يُعد يوم 25 من شهر نيسان/ أبريل، هو اليوم الذي من الممكن أن نعتبره "احتفالاً بالحياة"، حيث أنه في هذا اليوم قبل 65 عاماً، وعلى وجه التحديد في العام 1953، تم اكتشاف أحد أهم الأسرار البشرية، وهو الحمض النووي الـ"D.N.A"، على يد العالمين الأمريكي "جيمس واتسون" والإنجليزي "فرنسيس كريك" من جامعة كامبردج، اللذان كانا بعد الحرب العالمية الثانية في بداية حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، في سباق علمي محتدم مع فريق آخر من جامعة لندن لاكتشاف سر الحياة هذا، وهم كل من "موريس ويلكنز" و"روزاليند فرانكلين".
الخيانـــة التي خدمت العلم
في خضم الأبحاث والتجارب العلمية الكثيرة والكبيرة لكلا الفريقين بجامعتي "كامبردج" و"لندن"، تمكن العالم "جيمس واتسون" من أن يرتبط بصداقة غريبة مع خصمه في فريق جامعة لندن "موريس ويلكنز"، الذي كان متخصصاً بالتصویر الجزیئي بواسطة "أشعة X"، وفي تلك الأثناء، قاما بتبادل بعض المعلومات، والتي كانت السبب الرئيسي والأهم في اكتشاف كريك لشكل "حامض الـD.N.A"، وهو شكل "اللولب المزدوج" الذي تم اعتماده حتى وقتنا الحاضر.
وبمساعدة عدد من علماء الكيمياء الحیاتیة الذین کانوا مع واتسون في جامعة كامبردج وابرزهم "جیري دنهیو" و"اروین شارغاف", تمكن والعالم الأمريكي من التوصل إلى تركيبة الـ"D.N.A"، ليتم في الخامس والعشرين من نيسان/ إبريل في العام 1953، الكشف عن أهم أسرار الحياة، وليقوم حينها كل من واتسون وكريك، بفتح باب جديد في العلم، أوصل من خلفوهم من العلماء إلى الكثير من الإكتشافات والأبحاث المهمة للغاية في جميع المجالات، وعلى اثر هذا الإكتشاف، حصل كل من واتسون وكريك وويلكنز أيضاً، على جائزة "نوبـــل" للطب خلال العام 1962، لاكتشافهم شكل وترکیبة حامض الـD.N,A المتمثل بـ"الولب المزدوج" الذي یعید بناء نفسه.
عقب ما حدث، اعتبرت العالمة الرابعة "روزاليند فرانكلين"، التي كانت قريبة جداً من اكتشاف تركيبة الـD.N.A بنفسها، أن ما فعله زميلها ويلكنز في فريق جامعة لندن، كان "خيانــــة" كبيرة لمشروعهما وأبحاثهما العلمية، وذلك لأنه قام باطلاع واتسون على انعكاسات "أشعة X" التي صورها للمادة الوراثية، إلا أن ويلكنز كان لديه حجته القوية وموقفه الثابت من هذا الأمر، حيث كان يرى بأنه من غير المهم على الإطلاق من يصل أولاً إلى هذا الإكتشاف العظيم، ولكن المهم هو خدمة العلم وما سينتج عن ذلك الإكتشاف من مساعدة للبشرية وللحياة عموماً، واقتنعت "فرانكلين" بموقف زميلها، وفيما بعد أيدت ما توصل إليه كل من واتسون وكريك من اكتشاف شكل وتركيبة الـD.N.A.
"موريس ويلكنز" الذي كفّر عن ذنبه
كان هناك قصة مثيرة ومؤثرة للغاية وراء قرار العالم الإنجليزي "موريس ويلكنز" بالإشتراك بأبحاث اكتشاف الحمض النووي الـD.N.A، حيث أنه في أحد الأيام كان ضمن أحد الشخصيات التي تم دعوتها لحفل ضم عدداً من العلماء والباحثين، وخلال الحفل، سأل أحد الصحفيين ويلكنز قائلاً:
"كنت أحد الذين شاركوا في صناعة الموت ذات يوم، من خلال مشاركتك بمشروع "مانهاتن" الذي نجم عنه اختراع القنبلة النووية".
