تعريف الجمال البشري، وبخاصة جمال النساء، له معايير ومقاييس يحكمها الزمان والمكان، فما نراه قبيحاً، قد يكون قمة الجمال والفتنة في مكان ما، والعكس؛ لذلك فمعايير الجمال تختلف باختلاف الشعوب والحضارات والتطور المستمر في كافة أنحاء الحياة، والنساء على اختلاف الأزمان كنَّ يستعنَّ بغريزتهنَّ الفطريَّة في السعي لاستيفاء مستويات الجمال الموجودة في بيئاتهنَّ؛ ليظهرن بشكل جذَّاب وجميل يسر الناظرين، ولكن من الطريف أنَّ معاييرنا اليوم قد تبدو غير مرغوب بها غداً، وقد تبدو غريبة وطريفة في موقع آخر من العالم؛ لذا قد تصيبكم الدهشة عند رؤية بعض اتجاهات الموضة في العصور القديمة وعند بعض الشعوب الأخرى.
الكعب الخيالي
ارتدت النساء في القرنين الخامس عشر والسادس عشر أحذية، سُميت باسم «تشوبين»، يصل ارتفاعها إلى 50 سم، وهذا النوع يُخبر عن الهويَّة والوضع الاجتماعي لمُقتنيته، وكانت السيدات ذوات المكانة العالية يرتدين تلك الأحذية بغرض حماية ملابسهنَّ من الطين، وكنَّ يحتجن إلى خادمات لمساعدتهنَّ ودعمهنَّ أثناء المشي.
«الغمازات» كانت ومازالت
كانت الصورة الأنثويَّة الساحرة لا تكتمل في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا عند حصول المرأة على «الغمازة»، وهي تلك الفجوة التي تظهر في الخد عند الابتسام، إلا أنَّ طريقة إبراز تلك الفجوات كانت مؤلمة إلى حدٍّ ما؛ حيث تم تسجيل براءة اختراع لجهاز في عام 1923م، يوضع في الوجه، يثبت خلف الأذنين والذقن وينتهي بأسلاك تضغط على الخدين بشدَّة، وبعد مرور فترة طويلة على استخدامه تظهر «الغمازات» المطلوبة.
لا للرموش، ونعم للأسنان القصيرة
في عصر النهضة، وهي الفترة التي مرَّت بها القارة الأوروبيَّة منذ القرن الرابع عشر وحتى السابع عشر، كانت النساء يستخدمن مستحضرات التجميل بإفراط، وكان الاتجاه الساري هو الأجسام الأنثويَّة المصقولة، إلا أنَّ اللافت أنَّ الجبين البيضاوي الشكل أحد معايير الجمال الأساسيَّة آنذاك؛ فكانت النساء يلجأن إلى عدم إسدال الخصلات على شعرهنَّ، وحلق الشعر الذي ينبت في مؤخرة الجبين لخلق صورة عصريَّة للمرأة، وكأنَّه من الضروري جداً التخلص من الرموش باستخدام الملاقط العاديَّة!
وتعدَّدت قائمة الجمال والإثارة في ذلك العصر حتى وصلت إلى 30 سمة محدَّدة، منها السيقان الطويلة والورك الواسع، والخصر الضيق، والأسنان القصيرة لابتسامة غائرة.
الأوردة العنكبوتيَّة والشامة
وتلجأ فتيات اليوم إلى الأدوات الطبيَّة المختلفة للتخلص من الأوردة العنكبوتيَّة، التي قد تظهر في أحد أجزاء الجسد، إلا أنَّه في القرن السابع عشر الميلادي، كان الفتيات يحرصن على رسم الأوردة العنكبوتيَّة في الرقبة والصدر والكتفين باستخدام قلم رصاص أزرق، وذلك لتظهر المرأة وكأنَّها من أصول وسلالة راقية.
وكذلك الأمر مع الشامات أو ما تُسمى بـ«حبة الخال»، التي تخضع غالبيَّة الفتيات اليوم لعمليات جراحيَّة لاستئصالها، إلا أنَّه وفي القرن الثامن عشر؛ فقد أعطت الدول الأوروبيَّة للشامة أهميَّة خاصة؛ حيث كانت النساء تلجأ إلى الشامات الصناعيَّة؛ فلم تكن وسيلة للتجميل فقط؛ بل أداة تجلب الغزل.
بياض البشرة بالخل والرصاص
إحدى علامات الجمال القديمة أنَّه كلما ازداد لون بياض البشرة، كانت المرأة أكثر جمالاً، بعكس ما هو شائع الآن من التوجه إلى الاسمرار، وكانت الملكة إليزابيث الأولى، ملكة إنجلترا وأيرلندا في القرن الخامس عشر، من المتحمِّسات لمستحضرات التجميل، التي تجمع بين الخل والرصاص للحصول على درجة عالية من بياض لون الجلد، وهو ما يعرف بـ«قناع الشباب»، وعلى الرغم من خطورة مادَّة الزرنيخ التي قد تؤدي إلى تضخم الغدة الدرقيَّة أو الموت، إلا أنَّه وفي القرن التاسع عشر، كان من الأناقة أن تقوم بعض النساء بتناوله وأكله؛ فهو من وجهة نظرهنَّ يبعث النضارة في الوجه والتألق في العينين والاستدارة الجذَّابة للجسم.
