أبدع المصريون القدماء في تصميم المجوهرات الفاخرة، وقد أظهرت الاكتشافات الأثرية أهمية المجوهرات لدى المصري القديم، كما كانت الأحجار الكريمة جزءًا أساسيًا في تصميم مجوهرات المصريين القدماء، إذ نراها بوضوح تُزين الأساور والخواتم والتيجان الملكية والآثاث الجنائزي في توابيت ومقابر الفراعنة بتصاميم جذابة ومُتقنة للغاية.
وعلى الرغم من أن المصريين تمكنوا من الوصول إلى العديد من الأحجار الكريمة الثمينة، إلا أنهم فضّلوا استخدام الأحجار شبه الكريمة الأكثر ليونة مثل العقيق واليشب واللازورد والملكيت والكوارتز والفيروز.
ولم تقتصر المجوهرات في الحضارة المصرية القديمة على الملوك والملكات والنخبة فقط، فقد ارتدى معظم المصريين نوعًا ما من المجوهرات خلال حياتهم، ودُفن كل مصري تقريبًا مع شكل من أشكال الزينة.
وكان المصريون القدماء يعتقدون أن المجوهرات تتمتع بقوى خارقة تنتقل لمن يرتديها، سواء كانوا أحياء أم أموات.
وكان اللون والمادة هما العناصر التي تحدد أهمية الحجر الكريم أو شبه الكريم، حيث كانا يحميان الأحياء من المرض والخطر، كما نجد المجوهرات المرصوفة بالأحجار الكريمة ملفوفة داخل ضمادات المومياء، لحراسة المتوفى إلى الأبد.
بالنسبة للمصريين القدماء، كان للون كل حجر كريم معنى مختلف، على سبيل المثال، كان المقصود من المجوهرات ذات اللون الأخضر أن ترمز إلى الخصوبة ونجاح المحاصيل الجديدة، بينما كان الشخص المتوفى حديثًا يرتدي قلادة حمراء اللون على حلقه لإشباع جوع الأرواح الشريرة للدماء.
ولم تكن الخواتم التي كان يرتديها الرجال في مصر القديمة مجرد أدوات زينة، بل كانت أداة ضرورية للإدارة، فلم تكن الوثائق الرسمية موقعة بل مختومة بأختام تتم صناعتها داخل الخواتم، وكان ختم الرجل الفقير عبارة عن خاتم نحاسي أو فضي بسيط بينما كان ختم الرجل الغني جوهرة متقنة الصنع، حيث ويتم ترصيع الخاتم بحجر كريم منقوش عليه شعار المالك مثل العقرب أو الأسد أو الصقر.
وفي مصر القديمة، تم استيراد الأحجار الكريمة مثل اللازورد والفيروز، وبالتالي غالبًا ما كانت أقل توفرًا خلال الفترات السياسية غير المستقرة، وفي الوقت نفسه، كانت بعض المواد المتاحة محليًا شائعة فقط خلال فترات معينة.
على سبيل المثال، كان الجمشت الأرجواني هو السائد خلال الأسرة الوسطى (حوالي 2055-1650 قبل الميلاد)، بينما تم استخدام الزجاج في بعض المجوهرات الملكية والنخبوية في الأسرة الثامنة عشرة، مثل قناع وصدرية الملك توت عنخ آمون.
وكانت الأقنعة الذهبية المتقنة والصدريات المطعمة لملوك تانيس من الأسرة الحادية والعشرين والثانية والعشرين (حوالي 1069-945 قبل الميلاد) والمشدات والأساور المعقدة لأميرات المملكة الوسطى من مدافنهم في لاهون ودشور، ذات جودة مختلفة تمامًا عن قلادة بسيطة معلقة، وكانت بعض الأشياء الأبسط مثل خرزات العقيق المفردة ذات الشكل البرميلي شائعة أيضًا في مدافن النخبة.
وفي السطور التالية، سنعود بالزمن إلى 7000 عام قبل الميلاد لنتعرف معًا على المزيد عن تاريخ استخدام الأحجار الكريمة في تصاميم المجوهرات لدى المصريين القدماء، وكيف كانت تُشكل أهمية بالغة في مصر القديمة.
