قليلون الأشخاص الذين ينظرون إلى المواقف التي تحدث أمامهم، نظرة بعيدة المدى، ويحسبون عواقب ما قد يحدث بالمستقبل، وهذا تماماً ما قام به الشاب المصري شريف محيي الدين، الذي رفض أن يُعاقب من اعتدى عليه بشكل عنصري خلال تواجده في بريطانيا، على الرغم من أن القضاء أنصفه وأعاد له حقه واعتباره بعد ما تعرض له من اعتداء.
وبحسب ما نقله موقع "عربي بوست"، فإن الحكاية بدأت عشية عيد الميلاد نهاية العام الماضي 2017، بعدما وقع محيي الدين وصديقه ضحية اعتداء عنصري من أحد الشبّان البريطانيين في مدينة "درم" في المملكة المتحدة، وحينها توجه إلى القضاء الذي أنصفه ورد له اعتباره، وكان القاضي على وشك الحكم بالإدانة على الشاب البريطاني الذي يُدعى "بيت"، عقب قيامه بالاعتداء على محيي الدين وصديقه، إلا أن الشاب المصري الذي كان مُنزعجاً من فكرة سجن المعتدي عليه، قام بالطلب من القاضي أن يقوم بتعليق الحكم، وجعله مشروطاً على حسب سير وسلوك الشاب البريطاني، خصوصاً أنه صغير بالسن وظروفه الاجتماعية سيئة.
وخلال الشهر الماضي، اعترف المتهم بارتكابه للإعتداء العنصري على محيي الدين وصديقه، وبأنه شارك في هجوم عشية عيد الميلاد خارج أحد المقاهي في مدينة "درم" البريطانية، وبأنه وجّه للشابين العربيين كلمات عنصرية، ثم قام بالاعتداء عليهما برفقة آخرين بالضرب، مما تسبب لهما في كدمات عديدة.
رحلة من أميركا إلى بريطانيا لمنع سجن المعتدي..
أصرّ الشاب المصري شريف محيي الدين، على أن لا يُسجن الشاب الذي اعتدى عليه، وعلى الرغم من أن النظام القضائي الإنكليزي، من النادر أن يقوم بما يسمى "جلسات الحقيقة والمصالحة"، التي من الممكن أن تنهي القضايا بين الأفراد، لكن محيي الدين استمر بما بدأ به، وذلك لأنه يرى أن دخول أي شخص للسجن، هذا يعني أن يعيش تجربة سلبية ستؤدي بكل تأكيد لمزيد من المشاكل، وأن السجن لن يكون هو الحل أبداً.
استجاب قاضي المحكمة البريطانية لطلب محيي الدين، بتمكينه من زيارة السجن الذي يقبع فيه أحد المعتدين الثلاثة، والذي كان يواجه حكماً شبه مؤكد بالسجن بعد إدانته، وبالفعل سافر الشاب المصري خصيصاً لهذا السبب من مكان إقامته الحالي في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إنكلترا لمواجهة المعتدي عليه.
وكان محيي الدين قد نشر عبر صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك"، قائلاً إنه يؤمن بأن العدالة يمكن أن تتحقق وتتجسد بأشكال مختلفة، وليست قاصرة على العقوبة، والمتمثلة في الغالب في الزج بالجناة للسجن، وأضاف محيي الدين: "من وجهة نظري ما يزيد من تأزيم المشاكل الجذرية، ويخرج منه السجين في صورة أعتى الجناة، والأبرياء بمشاكل نفسية وأزمات لا حصر لها ولا أول، ناهيك عن الأضرار الاقتصادية والاجتماعية على المتهم وأسرته".
هكذا واجه المعتدي عليه..
ووتابع موقع "عربي بوست" نقله لحكاية محيي الدين، بأن جلسة المواجهة في السجن حدثت بالفعل، وأصر محيي الدين على أن يكون بمواجهة السجين، وليس بمواجهة ضابط السجن، وعندها قدّم السجين اعتذاراته، مؤكداً أن ما حدث من اعتداء لم يكن ينبغي له أن يحدث على الإطلاق، وأنه كان مستعداً لمقابلته ورحب بدعوته للمقابلة، وبسؤال ضابط السجن عن موقف محيي الدين من هذا الاعتذار، صرّح: "لن أقبله وفي نفس الوقت لن أرفضه"، فبدلاً من ذلك، سيكتفي بجعل رده مشترطاً بأفعال السجين في المستقبل.
وقال الشاب المصري: "بعد 5 أو 10 سنين من الآن، لو نظر إلى حياته وما جرى فيها، معتبراً أن هذه الجريمة كانت نقطة تحول للأفضل في حياته، ابتعد عنها تماماً عن العنف والعنصرية وقام بتربية أطفاله على ذلك، فسواء قام بالتواصل معي حينها أم لا، فيمكنه أن يعتبر أني شخصياً قد سامحته وقبلت الاعتذار، أما إن كان العكس، فليكن متيقناً من أني لن أسامحه حتى نهاية عمري".
وذكر محيي الدين ما حدث في مواجهته للمعتدي أمام المحكمة في يوم 24 آب/ أغسطس 2018، مؤكداً رغبته في أن يتم إعمال الأدوات الإصلاحية التي اتفقا عليها، وتجنب السجن، خصوصاً مع الظروف الخاصة التي يعاني منها المتهم الذي يبلغ من العمر 21 عاماً فقط، وبعد أن أنجبت رفيقته أول طفلة لهما، بعد أسابيع من الجريمة، وطالب محيي الدين بتعليق أي حكم بالسجن وجعله مشروطاً على حُسن سيره خلال السنوات القادمة.
القاضي يستغرب
وانتهت جلسة المحكمة بقيام القاضي بإلقاء ديباجة الحكم ونصِّه، وفي الوقت نفسه قام بالثناء على ما فعله الشاب المصري محيي الدين، حيث وصفه وصفه بـأنه "موقف إنساني ونبيل لم يشهده من قبل"، الأمر الذي ما جعله مضطراً أن يجعل حكم السجن مع عدم النفاذ، متوعداً المتهم بإضافة المدة لأي مدة قد يتم إدانته عليها في المستقبل، حيث كان القاضي قد حكم على "بيت" بالسجن لمدة ستة أشهر، بتهمة الإخلال بطلبية مع وقف التنفيذ وثلاثة أشهر أخرى للاشتراك في اعتداء، وقام القاضي بتعليق الحكم مؤقتاً لمدة عامين.