مشد «الانفصال»
«الكورسية» أو المشد، اختلفت أنواعه التي جذبت النساء، وتعتقد بعضهنَّ أنَّ هذه الأداة وليدة هذا العصر، إلا أنَّه يعود للقرن السادس عشر؛ حيث يُصمم خصيصاً لخلق خصر صغير ورفع الثديين كما هو اليوم، إلا أنَّه في القرن التاسع عشر ظهر اتجاه حديث لتجارة المشدَّات التي تدعم «انفصال الثديين»؛ فارتدت النساء تلك الأنواع لخلق فجوة واضحة وكبيرة في الصدر؛ فسُمي ذلك النوع بـ«مشد الانفصال».
حاجبا الحزن
في عهد مملكة أو إمبراطوريَّة «هان»، التي حكمت الصين من عام 202 قبل الميلاد وحتى 220 بعد الميلاد، كانت صرعة الموضة آنذاك أنَّ المرأة لا بد أن يكون حاجباها قصيرين ومقوسين إلى الأعلى، تعرف صاحبته بصاحبة «الحاجب الحزين»، وكانت النساء يرسمن حواجبهنَّ بشحوم سوداء أو زرقاء أو خضراء.
وللصينيين تاريخٌ طويل في الأظفار الطويلة؛ حيث كانت تتراوح أظفار كل من النساء والرجال بين 8 ـ 10 بوصات، وكانت بعض النساء ترتدي الأدوات المطليَّة بالذهب لحماية أظفارهنَّ؛ مما يدل على ثروتهنَّ وغِناهنَّ واعتمادهنَّ على الخدم للقيام بأمور اللباس وتناول الطعام.
سيقان الرجال في القرون الوسطى
من القرن الخامس وحتى الثامن عشر، أي في العصور الوسطى للقارة الأوروبيَّة، كانت ساقا الرجل محط اهتمام؛ فالممتلئتان تدلان على الجمال؛ لذا يسعى إليهما الرجال؛ حيث يرتدي بعضهم جوارب سميكة وطويلة تُظهر حجم الساقين، في حين أنَّ بعضهم كان يعمد إلى حشو تلك الجوارب لتظهر الساقان بمظهر مُرضٍ، مثل الملك هنري الثامن، أحد ملوك إنجلترا في القرن السادس عشر.
البدانة في موريتانيا
في الوقت الذي يسعى فيه الجميع للحصول على جسم مثالي، إلا أنَّ الشعب الموريتاني يرى أنَّ المرأة البدينة هي الأفضل والأجمل؛ فالفتيات الصغيرات اللاتي يبلغن من العمر خمس سنوات وحتى سن المراهقة، يخضعن لعادة تُعرف باسم «ليبلوه» وهي الإطعام الجبري للفتاة حتى يزيد وزنها، وفي حال لم يستجب جسدها للزيادة؛ فقد يلجأون إلى طرق أخرى كاستخدام العقاقير التي تحث على فتح الشهية؛ إضافة إلى ذلك فإنَّ الشعب الموريتاني يرى أنَّ السمنة تعني الرفاهيَّة والثروة، ووجود زوجة سمينة يعني أنَّ الزوج تمكَّن من دعم أسرته بشكل ناجح.
السوداء دليل الالتزام الزوجي والمعوجة للجمال
إذا كنتِ قد تعبتِ من الاهتمام وتنظيف أسنانك بالفرشاة ثلاث مرَّات يومياً؛ فإن مكانك كان لا بد أن يكون في اليابان في القرن التاسع عشر؛ فقد كانت أسنان النساء تصبح سوداء بشكل دائم بعد الزواج، وهو رمز للجمال والالتزام الزوجي.
وفي الوقت الحالي أصبح معيار جمال الابتسامة العالمي يعتمد على الأسنان المتراصة؛ فلجأ كثير من الفتيات إلى التعديل والحصول على تلك الابتسامة المثاليَّة من خلال برامج التقويم والعمليات الجراحيَّة المختلفة، إلا أنَّ فتيات اليابان متفرِّدات عن غيرهنَّ؛ حيث يقمن بممارسات غير عادية تُدعى بـ«Yaeba»، والتي تعني الأسنان المزدوجة، وفي هذه الحالة تمَّ تصميم أقواس لجعل الأسنان تبدو ملتوية عن الطبيعي، وغالباً ما يتم هذا الإجراء لواحد أو اثنين من الأسنان؛ فمن يدري، قد يصبح هذا التوجه أكثر شعبيَّة في الأيام المقبلة بعد أن ظهرت اتجاهات تماثله في الغرابة في الولايات المتحدة الأميركيَّة؛ حيث أصبحت «الأسنان المتزاحمة» أمراً يُعبِّر عن الجمال الفاتن.