يعتبر الكثير من الناس فصل الصيف من أجمل الفصول، ففيه يمكن الاستمتاع بالراحة والعطلة والاستجمام، ويعد فرصة للذهاب إلى الشواطئ والتعرض لأشعة الشمس التي تزود الجسم بالطاقة وبفيتامين د الأساسي، غير أن عدداً من الناس تصبح حياتهم كابوساً حقيقياً إذ يتحول فيتامين د إلى سم خطير وقاتل.
هذا هو حال أطفال القمر الذين يعانون في صمت و يكابدون من أجل بصيص أمل للشفاء.
يطلق عليهم أطفال القمر، هم المرضى المصابون بالكزيروديرما، «xeroderma pigmentosum»، «وهو مرض وراثي نادر يستهدف الجلد، وعدوه الأول أشعة الشمس، حيث سقطت إيمان (21سنة)، بين مخالبه وقاومته بكل صبر وإيمان.
الاختباء من النور!
هي بطلة قصة بدأت أحداثها ببلوغها سن الثانية، عندما اكتشف والداها إصابتها بمرض نادر يطلق عليه الكزيروديرما «xeroderma pigmentosum». وبالتالي لم تكن طفولتها طبيعية، فقد كانت مجبرة على الاختباء طوال الوقت من أشعة الشمس، فجلدها حساس ولا يحتمل أي نوع من الإضاءة القوية.
أحلام بسيطة كانت تعجز عن تحقيقها: كالسباحة في البحر أو الركض مع الأصدقاء وسط ساحة المدرسة، بل كانت مجبرة على العزلة والبقاء في الفصل بعد إقفال نوافذه، وإسدال ستائره، وانعدام النور فيه.
تقول إيمان بخصوص طريقة تعايشها مع المرض: «في البداية كنت أعتمد كلياً على والدتي، لم أكن أعي خطورة المرض، ولم أكن أدرك أنني في الأصل مريضة غير أنه، مع مرور الوقت فهمت الوضع وتقبلته شيئاً فشيئاً عندها، أصبحت أهتم بنفسي». وتسترسل في حديثها: «كل ما أتذكره من الطفولة هو تضايقي من الحرمان الذي عشته، ومن الخوف المستمر من المرض».
القفازات والنظارات أصبحت إكسسوارات ليس لإيمان غنى عنها في كل الفصول، وهو الأمر الذي يثير فضول الناس، فتجد أعين الناس تتبعها إما بدافع الشفقة وإما بدافع الخوف من الاقتراب. تقول إيمان: «غالبية الأقرباء والأصدقاء يتعاملون معي بطريقة طبيعية ولا يخشون على أنفسهم مني، ولكني في مناسبات عديدة أواجه مشاكل مع الناس في الأماكن العامة، ولا أستطيع التخلص من ملاحقة الأعين المستمرة.
لا استسلام
أيقنت إيمان بعد استيعابها لحالتها الاستثنائية، واطلاعها على تفاصيل المرض أنه لا فائدة من الرضوخ أو الاستسلام، وأنه يتوجب عليها شق طريق الحياة بكل عزم وثبات وتخطي كل الصعوبات، فكان لها أن حصدت بعد شهادة الثانوية العامة دبلوماً في الإعلام، وهي حالياً بصدد نيل إجازة مهنية تخول لها ولوج عالم الشغل.
حالات عديدة ومتعددة عاشت نفس المعاناة التي مرت بها إيمان، منهم من يحارب من أجل العيش، ومنهم من يستسلم وتودعه الحياة في سن مبكرة، فالتعايش مع المرض يبدو صعباً مهما حاولت إيمان إخفاء ذلك، خصوصاً أنه لا وجود لعلاج يقضي عليه كلياً أو يحد منه على الأقل، وتبقى الحماية أو الوقاية من هذا المرض من المهمات الصعبة في ظل غلاء أسعار المراهم الواقية من الأشعة، وعدم توافر الألبسة الخاصة التي يتم صنعها فقط من قبل وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا).
وفي ظل هذه الظروف، يجد المرضى أنفسهم مهددين بالموت مع كل إشراقة جديدة؛ مسترجعين الأمل في الحياة بعد أول بزوغ للقمر.
أعراض يجهلها الناس
اكتشف المرض للمرة الأولى سنة 1870، يصاب به المريض غالباً في سنٍ مبكرة، وهو ما يفسر سبب التسمية. يتميز بحساسية شديدة ضد أشعة الشمس، بالتهابات في العين، وبخطر الإصابة بسرطان الجلد والعين بنسبة مضاعفة تصل 1000 مرة عما هو عليه الحال لدى الأشخاص العاديين.
وبخصوص أعراض المرض يوضح الدكتور محمد بشارة الأخصائي في أمراض الجلد لـ«سيدتي نت»، أن الأعراض تبدأ في الظهور على شكل احمرار في الجلد وظهور هالات سوداء في كل أنحاء الجسم، تتكاثر وتكبر بسرعة كلما تعرض المريض إلى الشمس أو لأشعة الضوء الاصطناعية من دون أي حماية.
ومع تقدم السن تتزايد سماكة الجلد ويصبح جافاً وتتخلله بقع مختلفة الألوان، تصاحب هذه التطورات التهابات بصرية وترقق شديد في الجفون وفقدان الرموش، كما أن ثلث الأشخاص المصابين يعانون من أمراض عصبية من بينها فقدان السمع.
تزايد أعداد المرضى
معرفة الناس بالمرض تكاد تكون منعدمة، وهو الأمر الذي يفسر عدم رغبتهم في الاقتراب من المصابين. ليلى بنزكري أخصائية في الأمراض الجلدية، وهي الطبيبة نفسها المشرفة على حالة إيمان رفضت الحديث عنها كحالة خاصة بدعوى أن للمرضى خصوصيات ليس من حقها كطبيبة نشرها، في حين أكدت أن المرض غير مُعدٍ البتة وليس على الناس خشية العدوى في حالة ملامسة جلد المريض، وأكدت أن المرض وراثي، وهو ما يفسر صعوبة العلاج.
من جهة أخرى اعترفت الدكتورة بنزكري بتطور الطب في هذا المجال؛ حيث أصبح من الممكن معرفة حالة الجنين في وقت مبكر، وتحديد ما إذا كان مصاباً بالمرض أم لا، وفي حالة ثبوت إصابته يفضل إجهاض الجنين كما أنه قد يحصل الحمل من دون انتقال العدوى؛ على الرغم من إصابة أحد الوالدين.
وتؤكد الدكتورة أن المرض في تزايد، فخلال عشر سنوات الأخيرة اكتشفت وجود 289 حالة في عدة مدن مغربية.