ما زال لمسلسلات البيئة الشامية بريقها الجذاب عند المشاهد منذ نجاح أعمال قوية في هذا اللون الدرامي في مطلع التسعينيات وعلى رأسها "ليالي الصالحية" و"أيام شامية" وأخيراً وليس آخراً "باب الحارة".
فماهي أعمال البيئة الشامية المتأرجحة على خيط الفشل والنجاح الرفيع في رمضان 2015؟
رغم الإنتقادات والتكرار مازال "باب الحارة 7" متصدراً اهتمام المشاهد العربي
مازال مسلسل "باب الحارة 7 " الأول والمميز ضمن حالته الدرامية الشديدة التفرد والخصوصية لكونه أول مسلسل يستمر نجاحه لسبعة مواسم كاملة، وهذا إنجاز لم يحققه أي مسلسل بيئة شامية سابق. و كان نجاح موسمه الأول مذهلاً وغير متوقع أثمر مواسم ستة أخرى. ورغم الإنتقادات التي وجهت له لتكرار شخصياته وأحداثه والتطويل فيها بدون مبررات منطقية كإعادة أبو عصام من عالم الأموات للحياة مجدداً في جزء ثم تزويجه في الجزء السادس من جاسوسة فرنسية أحبته، وتزويج إبنه معتز من يهودية عشقها في موسمه السابع، مازال موسمه السابع متصدراً قمة اهتمام المشاهد العربي، ومازالت حكاياته موضع نقاش وتندر النساء العربيات في المجالس، ويجمع شمل العائلة قبل السحور بعد صلاة التراويح، وجذبت رومانسية العقيد معتز مع اليهودية الحسناء وهو الجاد والقبضاي اهتمام المشاهدات لأن كلمة الغزل في الأجزاء السابقة عزيزة لا تصدر منه إلا نادراً تجاه زوجته خيرية، ولحديث "باب الحارة" بقية ربما في العام القادم.
"رجال الحارة" نسخة كوميدية خفيفة عن "باب الحارة"
ويعرض في رمضان 2015 الحالي مسلسل البيئة الشامية "رجال الحارة" رغم أنه أنتج في عام سابق من تأليف وإخراج فادي غازي وبطولة نخبة من نجوم سوريا الكبار والشباب المعروفين في مجال الكوميديا، لكنه خال من مشاركة نجوم الصف الأول. وبعض أبطاله شاركوا في مواسم مسلسل "باب الحارة" مثل: نزار أبو حجر وأندريه سكاف وغيرهم. لكن حواراته غير متماسكة ولا متصلة، وضائع،لا يعرف له هوية ثابتة هل هو يجسد البيئة الشامية بأصالتها أم هو نسخة تايوانية كوميدية خفيفة من "باب الحارة"؟ رغم طرحه قصة خفيفة حول اختفاء جرة ذهب يبحث جميع أهل الحارة عنها ضمن قيم وأصالة الحارة الشامية. وهو وسط هذا الكمّ الدرامي الكبير والهائل لم ينجح في اختطاف الملايين من متابعي المسلسل الأصلي "باب الحارة" رغم وجود عدد كبير من رجال "باب الحارة" فيه.
"بنت الشهبندر" لم يأت كبيراً وضخماً كما روّج له
الترويج الضخم الذي سبق عرض مسلسل "بنت الشهبندر" من حيث ضخامة إنتاجه، وأسماء نجومه اللبنانيين والسوريين الكبار عن نص للكاتب هوزان عكو وإخراج سيف الدين سبيعي وإسقاطاته عن الواقع الحالي، جعلنا نتوقع مشاهدة عمل تاريخي درامي رومانسي من الطراز الأول. لكن قصة الحب عادية سبق وقدمت عن الشقيقين راغب (قصي خولي) وشقيقه زيد (قيس الشيخ نجيب) اللذين يحبان بنت الشهبندر ناريمان (سلافة معمار) التي لا تبادل راغب حبه وتميل إلى شقيقه زيد وتتزوجه لكنه يتعرض لإعتداء خارج منزله ويختفي في ظروف غامضة وتلد طفلة في غيابه، ولا ييأس راغب فيستمر بالبحث عنه لغاية الحلقة 15 حيث يعثر على رجل يدّعي أنه هو من قتل شقيقه فيطعنه بخنجر رغم وجود رجال الأمن.
فهل يصدقون موت زيد؟ ويعود الحب فيشتعل في قلب راغب ويتزوج أرملة أخيه؟ وهل مات حقاً زيد أم هو مختطف في مكان ما؟ مع أن بعض المشاهد الترويجية كشفت مبكراً تعرض زيد للتعذيب واحتمال بقائه حياً.
