الذكاء العاطفي

أميمة عبد العزيز زاهد

الإنسان كائن فيه من الغرائز ما لا تعد ولا تحصى، فهو بالغ التعقيد، وهو تعقيد إعجاز، فقد زوَّدنا سبحانه بجهاز آلي يتحكم في كل الوظائف التي نحن بأمس الحاجة إليها لتبقينا أحياء، ونظل نحيا ونحن في قبضته سبحانه، نشكره على عطائه، ونحمده على ابتلائه، وهيأ لنا الوهاب كافة السبل لاكتشاف ذواتنا، ووضح لنا الحلال والحرام، وكل ما يحبه ويكرهه، وبيَّن لنا طريق الخير والشرِّ، الحبِّ والكره، النجاح والفشل، القناعة واليأس، التفاؤل والتشاؤم. وأعطانا حرية الاختيار فنحن مخيرون ومكلفون، ونظَّم بقدرته ورحمته وعدله توزيع الاختصاصات، وسيحاسبنا وفق قوانين ثابتة وراسخة، وأمرنا سبحانه بأن نرتقي في الأسباب «فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ»، أي لنباشر الأسباب سببًا بعد سبب، وأن نسلم الأمر لله، ونلتمس أسبابًا جديدة لحل أي أمر يواجهنا بروح إيمانيَّة تثق في الله، فالله تعالى إذا أراد بعبده خيرًا يَسَّر له الأسباب التي تأخذ بيده إليه، وتعينه عليه.

وكلنا نعلم أنَّ الله خلق الإنسان بطبيعته، كائنًا اجتماعيًا، وعلى هذا الأساس فنحن لا نعيش بمعزل عن البشر، ولا نحيا لأنفسنا فقط، فمن دون الناس لن تكون هناك روابط ولا علاقات ولا خلافات، بل صمت القبور، وعلى هذا المبدأ يصبح البشر الذين من حولنا من أهم الأسباب لتعاستنا أو سعادتنا.

ونحن بالتأكيد لسنا ملائكة تمشي على الأرض، فلكل منَّا عيوبه وأخطاؤه، حسناته وسيئاته. حقيقة.. كلنا نتمنى المثاليَّة، لكن من منَّا يملكها، فالكمال لله سبحانه وتعالى، وكل ما علينا فعله هو أن نركِّز على سلوكنا، ونعرف عيوبنا، ونتعرف عليها ونحاول إصلاحها، وأن نتقن التواصل مع الآخرين، وقبلها نعرف كيف نتواصل مع أنفسنا بشكل فعَّال وإيجابي، فالمشكلة تكمن فينا وليس في الآخرين، فالقناعه السلبيَّة تجعل الكثير منَّا يستسلم لها، وتمنعنا من فعل أي أمر، وتصوره لنا مستحيلاً، وبوعي أو من دون وعي منَّا لن ننجح ولن ننجز ولن نتقدم؛ لأننا لم نعِ بعد أن التجارب القاسية والهزائم المؤقتة تفتح لنا طريق النجاح، فاليأس حالة تصيب الإنسان بالعجز، وفقد الثقة، فلا يرى في رحلة الاكتشاف إلا الإخفاقات، والجوانب السيئة، والاستسلام، وعدم الرضا، فهناك من يلوم الظروف، ويطالب الآخرين بمساعدته، ومنحه الفرص ليصنع عالمه من دون أن يتقدم ولو خطوة واحدة، وبالتالي تكون المشكلة بداخله وليس في الآخرين.

لقد أكد العديد من الدراسات أنَّ درجة النجاح والتطور الشخصي في تنمية القدرات تعتمد بنسبة 80% على الذكاء العاطفي و20% على الذكاء العقلي، لكن كيف ندرب أنفسنا لنكون أذكياء عاطفيًا، وما هو الذكاء العاطفي؟ فالذكاء العاطفي باختصار يكمن في قدرتك على فهم واستيعاب الآخرين، وأن تمتلك فن ومهارة التواصل الفعَّال في استقبالك أو إرسالك أي رسالة معهم، وأن تحترم أفكارهم، وآراءهم حتى لو اختلفت معهم، ولا تحاول إقناع الآخرين بأفكارك وآرائك ومقترحاتك عن طريق الفرض والقوة والضغط، بل بالتعامل الراقي والقدرة في التحكم في انفعالاتك الغاضبة، وأن تعترف بصحة آراء غيرك حتى لو لم تكن ما تتمناه، فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: «رأيي صواب ويحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ ويحتمل الصواب». فالذكاء العاطفي أن تعمل بروح الفريق الواحد، ومن خلال المشاركة والتعاون، وتبادل الخبرات والمقترحات، وتقبل أي انتقادات هدفها الرفع من مستوى الأداء، فالذكاء العاطفي يجعلك تتحمل المسؤولية في علاقتك بالآخرين، وتتعاطف وتتسامح وتتجاوز عن أخطاء من حولك، وأن تتفاءل وتحسن الظنَّ وتتقبل الفشل على أنَّه خطوة لتحقيق النجاح، وأن تخلق التحدِّيات وتبتعد عن الحقد والحسد والغيرة المدمرة لكل ما هو جميل، وكل تلك الأمور أنت مخير فيها، وتدور حول قدرتك الذاتيَّة.

 

 

 

 

 

همس الأزاهير

ما دمت «مجبرًا» فاستمتع، هكذا كنت أقول لشاب أصيب بمرض السكري، فكان يشرب الشاي من غير سكر، ويتأسف على حاله. كنت أقول له: هل إذا تأسفت، وحزنت أثناء شربك الشاي، هل تنقلب المرارة حلاوة؟ قال لا. قلت ما دمت ملزمًا فاستمتع، أعني لن تأتي الدنيا دائمًا على ما نحب، والعاقل هو الذي يتكيف مع واقعه كيفما كان ما دام لا يستطيع التغيير إلى الأحسن، نعم عش حياتك لا وقت فيها للهم، تعامل مع المعطيات التي بين يديك، وتذكر إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون، اقنع بحياتك وما أعطاك إياه ربك، فوالله إنَّك لقادر على أن تخلق السعادة من وكر التعاسة، فقط املأ قلبك بالرضا.

الدكتور محمد العريفي