إغلاق المحلات وقت الصلاة في السعودية

إغلاق المحلات وقت الصلاة من السمات المميزة للمملكة العربية السعودية والدالة على خصوصيتها الدينية ، ولكن توقف الحياة أوقات الصلاة ظلّ بعيداً تماماً عن أي مناقشات حتى وقت قريب بعدما قال البعض إن الإغلاق ليس مطلباً شرعياً، وبعدما وصفه البعض بالبدعة حتى وصل الأمر لمجلس الشورى السعودي الذي تعددت فيه الآراء بين مؤيد ومعارض.

“سيدتي” في هذا الملف تنقل لكم صورة كاملة لما يحدث في السعودية وقت الصلاة الأمر الذي لا نشاهده في غيرها من الدول، كما تنقل الآراء المتباينة حول إيجابيات وسلبيات هذا القانون.


 

 

“سيدتي” دخلت أحد المراكز التجارية الشهيرة بالرياض لترصد ما يحدث قبل الأذان بعشر دقائق، الزحام شديد، الملاهي مليئة بالأطفال، حالة التسوق في رواج كبير، ومختلف المحلات تعج بالزبائن، أما ساحة المطاعم فعلى قدم وساق فلكل مطعم رواده  وفجأة يأتي صوت المؤذن: “الله أكبر” لتتغير ملامح هذه الصورة بأسرها.... فمع عبارة “الله أكبر” يترك الجميع المحلات وتنتهي جميع عمليات الشراء على أسرع وجه أو تؤجل لحين انتهاء الصلاة، وكذلك المطاعم تمتنع عن استقبال طلبات جديدة وتغلق.... أما اتجاه الحركة فيكاد يتحدد أمام الجميع، فالباعة والرجال والشباب يتجهون نحو المصلى حيث مكان الوضوء والصلاة، وكذلك النساء اللواتي تذهب بعضهنّ للصلاة بينما تنتظر أخريات في صالات المطاعم أو يجلسن على الكراسي الموجودة في الممرات لحين عودة الباعة والرجال بعد انتهائهم من الصلاة، وبعد ذلك تسود حالة شبيهة بالسكون على المكان لحين الانتهاء من الصلاة الجامعة، ثم تبدأ الوفود بالتحرك من جديد كل من حيث أتى ويبدأ صوت الصخب يعلو من جديد، فالأطفال يقفون أمام باب الملاهي، والنساء يقفن أمام المحلات، والأسر تنتظر أمام أبواب المطاعم.

 

مشاهد من أماكن مختلفة:

المحلات، وشركات الطيران، والبنوك، والمعارض كلها يتم إغلاقها أوقات الصلاة بما فيها الصيدليات، فلا عجب أن تجد النساء في الشوارع أمام المحلات ينتظرن أو حتى يفترشن الطريق، والبعض منهنّ يقمن بأداء الصلاة في الشارع على اعتبار أنّ الرجال جميعهم في المساجد.

 

المطاعم:  حيث تُقدّم المأكولات والخدمات للزبائن ماذا يحدث فيها أوقات الصلاة؟؟

يخبرنا الشيف (محمد الشيخ) العامل في مطابخ أحد الفنادق الشهيرة بالرياض قائلاً:” بطبيعة الحال يُمنع العمل أوقات الصلاة، لذا نضع في اعتبارنا إنجاز المطلوب قبل بدء دخول وقت الصلاة، طبعا نحرص على الصلاة لكننا في بعض الأحيان قد نضطر للوقوف أمام الفرن أو ما شابهه، ثم نذهب للصلاة بعدها”.

ويخبرنا السيد (أحمد الطويل) مدير صالة مطاعم بالرياض:”نستقبل الزبائن حتى يرفع صوت الأذان وقتها يتم إغلاق الأبواب لمدة ثلث ساعة تقريباً، لكن الخدمة داخل المطعم لا تتوقف نهائياً لوجود غير المسلمين سواء من العاملين أو الزبائن، كما أننا في مطعمنا لدينا مصلى للرجال، وآخر للنساء حيث تقام فيه الصلاة. أما بالنسبة للعاملين في المطبخ بالطبع تهدأ الحركة ليتناوب العاملون فيما بينهم للصلاة”.

 

المستشفيات: تعد من أهم القطاعات الحيوية في أي دولة، فهل تغلق أثناء الصلاة؟ وهل يتخذ بعض الأطباء وقت الصلاة ذريعة للتراخي عن تلبية احتياجات المرضى؟

تخبرنا (الدكتورة/ هالة جلال) الطبيبة بمركز العليا، والسليمانية الطبي:” الأمر بالنسبة للمراكز النسائية يختلف نوعاً ما، فهو متروك لتقديرنا لطبيعة الموقف، فحينما كنا نتوقف عن العمل للصلاة كانت المريضات يتذمرن من الموضوع بحجة أنّ أزواجهنّ يكونون في انتظارهنّ، لذا فقد نتساهل في الأمر ونتناوب فيما بينا بحيث لا تتعطل مصالح المريضات، وبحيث توجد طبيبة لاستقبال حالات الطوارئ”.

