mena-gmtdmp

انفصام اجتماعي

أميمة عبد العزيز زاهد

 

تعاني الكثير من العائلات في وقتنا الحاضر من انتشار النزعة الفردية وفتور العلاقات وعدم وجود روح التعاون الجماعي بين أفرادها؛ مما ساهم في تفكك الأسرة، حتى تحولت معظم البيوت في مجتمعاتنا مع الأسف إلى مجرد شراكة في السكن، فالزوج والزوجة كل منهما له عالمه الخاص، وحتى الأبناء لهم عالمهم الخاص بهم، وكأن الزواج اقتصر على شركة وفق أنظمة محددة لا دخل للمشاعر أو الأحاسيس في بنائها وقيادتها. ألا تلاحظون كيف أصبحت اجتماعاتنا الأسرية على المستوى الصغير أو الكبير، فكم من البيوت يجتمع فيها أفراد الأسرة الواحدة يجلسون حول الغداء أو العشاء أو مشاهدة التلفزيون، ولكن كلاً منهم يعيش بفكره بعيداً عن الآخر، ولو دار حوار فيسمعه الآخر بلا إصغاء ويرد عليه بلا اهتمام؛ لأن كل طرف مشغول بطريقته وليس هناك مجال للحوار أو المناقشة، انظروا إلى علاقتنا لقد أصبحنا نشعر بالغربة وسط منازلنا في زمن لا وقت للابن ليجلس مع أمه، أو لأب يلعب مع أبنائه أو الزوج مع زوجته، زمن الجري بلا هدف، فلا وقت لجلسات عائلية. وكم من الأبناء من يعيش في غرفته منعزلاً عن العالم الخارجي أمام جهازه يشاهد أو ينصت أو يتحدث إلى مجهولين، وتدور الأيام على نظام واحد يحيط بها الملل والروتين، وندرة اللقاءات بين أفراد الأسرة، وكل ذلك خلق الجفاء والبعد النفسي والمعنوي والتربوي، وهكذا تسير الحياة ببرود وببطء لكنه الهدوء الذي يسبق الكارثة وليس العاصفة. وتمضي الأيام لتترك وراءها المزيد والمزيد من الحسرة فيعيش كل طرف في وادٍ مختلف عن الآخر، ويصبح أفراد الأسرة غرباء يعيشون تحت سقف واحد لا توجيه لسلوكيات، ولا إشراف على قيم ولا زرع لأبجديات التعامل ولا قدرة على التواصل في الحوار البناء ليس بينهم اهتمامات موحدة، ولا مشاعر مشتركة فتموت الألفة وتنتحر المودة، وتغتال العشرة ويهدم السكن بسبب التباعد الروحي والنفسي والعاطفي، وتنطلق التعاسة بلا حدود وبلا قيود... بعيدين في الجدار والجوار، حقيقة لم يكن هناك قلق مع بدايات شبكة الإنترنت نظرًا لمحدودية مستخدميها علاوة على كونها مقصورة على فئة معينة من المستخدمين؛ لكن مع توسع استخدام الشبكة ودخول جميع فئات المجتمع إلى قائمة المستخدمين ظهرت فوائد التواصل الاجتماعي وتشابكت العلاقات الإنسانية؛ مما أدى إلى عدم وضوح رؤية للعلاقات الاجتماعية بين الأطراف؛ حتى ضاعت الحدود الفاصلة وتم استغلال التكنولوجيا الحديثة استغلالاً سيئاً، وسهل إقامة العلاقات بين الجنسين في أي وقت، وأي زمن وفي أي مكان. وبدأت تظهر مشاكل ازدادت مع الوقت وتعددت صورها وأشكالها خاصة وأن الإنترنت جعل الإباحية بشتى وسائل عرضها من صور وفيديو وحوارات في متناول الجميع، فعدم الوعي أظهر لنا على سطح حياتنا مشكلات جديدة كالزواج السري والعلاقات خارج إطار الشرع، ولابد من تنظيم العلاقات الاجتماعية حتى نعيد للحياة توازنها، ومن الأمور المبكية أن التطور التكنولوجي في زماننا هذا أصبح من أحد أسباب الطلاق سواء بسبب انشغال الزوج بالجلوس أمام الإنترنت، أو لتعدد حالات الخيانة الزوجية من خلال هذا الجهاز.