كثيرًا ما حاول الشعراء والفلاسفة والحكماء، أن يجدوا تعريفًا أو وصفًا للحب، يكون قريبًا من حقيقته وما هو عليه. كثيرًا ما كتبوا وألفوا وعزفوا ورسموا، وقليلاً ما تمكنوا من الاقتراب ولو بخطوات من حقيقة هذا الأمر العظيم الذي يعيشه ويحلم به الجميع. ولكن... ومن بين كل هؤلاء كان هناك شخص واحد، عُرف بأنه كاتب شُجاع، مبدع، حمل قلوب بسطاء وفقراء العالم فوق سطور أعماله، وجال بها ليقرأها العالم. إنه الأديب والشاعر والروائي الفرنسي «فيكتور هوغو»، الوحيد ربما الذي تمكن من ملامسة أطراف الحقيقية في جوهر الحبّ. وعندما وصل إلى ذلك، كتب ما شعر به واستطاع رؤيته في عمل أدبي واحد... «أحدب نوتردام».
لطالما أخذ «هوغو»، همّ البسطاء وحمله على عاتقه، وحاول أن يوصل صوتهم إلى العالم كله. وفي الوقت نفسه، كانت يد الأدب تلامس همه الإنساني، فأخرج أعماله إلى فضاءات وصور ومشاهد وتراجيديا مدهشة لم تكن مألوفة عن هذه الفئة من المجتمع رغم أنها حقيقية. وفي روايته الشهيرة «أحدب نوتردام»، تناول العبقري الفرنسي قصة حبّ خارجة عن المألوف، قارب من خلالها أن يلامس روح هذه العاطفة التي شغلت العالم. فجعل من شخصية «كوازيمودو»، بطلًا مدهشًا وحقيقيًا، وشخصية غير متوقعة أبدًا. ورغم الحريق الهائل الذي طال الكاتدرائية التي تدور فيها معظم أحداث القصة الشهر الماضي ، إلا أن ملحمة الحب بقيت خالدة وهنا نعود للحديث عنها.
أحدب نوتردام... رومانسية البسطاء والوجه الحقيقي لـ «القبيح»
تدور أحداث رواية «أحدب نوتردام» في العاصمة الفرنسية باريس أواخر العصور الوسطى في أوروبا. واختار «هوغو» كاتدرائية نوتردام مكانًا رئيسيًا لمعظم أحداث روايته. حيث كان يعيش بطلها «كوازيمودو»، الطفل الأحدب اللقيط ابن العائلة الغجرية، التي جاءت إلى نوتردام للقيام بأعمال السرقة، وعندما فشلت إحدى محاولاتهم تركوا طفلهم وهربوا، ليأخذه القاضي «الدوم كلود فرولو»، ويربيه في الكنيسية. ومن هنا تبدأ فصول الرواية الأكثر تشويقًا وتراجيديا.
كبر «كوازيمودو»، بعد أن اعتنى به القاضي «فرولو»، ودربه ليكون قارعًا لأجراس كاتدرائية نوتردام. إلا أن هذا الطفل الأحدب، عانى الكثير بسبب مظهره الخارجي، الذي كان الناس يعتبرونه قبيحًا. على الرغم من أنه كان إنسانًا جميلًا من الداخل، ويحمل في قلبه الكثير من البطولة والأحلام. وفي يوم من الأيام، تم اختياره حتى يكون «زعيم المهرجين» في الاحتفال الذي كانت تقيمه المدينة في كل عام، إلا أن القاضي «فرولو» لم يكن موافقًا على هذا الأمر. لكي لا يرى الناس مظهر «كوازيمودو» القبيح، ويصابوا بالخوف منه، ويتسببوا له بالمشاكل، ومن جهة أخرى، كان يريد له أن يبقى طوال عمره في خدمة الكنيسة.
منعطف مهم شهدته أحداث الرواية، عندما ظهرت شخصية «إزميرالدا»، الفتاة الغجرية الحسناء، التي تمكنت بشعرها الأسود المجعد الطويل، وسمارها الفاتن، وعينيها السوداوين الكبيرتين ورموشها طويلة، من أن تثير اهتمام جميع سكان المدينة برقصها وجمالها. وكان من بينهم «كوازيمودو»، الذي شعر لأول مرة في حياته بالحبّ، والذي بدأت حياته تتغير من هذه اللحظة. ومن جانب آخر، كان من بين الذين أعجبوا بالفتاة الغجرية، القاضي «فرولو» نفسه، الذي حاول كثيرًا أن يجتذبها وأن تكون ملكه حتى ولو بالقوة والعنف.
لم تكن حياة «أزميرالدا» بأفضل حال من «كوازيمودو»، فهي في الأساس لم تكن غجرية، بل فتاة من عائلة فرنسية، إلا أن الغجر كانوا قد سرقوها من بين يدي والدتها، و«أزميرالدا» لم يكن اسمها الحقيقي، بل كان «أجنيس». وبحبكة ذكية، يقوم الكاتب «فيكتور هوغو»، بجعل حياتي بطلي الرواية –القبيح والحسناء - تتقاطعان في فترة ما. حيث إن الغجر عندما هربوا تاركين «كوازيمودو»، سرقوها بدلًا منه، وعاشت معهم وتعلمت كل تفاصيل حياتهم لتصبح فتاة غجرية.