ويخبرنا (طارق القرم) موظف بإحدى المستشفيات الكبرى:” لا شك أنّ للصلاة احترامها في كل الأوقات، لكن بطبيعة الحال في المستشفيات لا يمكن إيقاف العمل تماماً لإقامة صلاة الجماعة، حيث يختلف الوضع من قسم لآخر، فبالنسبة لأقسام الطوارئ فلا يتوقف فيها العمل نهائياً، وكذلك أقسام الأشعة والمعامل وغيرها من الأقسام التي تقدم خدمات مباشرة للمريض. أما بالنسبة للأقسام التي تقدم خدمات غير مباشرة فهذه تتوقف عن العمل نهائياً لأنه لا يترتب على استمرار العمل فيها مصالح الناس الحيوية كالأقسام المختصة بإعداد التقارير الطبية لأخذ الإجازات أو أقسام شئون الموظفين”.

 

الاستراحات ومحطات البنزين على الطرق السريعة:

يتعطل العمل نهائياً في الاستراحات ومحطات البنزين على الطرق السريعة على الرغم من السماح للمسافر بالجمع والقصر في الصلاة.

 

احترام الشعائر

بعد أن نقلنا لكم المشهد كاملاً... قمنا باستطلاع الآراء حول الأمر:  بداية تخبرنا (أروى)- موظفة-:” أؤيد الأمر بقوة فإغلاق المحلات وقت الصلاة من أهم ما يميز بلدنا ولعل هذا ما يلفت الانتباه إلى احترامنا لشعائر ديننا”. وعن كون الموضوع فيه إجبار على الصلاة تقول:”على العكس فإنّ من دور السلطة تهيئة الجو للعبادة، فالدولة عليها أن تربي لا أن تميع الأمر وتتخذ ذرائع لمنع إغلاق المحلات كالتحجج بالمعاكسات. فأنا أعارض أي محاولة لإلغاء هذا القانون الذي يجلب البركة لبلدنا ويعظم شعائر الله على أرضنا”.

أما (أم عبد الكريم) -ربة منزل- فتقول:”في الأمر شق إيجابي، وهو الاستجابة لأمر الله وندائه إلا أنّ الإجبار على إغلاق المحلات لن يجبر البائعين أو المتسوقين على أداء الفريضة ما لم يكونوا مقتنعين، فأنا أشاهد بأم عيني بعض الباعة يعتبرون هذه الفترة break أو فرصة للأكل والتدخين، وتبادل الأحاديث في الممرات كما أنّ البعض يستغل الوقت لقضاء مصالحهم ومشاويرهم”. 

وتضيف:”كما أنّ هذا الأمر يجعل التسوق بين فترة المغرب والعشاء صعبا حيث يبالغ البعض في فترة الإغلاق لتتجاوز النصف ساعة رغم أنّ الصلاة لا تستغرق أكثر من عشر دقائق لذا فقد أصبحت أفضل النزول إلى السوق بعد صلاة العشاء”.

وعلى العكس ترى (فريدة) -معلمة في إحدى المدارس الحكومية-:”أنّ قانون إغلاق المحلات قانون نشأنا عليه وهو سمة مميزة لبلدنا الإسلامية التي تظهر فيها شعائرنا مطبقة، والقانون خير مساعد للناس على عدم التلهي أوقات الصلاة بمشاغل ولهو الدنيا لنصبح بذلك قدوة لأطفالنا ولغير المسلمين في بلدنا، كما أنّ مدة نصف الساعة للفريضة الواحدة مناسبة جداً للذهاب للوضوء والصلاة بتأنٍ، وبالنسبة للتسوق فلنسأل أنفسنا ماذا تعتبر النصف ساعة أمام الساعات الطويلة التي نقضيها في التسوق؟ وهل ستتوقف حياتنا إذا انتظرنا شركة، أو بنكاً، أو مصلحة حتى تنتهي الصلاة؟

وتخبرنا (جليلة) -جزائرية مقيمة في السعودية-:”في بلادنا لا يوجد مثل هذا القانون الذي يعلي من شأن الصلاة، إلا أنّ هناك تجاوزات قد تحدث هنا بسبب هذا القانون فذات مرة كان زوجي مريضاً، وذهبنا به للطبيب الذي وصف له دواء عاجلاً وعندما وصلنا للصيدلية كان الأذان قد بدأ وبالتالي أغلقت الصيدلية، فاضطرنا للانتظار في السيارة مدة نصف ساعة لحين انتهاء الصلاة... فلماذا لا تُستثنى الصيدليات التي تسعف المرضى من هذا القانون؟

أما (فراس العباسي) -مدير شركة- فيقول:”أؤيد القانون وأطبقه في عملي، فأنا أرى الإغلاق خير معين على تطبيق شعائر الله، كما أرى وجوب تطبيقه على جميع القطاعات بلا استثناء حتى تلك التي تتعامل مع الجمهور بشكل مباشر كالمحال التجارية حيث إنّ التوقف للصلاة لن يؤثر سلباً على حياتنا”.

