مع كل حادثة تحرُّش جديدة بالأطفال تتعالى الأصوات محذرةً، ومطالبةً بالاهتمام الكافي من قِبل المسؤولين، وتطبيق الأنظمة بحسم ضد كل "متحرِّش" يستغل براءة الأطفال. وكانت دراسة صادرة من مركز الأمير جلوي بن مساعد لتنمية الطفل قد أوضحت أنّ نسبة التحرش الجنسي بالأطفال في السعودية تبلغ (22.5) %، أي واحدًا من كل أربعة أطفال تعرَّض للتحرش، وهو معدل خطير، ودليل على أنّ نسبة التحرش في تزايد، كما أوضحت الدراسة أنّ من أهم أسباب انتشار التحرش بالأطفال انتشار الإباحية بجميع أشكالها، مع انحلال القيم، وتعدد طرق الاتصال التي قد تعرِّض الطفل للتحرش، وتبيِّن بعض القصص الواقعية التي وردت على ألسنة المتحرَّش بهم من الأطفال أنّ غالبية الجرائم التي وقعت بحقهم كان أبطالها من الأقارب وأصدقاء العائلة والمنحرفين من أفراد المجتمع والسائقين، وأنّ السواد الأعظم من أسر المتحرَّش بهم فضلوا التكتم خوفاً من الفضيحة.
وعن الحاجة لسرعة تطبيق القوانين والأنظمة الصارمة لحماية الأطفال من التحرش كان "لسيدتي نت" هذا التقرير:
دور الأسرة
قالت الباحثة في مجال التربية الجنسية للأطفال هند خليفة:" إنّ حوادث التحرش مع الأطفال سببها الرئيس الأسرة؛ فالأسرة عليها الدور الأكبر في الحد من ظاهرة التحرش بالطفل، وغالبية الأسر تخجل من الحديث عن التحرش مع أطفالها، وتعتبره من ثقافة العيب". مضيفةً:" على الأم تحذير الأطفال المستمر من لمس أحد لجسدهم، حتى من الأقارب، وإذا وقع ذلك فعليه إبلاغها على الفور، ويشعر الطفل بالأمان عندما يرى أنّ أسرته تقف بجواره، وتأتي له بحقه حتى من أقاربه".
وأفادت "خليفة" بأنّ حالات التحرش بالأطفال سهل علاجها، ومحو أثرها إذا حدثت مرةً، أما إذا تكررت مع الطفل فمن الصعب علاجها، وتترك آثاراً نفسيةً كبيرةً، وقد تكون لها ردود فعل شاذة عند الكِبَر. وتساءلت:" لماذا لا توجد في مدارسنا من الروضة دراسة تعلِّم الأطفال كيفية الحفاظ على الجسد مثلما يتعلمون الألوان والنباتات وغيرها، بما يتلاءم مع المرحلة العمرية، وتكبر مع أطفالنا، حتى تصبح ثقافةً عامةً ينشأ عليها الطفل منذ الصغر؟". وأكدت على أنّ الأم عليها الدور الأكبر في الحد من ظاهرة التحرش؛ فالمشكلة أساسها المنزل الذي يرفض الحديث مع الأطفال في الثقافة الجنسية، ثم يلوم على المجتمع إذا وقعت حادثة. وقالت:" لا بد من الحديث مع الطفل مراراً حول كيفية الحفاظ على جسمه، وكيفية التصرف إذا حاول أحد لمسه. وطالبت "هند" بضرورة تفعيل قانون يحمي الطفل من التحرش به، كما طالبت بوجود هيئة خاصة تتبنى الأفكار حول كيفية الحد من التحرش، وبرمجتها، وتوظفيها في جهات متعددة حتى نحمي الطفل. وأعربت عن أمانيها بفتح القضية، والبحث عن الحلول، ثم قالت:" ما يحدث الآن هو أننا ننام طويلاً، ثم نصحو على حالة جديدة، وبعدها ننام ثانيةً إلى أن تأتي أخرى". مؤكدةً أنّ القضايا لا تُحل بهذا الشكل.
