يعتبر شرود الأطفال الذهني من أبرز معوّقات عملية التعلّم، يترتّب عنه مواجهة المعلمين والآباء صعوبة في إيصال المعلومة لصغيرهم الذي يغيب عن الواقع ويعيش بخياله في عالم آخر.
كيف يمكن التغلّب على هذه المشكلة؟ سؤال حملته «سيدتي» إلى الاختصاصية في علم النفس وتقويم السلوك سهيلة العيدي:
الشرود الذهني خلل بسيط ينتاب وظيفة الانتباه، ما يجعل الطفل ينشغل بأمر من أمور الحياة بعيداً عن دروسه، وقد يكون هذا الأخير واقعاً بالفعل في الماضي أو يتوقّع حدوثه في المستقبل. ويعطّل الشرود استجابة قدرات الطفل المعرفية والعقلية والحسية للمثيرات المحيطة به بالشكل المطلوب ويحول دون تلقّيه للمعلومات وتفاعله مع الأحداث. وهو يصيب الأطفال في كل المراحل العمرية، إلا أنّ هناك صغاراً يتمتّعون بطبيعتهم بخيال واسع ويسرفون في أحلام اليقظة، ما يجعلهم عرضة لشرود الذهن أكثر من غيرهم.
يحيل شرود الصغير إلى افتقاره للحنان
أسباب مسؤولة
ويحيل شرود الصغير الذهني إلى افتقاده للحنان وتقدير الذات واطّلاعه على مشاجرات والديه وشعوره بالنقص والمقارنة الدائمة بينه وبين الآخرين كإخوته أو أقاربه أو أصدقائه والإسراف في إعطائه وعوداً مجزية كاصطحابه في رحلة أو أن يكون له مطلق الحرية في اختيار مكافأته إذا أحسن التصرّف أو أحرز درجات مرتفعة، ما يجعله يغرق في أحلامه لتحقيق تلك الوعود بصرف النظر عمّا هو مطالب بإنجازه.
وهناك أسباب أخرى مسؤولة عن شرود الصغير الذهني، أبرزها:
ميوله للعب أكثر من اللازم، ما يؤدّي إلى تركيز تفكيره في التسلية والمرح وشروده أثناء الجدّ والدرس.
كراهيته لبعض المواد الدراسية.
مراجعة دروسه في مكان تكثر فيه الضوضاء والمؤثرات التي تبعد انتباهه عن التركيز في المادة.
مراجعة دروسه بصمت.
عدم إعداد جدول مناسب للاستذكار وافتقاده للشعور بأهمية الوقت وعدم وعيه للأضرار المترتّبة عن الشرود.
تعليمه وفق أسلوب الترهيب ما يولّد القلق من المذاكرة، وبالتالي تأخّر المستوى الدراسي.
اقتصار الاستذكار على مطالعة أو قراءة الموضوع بدون القيام بأنشطة أخرى تصاحب هذه العمليّة كبعض الرسوم الهندسية أو الخرائط أو إعداد ملخّصات لما تمّت مراجعته.
قلّة أو بطء استيعاب الطفل لأنّه يحاول أن يركّز على النقطة السابقة التي شرحها المعلم، بدون المواصلة.
الإصابة ببعض الأمراض العضوية والنفسية.
خطّة مواجهة
ويعتبر التعرّف على أسباب المشكلة المسؤولة عن الشرود بداية لحلّها، من خلال:
تفادي النزاعات والخلافات أمام الطفل، وتقديم المساعدة له لحلّ مشكلاته الخاصّة مع إخوته أو زملائه.
تحفيز التلميذ على المذاكرة وتقوية رغبته فيها بالتشجيع وليس بالترهيب.
القراءة بصوت مرتفع في مراجعة مواد الحفظ.
إعطاء فرصة كافية للتلميذ للعب وممارسة هوايته.
قيام المعلم بإعداد مسابقات تعليميّة مسليّة يستفيد من خلالها التلميذ من المادة، وفي الوقت نفسه تكون فرصة للمرح.
عندما تشعرين أنّ طفلك بدأ بالشرود، اطلبي منه تبديل مكان الدرس أو تغيير المادة لحين استعادة نشاطه.
اطلبي من طفلك إعداد ملخّصات مكتوبة عند المذاكرة.
اسألي طفلك بهدوء عن سبب شروده، بهدف مساعدته على تجاوز أزماته.
اطلبي من طفلك تغيير مكان الدرس أو المادة حين تلاحظين شروده
الشرود الذهني العضوي
تحيل الاختصاصية في طب الأطفال الدكتورة جيهان فتحي الشرود وتشتّت الذهن أثناء الدرس إلى أسباب عضوية، أبرزها: النقص في الحديد اللازم لإنتاج كريات الدم الحمراء التي تنقل «الأوكسجين» إلى جميع أنسجة الجسم وخلايا المخ وهو ما يعرف بفقر الدم (الأنيميا) ويصيب عدداً كبيراً من الأطفال في سنّ المدرسة، وخصوصاً المصابين بنزيف الأنف (الرعاف) والبنات اللاتي يأتيهنّ الطمث في سن مبكرة ويفقدهنّ كميّات كبيرة من الدم شهرياً.
ومن بين الأسباب الهامّة المسؤولة عن هذه الحالة: النقص في الحديد، الإصابة بالطفيليات والديدان المعوية وأمراض سوء التغذية وبعض أمراض الجهاز الهضمي.
ومن جهة ثانية، يلعب الإرهاق دوراً كبيراً في عدم تركيز الطفل وشروده الذهني، وذلك نتيجة لقلّة ساعات النوم وعدم الانتظام في تناول الطعام وارتفاع درجة حرارة الجسم.
وفي هذا الإطار، يُنصح الآباء بعدم تعريض أطفالهم للعقاب أو اتهامهم بالغباء بينما هم في الحقيقة مصابون بحالات مرضية قد تُخفى عليهم، مع مراجعة الطبيب في هذا الشأن.
ويجدر تنظيم وقت الطفل بحيث يحصل على قسط وافٍ من النوم والراحة، مع تقديم الأطعمة الغنيّة بعنصر الحديد، كاللحوم الحمراء والفاكهة والخضر الطازجة، وتلك المحتوية على «الزنك»، كالسمك واللحوم الحمراء والكبد والمكسرات حيث وجد أنّ الزنك يقوّي الذاكرة، مع عدم إغفال وجبة الفطور. ويمكن وصف أقراص الحديد كمكمّل غذائي.
التلفزيون والشرود الذهني
ربطت دراسة أميركيّة بين مشاهدة التلفزيون في سنّ صغيرة ومشكلات الانتباه في السنوات اللاحقة، وأوضحت أنّ إصابة الأطفال في السابعة من أعمارهم بمشكلات في الانتباه والتركيز تزداد بازدياد أوقات مشاهدتهم للتلفاز من السنة الأولى إلى سنّ 3 سنوات. وشدّدت هذه الدراسة على أهمية عامل السنّ، لأنّ نموّ المخ يتواصل خلال هذه السنوات. فقد وجد الباحثون أنّ كل ساعة يقضيها الطفل يومياً قبل سن المدرسة في مشاهدة التلفاز تزيد خطر إصابته بمشكـــــلات في الإنتباه بنسبــة 10% تقريباً في ما بعد.