اللازورد
كان لون المجوهرات والأحجار الكريمة مهمًا جدًا بالنسبة للمصريين، حيث كان يُعتقد أن بعض الألوان توفر الحماية من الشر والحظ السعيد، وقد تم تمثيل الملكية باللون الأزرق، وكان هذا صحيحًا بشكل خاص في مصر القديمة، مما جعل اللازورد واحدًا من أغلى الأحجار الكريمة على الإطلاق.
وتم العثور على معظم المواد الخام التي كانت تستخدم لصنع المجوهرات في مصر أو بالقرب منها، ولكن تم استيراد بعض المواد الثمينة مثل اللازورد من أماكن بعيدة مثل أفغانستان.
ونجد أحجار اللازورد تُزين مجوهرات الملوك والملكات في مصر القديمة، مثل الأساور والخواتم والقلادات والأقراط، إضافة إلى التيجان الملكية الفاخرة.
الزمرد
في مصر القديمة، كان يُستخرج الزمرد محليًا بالقرب من البحر الأحمر، وقد احتكرت مصر الزمرد حتى القرن السادس عشر، كما ربط المصريون الزمرد بالخصوبة والخلود والتجديد والربيع الأبدي.
ونظرًا لصعوبة شراء الزمرد أو الأحجار الكريمة أو شبه الكريمة لارتفاع ثمنها، اخترع الحرفيون فن الأحجار الكريمة المزيفة، لتوفيرها لأصحاب الطبقات الاجتماعية المتوسطة، وأصبح الحرفيون القدماء ماهرين جدًا في صناعة نسخ من الأحجار الكريمة ذات الخرز الزجاجي، لدرجة أنه كان من الصعب التمييز بين الزمرد واللؤلؤ وعين النمر الأصليين.
وفي العصر الحالي، تبلغ قيمة الزمرد أكثر بكثير من الألماس الأبيض بسبب ندرته.
الفيروز
الفيروز هو حجر كريم آخر غير شفاف كان يفضله المصريون، وهو يتميز بلون يشبه لون البحر الاستوائي، وكان يستخدم لتمثيل الفرح والخصوبة والنظافة والمتعة، فهو لون الفرح، وكان يعتقد أنه مرتبط بأوزوريس.
وتم الحصول على الفيروز في مصر القديمة من سيناء، ومنذ السنوات الأولى من الدولة الوسطى، بدأ المصريون القدماء في التعدين لاستغلال مناجم الفيروز في سرابيط الخادم بجنوب سيناء.
وتُعد أقدم النقوش التي عثر عليها في سرابيط الخادم تؤكد ذلك، حيث بدأ الملك سنوسرت الأول في إرسال رسل البعثات هناك.
وكان قناع الدفن الذهبي الشهير للملك توت عنخ آمون مرصعًا بالفيروز واللازورد والعقيق، وهي الأحجار الثلاثة الأكثر شهرة ووفرة لدى المصريين القدماء.
العقيق الأحمر (الكارنيليان)
استخدم المصريون القدماء العقيق الأحمر "الكارنيليان" منذ عصر ما قبل الأسرات، وتحديدًا في الأسرة الخامسة حيث استخدمه المصريون في رصف المجوهرات والآثاث التوابيت وتزيين الملابس.
ويعتبر حجر العقيق الأحمر جالبًا للحظ ورمزًا للشجاعة والقوة، ويظهر العقيق في الاكتشافات الأثرية للمصريين القدماء، حيث يوجد من قبر الأميرة نفرو بي تي إتش، من الأسرة الثانية عشر، جنوب مقبرة والدها أمنمحات الثالث، وأيضًا في الأسرة الثامنة عشر وجدنا العقيق في الأثاث الجنائزي المدفون في تابوت توت عنخ آمون.
واستوردت مصر في ذلك الوقت العديد من أحجار العقيق الأحمر من سوقديانا وكريت والهند كما ذكر العقيق في الكتاب من الموتى.