وأقرّ العالم الإنجليزي بذلك، وقاله له "أجل، لقد فعلت ذلك"، فتابع الصحفي حديثه قائلاً: "جيد، الآن عليك الآن أن تكفر عن ذلك الذنب العظيم، وأن تشارك في صنع الحياة".
وكانت لهذه الكلمات وقع مؤثر وصادم للغاية على ويلكنز، وفعلاً قرر أن يشارك في صنع الحياة، من خلال الإنضمام إلى فريق جامعة لندن الذي كان يعمل على مشروع اكتشاف شكل وتركيبة الـ"D.N.A"، وهذا ما فعله وأنجزه بإنقاذ حياة ملايين البشر، بعد مشاركته باختراع القنبلة النووية التي قتلت مئات الآلاف منهم ذات يوم، وهكذا كفّر ويلكنز عن ذنبه السابق.
الـ"D.N.A" في خدمة البشرية..
مهد اكتشاف شكل وتركيبة الـ"D.N.A"، الطريق لتطوير الوسائل العملية البيولوجية، وكان نقطة الإنطلاق والبداية للكثير من الأبحاث العلمية الكبيرة والمهمة في العديد من المجالات، كما أنه فتح الكثير من الأبواب لعلاج آلاف الحالات المرضية عن طريق "العلاج الجيني"، وعلى جانب آخر، انطلقت الأبحاث والتقنيات الجديدة المتعلقة بـ"الهندسة الجينية"، التي أحدثت ولا تزال تُحدث ثورات كبيرة بكل ما يخص علم الإحياء عموماً، وساعد في بناء منظومة بيولوجية معدلة وراثياً، دخلت بكل أنواع وأشكال المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، وأيضاً بصنع وقود حيوي لا يهدد أمننا الغذائي، والكثير الكثير من الابتكارات والاكتشافات الجديدة التي قدمت خدمة ليست فقط للبشرية، بل ولكوكبنا ككل.
جيمس واتسون
جيمس واتسون، هو عالم أحياء جزيئية ووراثة أمريكي، وُلد بـ6 نيسان/ ابريل من العام 1928، في مدينة "شيكاغو" في ولاية "إلينوي" بالولايات المتحدة الأمريكية، والتحق بجامعة شيكاغو وعمره 15 عاماً، وحصل على البكالوريوس عام 1947، وتابع دراسته في جامعة إنديانا حيث حصل على الدكتوراه هناك في علم الوراثة عام 1950، بعد أن رفضت كل من جامعة هارفارد ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا قبوله لإتمام الدراسات العليا فيها.
وبعد انجازه التاريخي، عاد واتسون إلى الولايات المتحدة، وعمل باحثاً بيولوجياً حتى العام 1955، واستلم عدة مناسب أكاديمية بأهم الجامعات الأمريكية، كما شارك وأشرف على العديد من المشاريع البحثية العلمية، مثل مشروع "الجينوم البشري" التابع لمعاهد الصحة القومية، والذي كان رئيساً للمشروع حينها، وهو يعمل منذ العام 1994 رئيساً لمعمل "كولد سبرنج هاربر" حتى وقتنا الحاضر.
فرنسيس كريك
فرنسيس كريك، هو فيزيائي وعالم كيمياء حيوية بريطاني، ولد في 8 حزيران/ يونيو من العام 1916، اهتم في معظم حياته العلمية بمسألتين مهمتين، لم يتمكن أي أحد من إيجاد حلول لهما إلى الآن، وهما: "كيف تتحول الجزيئات من غير حية إلى حية"، و"كيف يصبح المخ عقلاً واعياً".
عقب تحوله من علم الفيزياء إلى علم الأحياء، تأثر بعدد من العلماء الكبار هم "لينوس باولنغ" و"إرفين شرودنغر"، وتوفي في 28 من شهر تموز/ يوليو في العام 2004، بعد أن حقق العديد من الإنجازات في جميع المجالات العلمية التي عمل فيها في حياته.