قصة الحب مكررة وليست جديدة،والأحداث تسير بإيقاع بطيء جداً خال من الأحداث أو حتى إسقاطات سياسية أو إجتماعية جديدة ،وأهدرت حلقات كثيرة منه في حوارات نساء ورجال لا تثمر حدثاً شيقاً أو مهماً على أي صعيد لا في الحارة ولا في غيرها، وهذا التطويل ينبىء بموسم ثان وربما ثالث، ولو أنه فعلياً لم ينافس "باب الحارة" جماهيرياً رغم اختلافه شكلاً ومضموناً وحقبة عنه، إلا أن الحارة العشرينية في "باب الحارة" ما زالت متقدمة على حارة "بنت الشهبندر" القديمة.
أين الضرورة الدرامية في تدخين بطل "بنت الشهبندر" السجائر في مطلع 1800 طوال الحلقات؟
كما أن تصريح سلافة معمار في مؤتمر صحفي سبق عرضه بأشهر حول المسلسل بأن أحداثه تدور في مطلع 1800 إثر استقلال ولاية بيروت عن ولاية الشام، والأحداث التي تبرز سيطرة الدولة العثمانية العلية عليها حين يتم البحث عن نجيب (سيف الدين سبيعي) خال راغب بتهمة التجرؤ والتحريض على الدولة العلية، وفي هذه الحقبة بالذات لم يكن تدخين السجائر قد انتشر بعد في بلاد الشام أو حتى تركيا حيث بدأ يعرف في أميركا وأوروبا في مطلع القرن السابع عشر وقيل إنه لم يدخل بلاد الشام إلا في مطلع القرن العشرين عبر الإحتلال الأجنبي.وفي عام 1836 اخترع الأميركي ألترو دي فيليبس عود الثقاب من مادة الفوسفور وكان يصنعه يدوياً ويبيعه من بيت لبيت ومن باب لباب قبل تصنيعه بالآلات بفترة طويلة، فكيف يظهر راغب وجيه الحارة وهو يدخن السيجارة اللفّ ويشعلها بعود الكبريت، ومعه علبة الكبريت الصغيرة المصنوعة بالآلات، وقد عرّف المؤلف والمنتج عن المسلسل بأنه تاريخي و يؤرّخ مرحلة تلاحم الشعبين اللبناني والشامي أبان الحكم العثماني، فأين الضرورة الدرامية في تدخين البطل راغب السجائر في معظم الأوقات مما كسر تكامل شخصيته التاريخية فلم نشعر تماماً بأننا في حقبة مطلع القرن التاسع عشر بل في القرن العشرين مما أضاع روح الشخصية وعبقها التاريخي.
وهذا العمل لم يضف شيئاً إلى مسيرة قصي خولي ولا سلافة معمار التي لم يسعفها الحظ بعد بتقديم دور عمر ثان لها بعد دورها الإجتماعي الواقعي في "زمن العار". لكن إسميهما ومشاركتهما إلى جانب نجوم كبار كمنى واصف وفادي إبراهيم وأحمد الزين وسميرة البارودي أضاف قيمة للعمل الذي أضعفه نصه الذي لم يأت بجديد في هذا النوع من الأعمال.
ويبقى أن مسلسل "بنت الشهبندر" قدم حكاية شامية جميلة فيها الكثير من قيم وأصالة بيروت والشام أيام زمان لكن بدون عمق تاريخي كاف.
"طوق البنات" مستمر بنجاح للموسم الثاني
نجاح الموسم الأول المدوي لمسلسل "طوق البنات" بطولة: رشيد عساف وليلى جبر ومهيار خضور وتاج حيدر وروعة السعدي مهد لنجاح موسمه الثاني حيث أحب الملايين قصة حب الكولونيل الفرنسي المستعمر للفتاة الشامية الوطنية وغيّر الحب رأيه المسبق برجال وبنات الشام ففهم قضيتهم، وتزوج عن حب وقناعة إبنة أبو طالب بعد مساعدته للخروج من سجنه وتأمين محاكمة عادلة له بعد القبض عليه لنضاله ضد الإحتلال الفرنسي ثم يعثر أبو طالب على ابنته الثالثة المفقودة التي كان يظنها ميتة بعد أن اختطفت منهم في طفولتها وربتها عائلة صديق له دون أن يعرف، ويزوجها من شاب وطني.
وربما نجاح موسمه الثاني يمهد لموسم ثالث في الطريق.
مسلسلات البيئة الشامية حين تم إنتاج "ليالي الصالحية" و"أيام شامية" كانت حالات لكنها بعد نجاح الموسم الأول من "باب الحارة" أصبحت ظاهرة، وأصبح إنتاج مسلسل بيئة شامية أو تاريخية من القرن الثامن عشر وما بعده إنتاجاً رابحاً جداً للمنتج والفضائيات العربية.
فمن هو أفضل مسلسل بيئة شامية بين هذه الأعمال الدرامية الـ 4؟