ما رأيكِ بالتعرف أيضًا على تاريخ استخدام اللؤلؤ في صناعة المجوهرات منذ قبل الميلاد
الأحجار الكريمة في خواتم الجعران للمصريين القدماء
اسُتخدمت خنفساء الجعران المصرية كتميمة للحظ السعيد من قبل الأغنياء والفقراء على حد سواء، وتم استخدام تصوير خنفساء الجعران في صناعة أنواع مختلفة من المعلقات والأساور والخواتم والقلائد.
وكان يُعتقد لدى المصريين القدماء أن مجوهرات الجعران تمتلك قوى سحرية قوية، كما كان الجعران رمزًا للولادة الجديدة.
وتم نقش اسم المالك على القاعدة المسطحة للجعران لضمان توفير الحماية لمرتديه، وغالبًا ما كانت قلائد الجعران والأساور والخواتم والقلائد مصنوعة من جواهر ثمينة أو شبه كريمة مثل العقيق واللازورد والفيروز.
ومن الأمثلة الرائعة التي تدل على أهمية خواتم أصابع الجعران، تلك الخواتم التي اكتشفها علماء الآثار والتي كانت مملوكة لسيثثوريونيت، وهي ابنة ملك مصري قديم من الأسرة الثانية عشرة، حيث تم العثور على كنز من المجوهرات في موقع دفنها في قرية اللاهون بمدينة الفيوم المصرية، من بينها خواتم الجعران التي كانت ترتديها في كل حلقة إصبع، حيث رُصفت أجنحة الجعران بشرائط من الفيروز واللازورد والأحجار الكريمة الأخرى، وصُمم فوق رأسه من العقيق، وجسمه بالكامل وأرجله من اللازورد.
وكان الأساور تُنتج بأشكال مختلفة، حيث كانت بعض الأساور عبارة عن خلخال وقلادات عبارة عن حلقات ذهبية عادية، بينما كانت أساور المعصم مصنوعة من خرز صغير من الذهب واللازورد والعقيق والفلسبار الأخضر معلقة بسلك ذهبي.
الأحجار الكريمة في الأوسمة العسكرية للمصريين القدماء
كان الملوك يمنحون التكريم والأوسمة العسكرية مرصوفة بالأحجار الكريمة، واستنادًا إلى الأمثلة التي تم التنقيب عنها من النوبة بجنوب مصر، كان جنود الدولة الوسطى كانوا يرتدون أصداف المحار المثقوبة والمصقولة المنقوشة بخرطوش الملك سنوسرت الأول.
وفي الأسرة الثامنة عشرة، تم منح قلادات "الذبابة الذهبية" على شكل ذبابة أو "وسام الذبابة الذهبية" كمكافآت عسكرية، كما تم العثور على ثلاث ذبابات ذهبية كبيرة الحجم في مجموعة دفن الملكة آاح حتب، والدة الملك أحمس من الأسرة السابعة عشرة وجدة الملك أمنحتب الأول مؤسس الأسرة الثامنة عشرة، وهي الملكة التي تم الإشادة بها في لوحة الكرنك للعام الثامن عشر لأحمس باعتبارها محاربة عظيمة قاتلت ضد الهكسوس المتمردين، كما أن ذبابها الذهبي دليل آخر على براعتها العسكرية.
وفي نقش بارز في معبد الكرنك، قام الملك تحتمس الثالث بسرد وتصوير العديد من الهدايا الغنية، بما في ذلك المجوهرات، التي جمعها من حملاته الخارجية، وتنعكس الحملة والثروة العامة من عهد تحتمس أيضًا في الدفن الغني للمجوهرات المصوفة بالأحجار الكريمة الفاخرة لثلاث من ملكاته.
وبعد هذا العرض التفصيلي لأهمية المجوهرات والأحجار الكريمة للمصريين القدماء، يُمكننا أن نلاحظ أن المجوهرات لم تكن مجرد زينة عند المصري القديم، بل كانت جزء لا يتجزأ من تكوين شخصيته ثقافته وحضارته، سواء في الحياة أو بعد الموت.
ربما يهمكِ أيضًا قراءة المزيد عن تاريخ استخدام الفضة في صناعة المجوهرات منذ 5000 عام قبل الميلاد