أما (حسن برقة)- مسؤول العلاقات العامة في أحد معارض الأثاث فهو يؤيد قانون الإغلاق وعدم الرد على الأصوات المعارضة مع الأخذ في الاعتبار ضرورة وجود استثناءات فيما يتعلق فقط بالقطاع الصحي والعلاجي بما فيها قطاع الصيدليات والسبب هو احتياج الإنسان لها، فالموضوع قد يندرج تحته مسألة حياة أو موت”..

أما الإعلامي (أحمد القحطاني) فكان له رأي آخر:”المشكلة المتعلقة بتأخير المصالح وقت الصلاة مرتبطة فقط بصلاتي المغرب والعشاء، فالوقت بينهما ساعة تقريباً لا تكفي لقضاء الحوائج ممّا يؤدي لحالة استنفار وضغط في الوقت، وقد يؤدي إلى سرعة السير ومخالفات مرورية وغيرها من الأمور التي نحن في غنى عنها”.

أما عن الحل من وجهة نظره فيقول:”اقترحت منذ قرابة العام على مجلس الشورى أن يتم تأجيل صلاة العشاء جماعة حتى الساعة العاشرة أو العاشرة والنصف وهذا مجاز شرعاً من قبل الفقهاء لأنّ الوقت اختياري في صلاة العشاء والعشاء ممتدة، وهناك الكثير ممن اقترحوا هذا الحل إلا أنّ الأمر بحاجة إلى قرار خاص”.

 

مجلس الشورى:

اتصلت “سيدتي” بالشيخ (عبد المحسن العبيكان) المستشار القضائي وعضو مجلس الشورى لتسأله عن مجريات المناقشات حول الموضوع في مجلس الشورى، فأخبرنا قائلاً:”لا يحق لي التصريح في الأمر فالأمر مازال قيد الدراسة، وأمتنع عن التصريح فيه”.

 

واجب شرعي

يخبرنا (الداعية/ الشيخ خالد المشيقح):”بالنسبة للرأي الشرعي فيما يتعلق بإغلاق المحلات وقت الصلاة فهذا واجب شرعي لابد من الالتزام به والامتثال بالإغلاق وترك المصالح لحين انقضاء الصلاة حيث قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-:” والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار”.

كما قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: “لا صلاة لجار المسجد إلا بالمسجد”، فنحن نأخذ من هذه الأدلة أنه إذا نودي للصلاة فعلينا المبادرة إليها، ولا يكون التخلف عنها إلا بعذر شرعي، أما إذا تخلف المسلم عنها دون عذر شرعي فهو آثم لأنّ صلاة الجماعة واجبة”.

أما (الداعية/ محمد الماجد) فيقول:”لم يكن يُعرف في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - الإلزام بإيقاف البيع وقت الصلاة، فالصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يتركون مشاغلهم ويذهبون للصلاة من تلقاء أنفسهم، أما الآن فقد ضعف الوازع وأصبحت التجارة تشغل الناس عن الاستجابة لنداء الصلاة، فاستحدث أمر الإغلاق فهي مصلحة رآها ولي الأمر، ومن المعروف شرعاً أنّ ولي الأمر إذا سنّ أمراً فيه المصلحة العامة يصبح تشريعاً ومخالفته مخالفة لولي الأمر قال تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}.

ويوضح لنا (الماجد) بأنّ النص الوارد في سورة الجمعة:” { يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} يبين أنّ الأمر متعلق بصلاة الجمعة.

ويضيف الماجد: “ولكن هناك بعض الأمور السلبية التي تحدث بسبب سوء تطبيق هذا القانون فقد تنتهز بعض العمالة الفرصة للتسيب، وقد يحدث بعض التعطيل في مصالح العباد بسبب طول المدة المحددة للصلاة خاصة بين المغرب والعشاء، لذا فيفضل تقليل الوقت بأن يكون خمس دقائق مثلاً لأداء صلاة المغرب وعشر دقائق لأداء صلاة العشاء، كما يوجد بعض القطاعات مثل: الصيدليات، ومحطات البنزين، والخدمات التي يجب صلاة العاملين بها في داخلها بالتناوب حتى لا تتعطل بعض المصالح الإنسانية العاجلة”.

 

الموضوع بسيط

يعارض المستشار الاقتصادي (راشد الفوزان) الأصوات القائلة بأنّ فترة الإغلاق قد تؤثر سلباً على المصالح الاقتصادية للبلاد قائلاً:”الموضوع بسيط ولا يستحق كل هذا التهويل والمبالغة، فما هذا الاقتصاد الهش الذي سيتأثر بربع ساعة أو نصف ساعة إغلاق، واقتصادياً لا توجد مؤشرات تدلل على أنّ هناك خسائر اقتصادية بدليل استمرار نمو المبيعات في الشركات والمؤسسات التجارية المختلفة.

كما أنّ الفترة التي يتم الإغلاق فيها بعد المغرب والعشاء يتم تعويضها من خلال تأخير إغلاق المحلات للساعة الحادية عشرة أو بعد ذلك، كما أنّ المحلات الصغيرة كالبقالة وما شابهها لا تغلق سوى لفترة قصيرة جداً هي مدة الصلاة فحسب”.