يصادف الدانماركيون في أوقات كثيرة، عربة للأطفال ينام فيها أحد الرضع أو طفل في أوقات الظهيرة، أو في فترات الراحة، وهو خارج محل تجاري أو مقهى، في ظل أجواء يغلب عليها تهاطل الثلوج.
وكل من يزور الدانمارك يتعجب لهذا الأمر، أو يعبر عن خشيته من كون الطفل قد يتعرض لنزلات برد، لكن الدانماركيين يجيبون بأنها عادة قديمة وتقليد أصيل في تربية الأطفال بتعويدهم على الأجواء الباردة.
إنهن أمهات يشعرن بنشاط كبير وبفرحة عارمة وهن يقمن بهذا الأمر، بعدما يلففن أطفالهن بغطاء جيد ويحكمن إقفال العربة؛ لأن النوم خارج المنزل، بعيدًا عن التلوث في الأماكن المغلقة، مفيد لهم على كل المستويات.
البرد يساعد على النوم الصحي
ولا تمنع معاناة الدانمارك، وغيرها من الدول الإسكندنافية، من تراجع معدلات الولادة؛ خاصة بين السكان غير المنحدرين من مهاجرين أو لاجئين، الأمهات من القيام بعمل قد تعدّه الشعوب الأخرى خطيرًا، إنه ترك الأطفال ينامون في الخارج في ظل درجة حرارة متدنية.
وترى النساء الدانماركيات، على غرار نساء البلدان الإسكندنافية، أن ترك أطفالهن في العراء وهم في عربة، يساعدهم على النوم لفترة طويلة، رغم البرد الشديد.
هدوء الطفل النائم لا يزعجه أي تصرف، إلا حينما تريد الأم أن تسوق ابنها إلى المنزل أو إلى مكان آخر.
وزيادة على التقليد المتبع في الدانمارك؛ فإن الإحساس بالأمان يرافق هذا التصرف التربوي؛ حيث تعد الدانمارك من البلدان الأكثر أمنا في العالم، وتسجل نسبة متقدمة في الترتيب العالمي، والتي لا يخاف فيها الشخص على حياته وممتلكاته.
ويأتي هذا الأمر أيضًا لكون الدانمارك تعلم أطفالها الثقة الكاملة في بلادهم وسكانها، وبالتالي تشعر الأمهات دائمًا بأن ترك أبنائهن خارج المقهى والمحلات التجارية، لا يمكن إلا أن يكون محببًا لدى السكان الذين يشعرون بالأمن لكون المواطنين يحترمون الآخر.
وهذا الأمر غير متبع في بلدان أوروبية أخرى باستثناء بلدان إسكندنافيا، مثل النرويج والسويد وفنلندا وإيسلندا؛ فقد اعتاد المواطنون الدانماركيون رؤية هذه العربات واقفة لوحدها أمام الأماكن العامة.
ولا يمكن تخيل رؤية صف طويل من عربات الأطفال، وهي موضوعة أمام بنايات في فترة تساقط الثلوج؛ خاصة أن قلوب العديد من النساء الأوروبيات لا تتحمل في البداية ذلك، لكن سرعان ما يتبدد تخوفهن بعدما يفهمن مغزى التصرف العجيب.
قيلولة وسط الثلوج
ومن الأشياء التي تدهش السياح والوافدين الجدد في الأيام الأولى من دخولهم للدانمارك، رؤيتهم للأطفال وهم يقضون قيلولتهم وسط الثلوج والأمطار؛ فقد ذكرت إحدى النساء الأوروبيات، في تصريح لصحيفة محلية، إنها المرة الأولى التي تشاهد فيها هذه الظاهرة عن كثب.
وأشارت إلى أنه حدث بمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد أحد الأشخاص؛ حيث بدأت النساء في تجهيز عربات أطفالهن وتركها في الخارج ليناموا بهدوء بعيدًا عن ضوضاء الاحتفال.
وقالت إنها حينما سألت الأمهات عن هذا التصرف، ومعبرة عن تخوفها من مرض الأطفال، أجيبت بأن الأطفال مجهزون بشكل جيد، وهم يراقبونهم من بعيد، وأن العاصمة الدانماركية كوبنهاغن مدينة آمنة جدًا.
ورأت سائحة فرنسية الأمر كأنه مزحة، لكنها ما لبثت أن اقتنعت بأن الأمر جدي ويتم القيام به بشكل منتظم؛ بل منهن من تتعجب لطرح الأسئلة عليها لكون التصرف معتادًا وطبيعيًا في هذا البلد الإسكندنافي.
إنهم يحبون استحضار أمجاد سكان المنطقة من الفايكنغ، وبالتالي تمجيد الأساطير التي أظهرت أن هذا الشعب كان جبارًا وقويًا ويصارع كل الظروف التي تعترضه، ومنها الأحوال الجوية الصعبة في المنطقة، التي تعرف تهاطلاً كبيرًا للثلوج وتدنيًا للحرارة في أغلب الأوقات.
وترى النساء الدانماركيات أن البرد يساعد في مكافحة العدوى، ويقوي جهاز مناعة الطفل في تحمل درجات الحرارة المتدنية حينما يكبر، وبالتالي فإن نومه لساعات، قد تصل إلى تسع ساعات، في كومة من الثلج والبرد، مفيد لصحته على المدى البعيد.
وهذا ما جعل أحد الدانماركيين يعبر عن شكره لوالدته؛ لأنه عاش التجربة التي ساعدته على التأقلم جيدًا مع الظروف المناخية الصعبة؛ حيث يحكي بأنها كانت تجهزه جيدًا لينام خارج المنزل، ويمضي فترة القيلولة في الخارج، بكل أمان واطمئنان.
وأكد أنه حينما لا تكون والدته في الخارج؛ فإنها تعمل على تطبيق هذا التدبير التربوي في شرفة البيت أو الأماكن التي يمكن من خلالها مشاهدته، مع توفير تغطية جيدة له.