أصدرت إحدى دور النشر البريطانية مؤخراً كتاباً مميّزاً عن الطبخ العراقي يحمل عنوان The Iraqi Cookbook، يضمّ 220 طبقاً عراقياً توارثتها الأجيال وحافظت عليها وعدّلت فيها بمرور الزمن وتغيّر الظروف. ويقف وراء هذا الكتاب جهد كبير للمؤلّفة الدكتورة لميس ابراهيم التي عملت في مجال الطب وعلم المناعة في مستشفيات بغداد، قبل أن تنتقل للعيش والعمل في لندن منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، ولكنها وجدت أخيراً أن حبّها القديم لفن الطبخ قد غلب على كل اهتماماتها الأخرى، وكان هذا الكتاب:
كيف بدأت فكرة الكتاب؟
في عام 2004 زرت بغداد مدينة طفولتي وصباي، وكانت ما تزال راقدة تحت ركام الحرب والدمار. وعندما عدت إلى بيتي في لندن، وجدت أن الإعلام لا ينقل عن العراق سوى صور الدمار والقتل والموت المجاني، وقد آلمني هذا الأمر. وبدون تفكير، جلست أمام شاشة الكومبيوتر وبدأت بكتابة ذكرياتي عن بغداد، في محاولة لاستعادة هدوئي النفسي، ولكنني وجدت نفسي أكتب عن الطبخ في كل مرّة أستعيد فيها ذكرى لاحتفال عائلي أو عيد أو مناسبة دينية ووجدت الطبخ يدخل في ذكرياتي ويتسلّل إليها بدون قصد. ومن هنا ولدت فكرة الكتاب.
وما هي مصادرك في الكتابة؟
هي، أولاً، من خزين ذكرياتي وما تعلّمته من أمي وخالتي، إذ إنني دخلت المطبخ في سنّ الثانية عشرة. وعندما درست الطب (علم الأمراض وعلم المناعة)، وجدت نفسي أربط بين الطبخ والصحة، وصار عندي هاجس أن أطهو طعاماً صحياً، مع احتفاظه بالطعم والنكهة المميّزة. وعندما تزوّجت وصرت أماً، صار همّي هو كيفية تحضير وجبات عراقية غنية بالمواد الغذائية ومتوازنة صحياً، وقد كنت أحتفي في مطبخي في لندن بالتوابل والمنكّهات الخاصة بالمطبخ العراقي والأنواع المختلفة من الأعشاب. وعندما قرّرت تأليف هذا الكتاب، صار الأمر جديّاً وبدأت بجمع الوصفات من المعارف والأصدقاء وكل مائدة طعام عراقية أدعى إليها. وبحثت في بطون الكتب ووجدت الجذور العميقة لعدد من الأطباق كـ «الدولمة» التي هي في الأصل مأكولات عراقية قديمة أخذها منّا الأتراك ونشروها في العالم، وكذلك «البسبوسة» التي ابتكرها العراقيون وكان اسمها «المأمونية» على إسم الخليفة الذي أحبّ طعمها وحرص على تقديمها للضيوف القادمين من كل أنحاء العالم، ما جعلها الطبق التقليدي لكثير من الشعوب.
ما هي المشكلات التي صادفتك أثناء إعداد هذا الكتاب؟
لعلّ أبرز مشكلة تمثّلت في إيجاد دار النشر المناسبة والرصينة التي تأخذ على عاتقها نشر الكتاب بالطريقة التي أتمنّاها. وهنا، تكمن الصعوبة في كيفية إقناع دار النشر في تبنّي كتاب عن مطبخ لا يعرفون عنه الكثير. وكان عليّ أن أطهو بعض الأكلات وأصوّرها بنفسي وأرسلها للناشر، كي يأخذ فكرة عمّا أريد أن أقدّمه. وبعد محاولات ليست قليلة، وجدت أخيراً دار نشر بريطانية رصينة تحمّست لنشره، وأظنّ أن حسن ظنّها كان في محلّه.
كيف تصفين المطبخ العراقي؟
غني ومتنوّع وثري وعريق، تمتدّ جذوره لآلاف السنين. كما أنه كثير التحفّظ إذ نادراً ما يحبّ تغيير الوصفات التي غالباً ما تتناقلها الأجيال، مع قليل من التغييرات.
كيف استقبل الناس كتابك؟
إستقبالاً مميّزاً، علماً أنه وضع على أرفف الكتب المطلوبة في كثير من المكتبات المعروفة، وأجرت معي بعض وسائل الإعلام لقاءات تناولت المجتمع العراقي من خلال مطبخه، أبرزها قناة «بي بي سي» BBC التي احتفت بالكتاب وقناة «سكاي نيوز» Sky News، فضلاً عن لقاءين إذاعيين مع «ايريش راديو» Irish Radio و«شيكاغو راديو» Chicago Radio ووكالة «رويترز». كما أفردت لي صحيفة «الغارديان» حيّزاً كبيراً أقدّم فيه بعض وصفات الطبخ وأردّ فيه على تساؤلات القرّاء مباشرة عبر البريد الإلكتروني. وتلقّيت دعوة من غاليري الطبخ اللندني الشهير Books for Cooks الذي احتفى بالمطبخ العراقي وقرّر أن يقيم غداءً عراقياً، واختار من الكتاب بعض الوصفات (كيكة اللبن المتبّل ومقلوبة الباذنجان ومرق الحمص والأرز وثريد الباقلاء). وقد كان صعباً على «الشيف» الحصول على مادة البطنج Pennyroyal التي ننثرها عادة على وجه طبق ثريد الباقلاء، وهي عبارة عن نوع من الأعشاب الخاصّة بنا التي تشبه النعناع، ولكن بأوراق سميكة ورائحة نفاذة، إلى أن أنجدته بكيس منها! وقد غصّ المطعم بالحضور.
أين يمكن أن يوزّع كتاب عن الطبخ العراقي، ولكن باللغة الإنكليزية؟
لقد جرى توزيع الكتاب بنجاح كبير في بريطانيا وبعض دول أوروبا وأميركا ولبنان والأردن وسوريا ودبي وأندونيسيا. وأتمنّى من كل قلبي أن أوصله إلى العراق. وعموماً، فإن كتابته باللغة الإنكليزية تعني أنه يخاطب غير العرب أوّلاً والعرب الذين يقرؤون الإنكليزية ثانياً، خصوصاً الجيل الجديد الذي صار متآلفاً مع هذه اللغة. وفي نيّتي ترجمة هذا الكتاب إلى العربية قريباً.
ماذا ستختارين لقرّاء «سيدتي» من وصفات؟
سأختار أربعة أطباق بغدادية، هي: سلطة الشوندر، وهي سهلة التحضير وغنية بالمواد الغذائية، الدولمة البغدادية التي تقاسم العراقيين أفراحهم، الكليجة التي تنتمي إلى فئة معجنات العيد وتعدّ علامةً مميّزةً لقدوم هذه الأيام المباركة إذ تفوح رائحتها في جنبات البيت في اليوم الذي يسبق العيد وكعكة التمر اللذيذة.