كارثة أخلاقية
أما عضو برنامج الأمان الأسري عبد الرحمن القراش فقال:" إنّ الاعتداء الجنسي على الطفل يعدُّ كارثةً بكل المقاييس الإنسانية، وانتهاكًا صارخًا للقيم"، متسائلًا: هل يمكن أن يعيش الطفل حياةً سويةً بعد تعرضه لحادث تحرش؟ وهل توجد له فرصة لاستكمال حياته بطريقة طبيعية؟ وهل سيعاني أزمات نفسية؟. معبرًا عن خوفه من أن يصبح الطفل شخصيةً غير سوية في المستقبل تبحث عن الانتقام من المتحرِّش أو الانتقام من المجتمع. وعن شخصية المتحرِّش قال القراش:" غالبًا ما تكون شخصية الجاني هشةً، تعالج إحباطها وفشلها بالعنف الجنسي، غير مكترثة بفداحة هذا الأمر، كما أنّ هناك أسبابًا قد تحول الشخص إلى متحرِّش، وربما مغتصب، أهمها: التفكك الأسري، والتعطش للحب والحنان. لافتًا إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون المتحرِّش فاشلاً مهنيًّا أو اجتماعيًّا فربما يكون متزوجًا ومرموقًا، ولكن النزعة النفسية لهذا السلوك المشين متغلغلة في تركيبته الشخصية التواقة للسادية.
غياب القانون
وأوضح القراش أنّ ضعف الوازع الديني مع غياب الرادع القانوني الواضح، وتكتم المجتمع، زادت من حالات التحرش والاغتصاب، وطالب بعقاب المتحرش بالأطفال على درجة القسوة نفسها، وعدم التهاون معهم، وعدم التستر لما يسببونه من آثار نفسية، قد تؤثر في الطفل طوال حياته. وأكد عضو برنامج الأمان الأسري أنّ حماية الطفل تعد مسؤوليةً مشتركةً بين ثلاث جهات: أولهما الأسرة، ثم المدرسة، وبعدها المجتمع. وكلٌّ له دوره تجاه الطفل؛ فالأسرة مصدر الأمان الأول، وعليها التوعية والمراقبة، والمدرسة يجب ألا يقتصر دورها على التلقين والتعليم.. أما المجتمع فيجب أن يكون هناك توعية تثقيفية من مراكز التنمية الاجتماعية والأسرية في كل مدينة للآباء والأمهات حول كيفية التعامل مع الأبناء ومتابعتهم.
عقوبات تعزيرية
وبدوره أوضح المستشار القانوني عضو الأمان الأسري الوطني أحمد المحيمد أنّ قضايا القتل وانتهاك العِرض والاغتصاب من الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف، وفي مثل هذه الجريمة نحن أمام جريمة مركَّبة تشدَّد فيها العقوبة، ويُقام فيها الحد الشرعي على الجاني، وفق حكم القضاء الشرعي، كما أنها تُعد من الدعاوى الجنائية التي تختص بها الشرطة وهيئة التحقيق والادعاء العام. وتابع: يتم التحقيق في الجريمة والمطالبة القضائية وفق نظام هيئة التحقيق والادعاء العام ونظام الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات الشرعية، ولذوي المجني عليه إقامة الدعوى في الحقين العام والخاص، وإن كان الحق العام يطبق بمجرد ارتكاب الجريمة، وعلى المحكمة أن تنظر الدعوى، وتصدر فيها حكمًا شرعيًّا بالإدانة، ومعاقبة الجاني بالعقوبات الحدية والتعزيرية المشددة فوراً. وقال المحيمد:" التحرش بحد ذاته يخضع للعقوبات التعزيرية التي يقدرها القاضي، ومنها السجن والجَلْد على حسب نوع الجريمة وضررها، كما يطبق نظام الحماية من الإيذاء على حالات التحرش التي تحدث داخل نطاق الأسرة إذا كانت من الأقارب".
وأعرب عن أمانيه بتقنين وتنظيم نظام عام وشامل للحماية، يشمل العنف والإيذاء والتحرش والعنصرية والاستغلال، وكل ما من شأنه الإساءة للإنسان، خاصةً المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة.