يبدأ شهر رمضان الفضيل بنفحاته الإيمانية المباركة، فلهذا الشهر المبارك فرحة لا تعادلها فرحة عند المسلمين، فالعشق للشهر الفضيل يكشف عن حقيقة الروح الإيمانية، حيث الفرحة والبهجة والانتصار للحياة بروح المؤمن والمتطلع دوماً لرحمة الله، ويتزامن يوم الأم هذا العام 2024 مع حلول شهر رمضان المبارك؛ لتصبح السعادة والفرحة مضاعفة بين ذراعي أحبّ الأحباب إلى قلوبنا جميعاً، بالسياق التالي؛ تعرفك "سيدتي" كيف كرّم الإسلام المرأة عبر نخبة من نساء المسلمين؟
وصاية من الله
تقول استشاري العلاقات الأسرية والإنسانية آمال إسماعيل لـ"سيدتي": "الأم هي الأمان، وهي الحب بكل معانيه، وهي نبع الحنان، ولولا الأم ما كان الأبناء؛ فهي من تمنحهم الحياة بكل ما لديها من طاقة، تأخذ من راحتها وسعادتها لتعطيهم السعادة والراحة والحب، فالأم هي مصدر الحنان والرعاية والعطاء بلا حدود، قال تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)، وبالرغم من أن تربية الأطفال مسؤولية مشتركة بين الأم والأب، فإن الأم تنال النصيب الأكبر من هذه المسؤولية، والتي تبدأ قبل ميلاد الطفل، بل تتجاوز ذلك إلى ما قبل الزواج، فالحالة الصحية والنفسية للأم، والتي تتشكل قبل الزواج، لها أثرها على تربية الطفل، لذلك أوصى الله تعالى الأبناء بالإحسان إلى الأم، وقدم الإحسان إليها على الإحسان على الأب؛ اعترافاً بجميلها وتقديراً لعنائها".
تكريم خاص للأمهات في الدين الإسلامي
حصلت الأم على تكريم خاص في الدين الإسلامي، فجعل لها مراتب عالية ومرتفعة عن غيرها من البشر، وللأهمية الكبيرة للأم؛ جعل الله سبحانه وتعالى رضاها وطاعتها مقترنة بطاعة ورضا الله، وقد رفع الإسلام من قيمة الأم، سواء كان ذلك من خلال آيات القرآن الكريم، أوالأحاديث النبوية الشريفة التي تحدثت عن الأم وفضلها، حيث إن الأم تعتبر الأساس في حياة الإنسان، ولا يوجد شخص له قيمة بدون الأم، فهي من قامت بالتربية والرعاية، فتتمنى للأبناء أفضل مما تتمناه لنفسها، وتغدق عليهم بالحب والحنان؛ لتكون لهم عوناً على اجتياز الصعاب، فلا تبخل عليهم بعطاء ولا برعاية، وقد صدق الرسول، صلى الله عليه وسلم، عندما قال: "الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الأمَّهَات"، ونحن في ظل شهر رمضان المعظم؛ نجد العديد من النساء الخالدات اللواتي يعتز بهنّ الإسلام.
ونحو المزيد عن أمهات المؤمنين، يمكنك الولوج للرابط: السيدة أم سلمة رضي الله عنها صاحبة الحكمة والمشورة
نخبة من النساء الخالدات اللواتي يعتز بهنّ الإسلام
الخنساء
لقد ضربت لنا الأمهات الخالدات أروع الأمثلة في التربية والتعليم؛ أمهات يحملن قلوباً أقوى من قلوب الرجال، فقد سجلت الخنساء اسمها بحروف من نور في قائمة الأمهات الصابرات المحتسبات، فلقد حثت أبناءها الأربعة على القتال؛ دفاعاً عن الدين والوطن، وكانت توصيهم بالإقدام والثبات في كلمات بليغة رائعة، وما إن انتهت المعركة؛ حتى نعوا إليها جميعاً؛ حيث ابتليت برحيل أولادها الأربعة (عمرة، عمرو، معاوية، يزيد) في معركة القادسية، وكانت مثالاً للأم الصابرة الثابتة قوية الإيمان، فما أعولت ولا صاحت، بل قالت في رضا ويقين: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيله"، فكانت نعم الأم المؤمنة الصابرة، ورددت كلمات تعبر عن عمق إيمانها.
أم سفيان الثوري (أمير المؤمنين في الحديث)
وأمير المؤمنين في الحديث هي درجة لا ينالها إلا من فاق في الحفظ والإتقان في علم الحديث، وقد حصل على اللقب عددٌ محدود من علماء الحديث، منهم: سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم بن الحجاج، وهذه الأم العظيمة لما مات الأب لسفيان الثوري، انقطع عن طلب العلم، فترك حلقة شيخه في رواية الحديث النبوي الشريف، وكان سفيان الثوري من عائلة فقيرة زاهدة، فقالت له أمه: لِمَ فعلت ذلك؟! قال: أريد أن أعمل وأنفق على البيت!! فقالت له أمه: عُد إلى طلب العلم والزم حلقة شيخك وأنا أكفيك بمغزلي!! فكانت الأم تغزل الصوف وتبيعه في السوق وتنفق على ولدها سفيان؛ حتى صار أمير المؤمنين في الحديث!! رضي الله عن أم سفيان الثوري ورحمها، فقد كانت سبباً في تقديم هذه النابغة للأمة الإسلامية، وقد صارت هذه الأم قدوةً ومثلاً للرجال قبل النساء في الاهتمام بعلم الأبناء، وبالتضحية من أجل التفوُّق فيه.
أم الإمام البخاري
ولد الإمام البخاري رحمه الله (194هـ) ببلدة بخارى، فقد مات أبوه وهو صغير، فكفلته أمه وأحسنت تربيته، وذهبت عيناه في صغره، فرأت والدته سيدنا الخليل إبراهيم عليه السلام في المنام، فقال لها: "يا هذه! قد ردّ الله على ابنك بصره بكثرة دعائك"، فأصبح وقد ردّ الله عليه بصره، فتبدل حزنها سروراً، وكانت أمه كثيرة الدعاء له والبكاء عليه، وربّته أمه أحسن تربية، كانت تذهب به للمسجد، وكانت ترسله للعلماء وحلقات العلم، فأصبح الحافظ الفذ إمام الحديث، وصاحب أشهر وأوثق كتب السنة الصِحاح؛ ألا وهو: كتاب "الجامع الصحيح" المعروف باسم "صحيح البخاري"، والذي أجمع علماء أهل السنة والجماعة أنه أصح الكتب بعد القرآن الكريم، والذي أمضى في جمعه وتصنيفه 16 عاماً، وكانت وراء هذا الإمام الجليل أمّ ذات تأثير قوي وفعال، جعلت منه رجلاً عظيماً، تبوأ منزلة ومكانة عالية، فهي التي وضعت اللبنة الأولى في تأسيس هذا الإمام، الذي كان بحق إمام أهل الحديث.
أم الإمام أحمد بن حنبل (صفية بنت عبد الملك الشيبانية)
ولد الإمام أحمد في آخر القرن الثاني في بغداد، وعاش في بيتٍ فقير، مات أبوه وهو طفل، فتكفلت أمه بتربيته، قال أحمد، رحمه الله: "فحفظتني أمي القرآن وعمري عشر سنوات"، فحفظ كتاب الله واستوعاه في صدره، ورعته والدته حق الرعاية، وقال رحمه الله: "كانت أمي تلبسني اللباس، وتوقظني، وتحمل لي الماء قبل صلاة الفجر وأنا ابن عشر سنوات، كانت تتخمر وتتغطى بحجابها وتذهب معي إلى المسجد، لأنه بعيد"، فانظروا رحمكم الله إلى المرأة الصالحة، وقال: "فلما بلغت السادسة عشرة من عمري، قالت لي أمي: اذهب في طلب الحديث، فإن السفر في طلب الحديث هجرة إلى الله الواحد الأحد، قال: فأعطتني متاع السفر عشرة أرغفة شعير، ووضعت معها صرة ملح، وقالت: يا بني! إن الله إذا استُودع شيئاً لا يضيعه أبداً، فأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه"، فأصبح العالم المحدث الفقيه الشجاع في الحق وإماماً من أئمة السنة.
أم الإمام مالك (العالية بنت شريك بن عبد الرحمن الأسدية)
دفعت ابنها لحفظ القرآن الكريم فحفظه، وأرسلته إلى مجالس العلماء، فألبسته أحسن الثياب، وعممته، ثم قالت له: "اذهب فاكتب الآن"، ولم تكتفِ أمه بالعناية بمظهره، بل كانت تختار له ما يأخذه عن العلماء، فقد كانت تقول له: "اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه"، فأصبح الإمام مالك جبلاً من جبال العلم، وعالم المدينة النبوية ومفتيها، وأحد أكابر علماء الأمة الإسلامية.
فهؤلاء الأمهات كان لهنّ دور فعال في بناء رجال وشخصيات عظيمة حفرت أسماءها عبر العصور، وكنّ سنداً وعوناً ومحفزاً لأبنائهن، وتركن علامات فارقة في عدة مجالات مختلفة.
بالسياق التالي تعرفي إلى: أمهات المؤمنين والقدوة الحسنة في يوم الأم 2024