بعد أن سرق الغجر الطفلة «أزميرالدا»، ظلت والدتها تحمل أملًا برؤيتها مرة ثانية، ولو لمرة أخيرة، وشاءت الصدف أن تظل محتفظة بإحدى فردتي حذاء طفلتها المسروقة، أما الفردة الثانية، فقد كانت «أزميرالدا» تحملها بقلادة حول عنقها طوال الوقت. وكانت الاثنتان تفكران دون علم منهما بالفكرة نفسها، أن فردة الحذاء هذه قد تكون الأمل في رؤية بعضهما من جديد.
حب «الأحدب» الكبير... وتضحياته الكثيرة
بعد أن شارك «كوازيمودو» باحتفال المهرجين أو الحمقى، اكتشف الناس شكله الحقيقي وأدركوا أنه ليس متنكرًا، وثاروا غاضبين عليه حينها، وأساءوا له كثيرًا، حتى أنهم قاموا بتقييده وضربه أمام الجميع. وفي غمار كل هذا، لم يجد الأحدب المسكين إلا أن الفتاة الغجرية «أزميرالدا» تقف إلى جانبه وتحل وثاقه وتساعده، وحينها أدرك أن عليه أن يرد لها الجميل. ولأنه يمتلك قلبًا نبيلًا وشجاعًا، خاطر بحياته عدة مرات حتى ينقذها من رجال الدولة، الذين كانوا يلاحقون الغجر ويعتقلونهم في كل مكان من المدينة. وفي خضم كل هذا، شعر «كوازيمودو» بالحب لأول مرة في حياته.
كان لدى «فيكتور هوغو»، مقدرة كبيرة على إظهار الشخصية الحقيقية الجميلة والشجاعة، للأحدب قبيح الشكل. وبحث كثيرًا في دواخل الشخصية الإنسانية حتى يكتب شخصية «كوازيمودو»، بكل صراعاتها النفسية والفكرية التي سببها شكلها الخارجي وعاطفتها الكبيرة. وهنا كانت حبكة جديدة في طريقة حب الأحدب للحسناء الغجرية. الذي لم يكن يعتقد أن هنالك أي أمل في أن تبادله هذا الحب. وفي العديد من المواقف، حاول إثبات ما يُحس به من خلال تضحياته العديدة والمخاطرة بحياته حتى ينقذها.
عندما اكتشف القاضي «فرولو» أمرهما وبأنهما هربا، ثارت ثائرته وجن جنونه، وأمر جميع الحرس أن يقوموا باعتقال الغجرية الصغيرة، حتى أنه أحرق المدينة بأكملها للعثور عليها. تصرفات القاضي جعلت قائد الحرس «فيبس» يرفض كافة أوامره، ما دفع القاضي إلى اعتقاله وإعطاء الأوامر لقلته. لكن «أزميرالدا» ظهرت في اللحظات الأخيرة وتمكنت من إنقاذه، وأرسلته إلى «كوازيمودو» حتى يخفيه عن أعين القاضي الشرير.
أحسّ «كوازيمودو» حينها، أن الفتاة التي يُكنّ لها حبًا عظيمًا، وقعت في حب شخص آخر وهو «فيبس» قائد الحرس، وعلى الرغم من ذلك ظل مخلصًا لها، وأخفاه عن أعين القاضي «فرولو»، الذي اكتشف الأمر في وقت لاحق، واتهم أحدب المدينة أنه يتآمر مع الغجر، وأنه هو من هرّب «أزميرالدا» وأحرق باريس.
هكذا كانت النهاية...
في نهاية الرواية تتعقد الأحداث، ومستوى الدراما يصل إلى حدّ كبير في رواية «هوغو»، حتى تأتي النهاية بأن يقوم قائد الحرس «فيبس» بتحذير أهالي باريس مما يحاول القاضي «فرولو» فعله، ليقف الناس بعدها بوجهه لمحاولة منعه من اقتحام كاتدرائية نوتردام، إلا أنه يفعل ذلك رغمًا عنهم، وعندما يصل إلى كل من «كوازيمودو» و«أزميرالدا» ويحاول قتلهما، يخبر الأحدب بحقيقته وأنه ابن الغجر اللقيط. وفي اللحظة التي يبدأ القاضي هجومه، يقوم «كوازيمودو» بمحاولة أخرى لإنقاذ حياة «أزميرالدا». وفي تلك الأثناء يموت القاضي بشكل مفاجئ، بعد أن تهشم أحد تماثيل الكنيسة وتسبب بسقوطه وسط النيران. وهنا يخرج «كوازيمودو» إلى الناس، الذين أدركوا أنه بطل حقيقي، ويحملونه على أكتافهم لأنه أنقذ المدينة من عنف القاضي.