لم يكن النجاح أبداً وليد الحظ أو اللحظة العابرة، بل محفوف بسياقات الرفض والنقد والحزن، ومغلف بلفائف الفشل والرفض وخيبة الأمل، وموصوم بالإصرار والجد والدأب والتعب، فعلى مدار التاريخ لم نجد ناجحاً بالفطرة، ولا عبقرياً بالوراثة، ولا مؤثِراً يرفل في سرابيل السعادة ورغد العيش، الكل عانى قسوة الحياة وكابد شظفها وويلاتها حتى يصل لقمة المجد، وهذا حال الجميع تقريباً بمختلف سياقات الحياة، على أن هذا الأمر واضح جلي في مجتمع الفن والفنانين، فالصورة النمطية للفنانين الفقراء الذين يكافحون من أجل البقاء هي حقيقة واقعة على مدار التاريخ. ويشتهر رسامو الفنون الجميلة على وجه الخصوص بعيشهم حياة فقيرة وبائسة، وعلى الرغم من أن القليل منهم اكتسبوا في النهاية تقديراً خلال حياتهم لمساهماتهم الفنية، إلا أن معظمهم لم يحظوا بالتقدير الكافي ولن يعرفوا أبداً الإرث الفني الذي سيتركونه وراءهم لأنه لم يأت إلا بعد رحيلهم. ربما يجعل هذا إنجازاتهم أكثر إثارة للاهتمام، فلا يزال فنهم ونضالهم وحياتهم تطارد شغفنا وتثير فضولنا لنتعلم منه ونأخذ منه الدروس والعبر في الأمل والصبر والنظر للمستقبل بمزيد من التفاؤل والرضا. بالسياق التالي "سيدتي" تعرض (من موقع 1st.art..gallery.com) قصص عدد من أشهر الفنانين بالعالم تحولوا من الفشل لنجاح مذهل جاب أقطار الأرض ومازال أثرهم باقياً بطول الزمن.
كلود مونيه
على الرغم من أستاذيته وما يحظى به من تقدير في مختلف الأكاديميات الفنية بالعالم لم يحظ كلود مونيه (14 نوفمبر 1840- 5 ديسمبر 1926 ) بصفته مؤسس الانطباعية الفرنسية بما يستحقه من تقدير واهتمام خلال حياته، تعاملت لوحات مونيه عادةً مع مشاهد المناظر الطبيعية في لحظة. فعمله الرائد "الانطباع، شروق الشمس" على الرغم من أنه يُدرس ويُقدر الآن في كليات الفنون في جميع أنحاء العالم، إلا أنه لم يجد ذات التقدير بحياة مونيه، فقد سخر منه النقاد على نطاق واسع عندما تم الكشف عنه لأول مرة، وقد تلقى مونيه الإساءة من الجمهور والنقاد على حدّ سواء الذين وجدوا أن اللوحات كانت بلا شكل وغير مكتملة وقبيحة، وحتى الاسم الذي أطلق على هذا الأسلوب الجديد (الانطباعية) الذي ابتكره مونيه كان مقصوداً به الازدراء، وقد عانى مونيه كثيراً هو وعائلته من الفقر المدقع. ومع ذلك، بحلول ثمانينيات القرن التاسع عشر، بدأت لوحاته تُباع وينال شهرة كبيرة كرائد ومؤثر لأحد أهم مدارس الفن بالعصر الحديث.
قد ترغبين في التعرف إلى: سر عبقرية بيتهوفن الخالدة
ليوناردو دافنشي
ورغم أن ليوناردو دافنشي كان معروفاً بمواهبه الفنية الهائلة ـ بين العديد من المواهب المتنوعة الأخرى ـ في وقت مبكر للغاية من حياته، إلا أنه كان يعاني من بعض الاضطراب بسبب نهجه الطموح المفرط. فقد منعه طموحه من تسليم العديد من الأعمال التي كلف بها في الموعد المحدد، والذي لم يجعله يحصل على التقدير اللائق بعبقريته الفنية إلا في سن السادسة والأربعين من خلال أحد أشهر أعماله، "العشاء الأخير".
