هناك من يتاجر بالبضائع على اختلافها، أجهزة إلكترونية، طعام، شراب وغيرها، وهناك من يتاجر بـ «الأفكار»، التي قد تكون أكثر أهمية بأشواط كبيرة من أي نوع من البضائع، والتي قد تحتاج جهداً مُضاعفاً لإنتاج الفكرة المناسبة، وخلال ذلك قد نواجه ما قد يكون عادياً منها، وقد نتمكن من الخروج بأفكار أخرى قد تكون مهمةً، ولكننا حتى نضمن نجاح هذا المشروع، علينا البحث عن تلك الأفكار التي تكون عبقرية للغاية، تلك التي يوماً ما ستساوي عشرات المليارات من الدولارات.
ومن هذه الأفكار العبقرية التي شهدنا ولادتها وتطورها خلال الأعوام القليلة الماضية، الفكرة التي قام عليها موقع «أير بي إن بي Air bnb» العالمي، والذي بعد أن بدأت أرباحه قبل 11 عاماً، بمبلغ لم يتجاوز الـ 80 دولاراً أمريكياً فقط، تقدر قيمة هذا الموقع السوقية في الوقت الحاضر، بما يزيد على الـ31 مليار دولار أمريكي، وجعل ملايين السُيّاح والمسافرين لا يستطيعون الاستغناء عن خدماته أبداً، ويعود الفضل في كل ذلك إلى الفكــــرة العبقرية التي قام عليها منذ البداية.
الفكرة التي جلبت الثروة
لأن الإنترنت في عصرنا الحالي، هو الأمر الأساسي في جميع تفاصيل حياتنا، ولأنه تمكن من تغيير جميع المجالات من أعمال واقتصاد وعلاقات اجتماعية، كان لا بدّ لهذه الفكرة العبقرية أن تخرج من رحمه ومن الفرص الجديدة التي أتاحها للناس، فكانت الفكرة الأساسية لموقع «أير بي إن بي Air bnb»، هي العثور على حلٍّ مثالي للأشخاص الذين يودون الإقامة في بلدان أخرى عند سفرهم، بتكلفة قليلة ومناسبة، تغنيهم عن التكاليف الباهظة للفنادق.
ومن هنا، خرج كل من «برايان تشيسكي» و«ناثان بليكارسزيك» و«جو جيبيا»، بفكرتهم العبقرية، وهي أن يقوم الأشخاص العاديون من مختلف دول وأرجاء العالم، بتأجير غرفٍ من منازلهم للزوار والسُيّاح، وذلك بأسعار أقل كثيراً من أسعار الفنادق والنُزل المعروفة في تلك البلدان، وهو الأمر الذي يساعد على توفير الكثير من النفقات على هؤلاء الزوار، فتكون الفائدة متبادلة بين الطرفين، السائح يحظى بإقامة جيدة قليلة التكاليف، والمُضيف، يزيد من دخله عبر تأجير غرفٍ من منزله.
قصة النجاح التي بدأت قبل 11 عاماً..
بدأت حكاية هذا المشروع الناجح في عالم الإنترنت، من مدينة «سان فرانسيسكو» في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عندما كان كل من الأصدقاء الثلاث «برايان تشيسكي» و«ناثان بليكارسزيك» و«جو جيبيا»، يكافحون؛ حتى يتمكنوا من دفع أقساط الشقة التي يعيشون فيها، وظلت أمورهم المادية الصعبة هي العنوان الرئيسي لحياتهم في تلك الفترة، حتى خرج ثلاثتهم بهذه الفكرة الخلّاقة قبل قرابة الـ 11 عاماً، وتحديداً خلال شهر آب / أغسطس من عام 2007.
