً واتزاناً، فترشيدها لاستخدامه سيكون صورة تنعكس على باقي الأفراد، ولا نعفي الرجل من ذلك، بل هو معها في كفة واحدة، يجب عليه ما يجب عليها؛ لأنَّ التربية بالمحاكاة والتقليد أكثر من النصح والإرشاد المباشر للأبناء، والمساندة الأسريَّة، والمتابعة الفكريَّة، والاحتواء العاطفي تنعكس على واقع الأسرة بشكل أفضل.