مرّة كل عام، يتطلّع العالم إلى بلاد السويد لمناسبة منح جوائز نوبل في العلوم والآداب كما للسلام.
وأقدّم اليوم سيرة امرأة من ذلك البلد، تصلح لأن تكون قدوةً ومثالاً إنسانياً لا نسائياً وحسب.
***
"أعيدوا إلى الأرض البراءة. أعيدوا إليها السلام".
بهذه العبارة توجّهت ألفا ميردال إلى العالم، قبل عشرات السنين، عندما شعرت بأن العلوم الحديثة التي يبتكرها العقل البشري باتت تهدّد البراءة الأولى للطبيعة.
ومن أجل موقفها وإيمانها عملتْ، وناضلت، واشتركت في مؤتمرات دولية. وهاجمت الدول التي تصنع الحروب، وتصدّر الأسلحة للشعوب الصغيرة، والمغلوبة على أمرها.
***
في العام 1982 نالت هذه السيدة مكافأة على نضالها، بأن مُنحت جائزة نوبل للسلام، وكانت في العقد الثامن من عمرها.
وجاء ذلك التكريم تتويجاً لمسيرتها الإنسانية والفكرية، إذ ركّزتْ اهتمامَها على التعليم والتربية، للأطفال وللبالغين كما اهتمّت بأحوال السجون، وحقوق المرأة، ومساعدة المعوّقين، والقضايا السكانية، إلى أن توصّلت إلى موضوع السلاح ونصرة السلام في وجه الحروب ومسبّبيها.
***
وهي لم تُحدّد سعيها بالكلام والمحاضرات وحسب، بل استخدمت مركزها كسفيرة لبلادها، في عدد من البلدان، لكي تتابع نشر دعوتها.
وحين عُقد مؤتمر جنيف لنزع السلاح، كانت هي رئيسة وفد بلادها إلى ذلك المؤتمر، وذلك إلى كونها نائب في البرلمان ثم وزيرة لنزع السلاح.
***
وهذه الصفة الأخيرة هي ما لفتني في سيرة هذه السيّدة؛ إذ ان المألوف لدى الدول، أن يُعيَّن وزراء للدفاع، أو للتسلّح؛ وقد يكون السويد البلد الوحيد الذي أنشأ وزارة مضادّة. وكانت ميردال، إلى حينه، المرأة الوحيدة التي شغلت مناصب من ذلك النوع.
***
ولكي تُوثق جذور نشاطها راحت تنشر ثمارَ سعيها وعملها في كتب، يبقى أهمها كتاب عنوانُه: "لعبة نزع السلاح". وقد صبّت غضبها، من خلال ما كتبت، على الدول القويّة، والتي: "تتظاهر بأنها تبحث موضوع نزع السلاح، وترسل بعثاتها إلى المؤتمرات، بينما هي في الواقع، تبحث عن وسيلة لإضاعة الوقت، من أجل مزيد من التسلّح..."
***
بفضل هذه السيّدة أُنشئ في السويد معهد خاص لنزع السلاح، إسمه المختصر "سيبري" وتصدر عنه نشرة شهرية تحوي معلومات نادرة وغريبة، عمّا يدور خلف كواليس الحروب، مثل الأرقام الخيالية التي تُنفق على التسلّح، وازدياد القواعد الصاروخية في العالم.
***
إن الموضوع الذي تركّز عليه هذه السيدة بعيداً عن الأمور التقليدية التي تثير اهتمام المرأة عامّة. إلاّ أن ألفا ميردال ليست عادية. فقد ظلت، طوال حياتها، مثل نبض الضمير، في عالم جفّفَت عروقه الحروب، وامتصّت حيويته أخبارها. كما ان ما تخلّفه من دمار ومآس ينتزع الفرح والأمل من النفوس.
وهذه السيدة لا تدّعي بأنها تصنع المعجزات، لكنها لم تكن تكتفي بإنارة شمعة وحسب، بل ظلّت تناضل، حتى نشرت رسالتها، وأصبح لها حركة واسعة، تتوزّع في عدّة بلدان، من أجل توسيع رقعة السلام، وغرس الأمل في النفوس.
***
والطريف في سيرة هذه السيدة أن نيلها جائزة نوبل السلام جاء في الوقت الذي حصل زوجها غونار ميردال على جائزة نوبل في الإقتصاد.
وعندما سألتها الصحافة عن المنافسة بين الزوجين قالت: "أنا وزوجي سفينتان مختلفتان إنما نُبحران معاً في اتجاه واحد".
***
في أول شباط من العام 1986 رحلت ألفا ميردال، تاركة حلمها الكبير في حضن عالم يتظاهر دائماً، بأنه يسعى إلى تحقيق السلام.