بدايات هذا المشروع كانت عندما قام الأصدقاء الثلاث، بشراء عدد من الأسرّة البلاستيكية الخاصة بالنوم، والتي يتم نفخها عن طريق الهواء، وأعلنوا عبر الإنترنت عن وجود أسرّة للنوم للسُيّاح بأسعار زهيدة، وكانت المفاجأة أن وجدوا تجاوباً من بعض الأشخاص، حيث كان أول زبائنهم ثلاثة ضيوف، الأول رجل هندي بالعقد الثالث من العمر، والثاني سيدة جاءتهم من مدينة «بوسطن»، والثالث رجل أميركي قَدِمَ إليهم من ولاية «يوتا»، ودفع الضيوف الثلاث مبلغاً إجمالياً كان 80 دولاراً أمريكياً فقط للإقامة مدة ليلة واحدة، وهذه الدولارات الثمانين، كانت أولى مرابح هذه الفكرة.
أطلق كل من «تشيسكي وبليكارسزيك وجيبيا»، اسم «إير بيد آند بريكفاست Air Bed and Breakfast»، بمعنى «إير، سرير وإفطار» على شركتهم الناشئة، والتي بدأت بالتأسيس والنمو الحقيقي خلال العام التالي 2008. وللتعريف بهذه الشركة – الذي لم يكن أمراً سهلاً على الإطلاق – قاموا بأول جولة تسويقية لهم، والتي استطاعوا خلالها جمع 30 ألف دولار.
مشكلة غريبة كادت تنهي أحلام الشركاء الثلاث
بعد قرابة العامين من تأسيس الشركة، وتحديداً خلال العام 2009، تَنبّه الشركاء الثلاث إلى مشكلة غريبة كانت تقلل من الإقبال على مشروعهم، حتى أنها كادت تتسبب لهم بـ«الإفــــلاس»؛ حيث انخفضت المداخيل إلى أقل من 200 دولار في الأسبوع الواحد، وبعد قيامهم بمراجعة جميع تفاصيل شركتهم، والعمل على تحليل كامل لكل شيء، اكتشفوا أن المشكلة تكمن في التقاط الصور من قبل أصحاب المنازل والشقق أنفسهم، وذلك كونهم يلتقطون صوراً غير احترافية وغير واضحة، ما يجعلها غير قابلة للعرض على الإنترنت، وهو الأمر الذي قلل من إقبال الناس على المشروع.
بعد اكتشاف هذه المشكلة، قام العاملون في الشركة بزيارة جميع الأماكن التي يتم عرضها على الموقع الإلكتروني في مدينة نيويورك، وإعادة تصوير الغرف والشقق المعروضة بشكل احترافي أكثر دقة وجذباً للناس، ونبّهوا من هم خارج الولايات المتحدة إلى ضرورة الاهتمام بهذا الجانب من العرض، وبالفعل توالت استثمارات هذه الشركة الناشئة بالنمو والتطور؛ حتى ارتفعت قيمتها السوقية بشكل كبير لتصل ما بين العامين 2016 و2018 إلى ما يقارب الـ31 مليار دولار أمريكي؛ إذ إن الشركة تضم مؤجرين في أكثر من 34 ألف مدينة حول العالم.
مشكلات جديدة.. والتأمين كان الحلّ
هذا النمو وهذه الأرباح التي جلبتها فكرة الأصدقاء الثلاث لهم، لم تكن خالية من المشاكل والتحديات، فمع ارتفاع عدد المؤجرين والمستأجرين، ونمو الشركة بهذا الشكل الذي لم يكن متوقعاً، بدأت تظهر مشاكل جديدة وتحديات يجب العمل على إنهائها بأسرع وقت وبأفضل طريقة ممكنة، وبدأت تظهر هذه التحديات خلال العام 2011، عندما واجهت الشركة ردود فعل غاضبة من بعض الأشخاص، من بينهم إحدى المضيفات التي كتبت على مدونتها أن أثاث وديكور منزلها تعرض للتخريب بشكل كبير بسبب إهمال وعدم احترام الضيوف.
هنا، كان لا بد للشركة أن تتحرك بشكل سريع وفوري لعلاج هذه المشكلة، ولجأت إلى سياسة التأمين؛ إذ قاموا بتطبيق سياسة تأمين مبدئية تغطي منازل المضيفين لحمايتها من الأضرار، بقيمة تصل إلى نصف مليون دولار، ووصلت قيمة التأمين الآن إلى نحو مليون دولار، وبذلك ضمنت الشركة استمرار عملها، ورضا المُضيفين الذين يعملون معها.