قد ترغبين في التعرف إلى المزيد عن: أشهر لوحات دافنشي
فينسنت فان غوخ
من الصعب عدم التفكير في المأساة عندما نفكر في حياة فنسنت فان جوخ (30 مارس 1853 - 29 يوليو 1890) أحد أهم رواد المدرستين الانطباعية والوحشية، وأحد أشهر وأهم التشكيليين بالعالم والتي تتضمن لوحاته بعضاً من أكثر القطع شهرة وشعبية وأغلاها سعراً في العالم. وحياة فان غوخ تمثل الخط الفاصل ما بين الجنون والعبقرية، والذي عبره فان غوخ في وقت مبكر جداً من حياته المهنية، فقد توفي ولم يبلغ 37 عاماً، وفي آخر خمس سنوات من عمره رسم ما يفوق 800 لوحة زيتية ولم يتضمن إنتاجه الهائل سوى لوحة واحدة اعتبرها عشاق الفن جديرة بالشراء، إلا أننا لا يمكننا أن ننكر أنه لولا الوقت الذي قضاه في مصحات المجانين وتشويه أذنيه، لما كان للعالم أبداً أن يشاهد لوحاته المذهلة "الليلة المرصعة بالنجوم" و"آكلو البطاطس". المدهش أنه على الرغم من إبداعاته الفنية التي لا تعد ولا تحصى بعد الانطباعية، لم يبع فان غوخ سوى لوحة واحدة في حياته.
لم يحظ فان غوخ بالتقدير الفني الذي يستحقه إلا بعد وفاته، وخاصة بسبب حقيقة أن العديد من فناني التعبيرية في أوائل القرن العشرين أدرجوا عناصر من أسلوبه الفريد في الرسم في أعمالهم الخاصة. أصبح أسلوب فان غوخ الآن من بين أكثر الأساليب شهرة، وهو يحظى بالثناء العالمي لعبقريته الفنية على الرغم من عدم التقدير الذي تلقاه لعمله خلال حياته
وإذا تابعت السياق التالي ستتعرفين إلى: 4 أشياء قد لا تعرفها عن الفنان العبقري المجنون فنسنت فان جوخ في ذكرى وفاته
بول سيزان
يعتبره الكثيرون أباً للفن الحديث، وعلى الرغم من ذلك، لم يحظ سيزان بمساهماته الكبيرة والمدهشة في التكعيبية (شأنه شأن العديد من التشكيليين) بالتقدير المناسب والشهرة التي يستحقها، فقد رفض صالون باريس أعمال سيزان كل عام، من عام 1864 إلى عام 1869. ولم يحقق سوى عدد قليل من النجاحات في تلك الفترة، إلا أنه لم ييأس وظل على الدرب يتسلح بريشته وألوانه، بالإضافة إلى ذلك، اتسمت حياة سيزان الشخصية بالتوترات التي زادت من إخفاقاته حتى أنه بعد عام واحد فقط من وفاته، تم إدخاله إلى صالون الخريف الشهير وحصل على التقدير الذي يستحقه بجدارة.
يوهانس فيرمير
بينما رسم فيرمير "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي"، إلا أنه بالتأكيد لم يكن يعلم الضجة التي ستحدثها عند عرضها خلال حياته، خاصة وأنها تعبرعن الطبقة المتوسطة، وهو ما لم يكن مقدراً بذلك الوقت، حيث كان الفن مقصوراً على النخبة أو الأثرياء، وبدلاً من أن يتجه يوهانس فيرمير لهذا النوع من الفن النخبوي والمريح مادياً ابتكر فناً وجهه إلى الطبقة المتوسطة الإقليمية من عامة الشعب ووصل لمرحلة أنه اقترض في عام 1675، المال في أمستردام، مستخدماً حماته كضامن. بعد فترة وجيزة، توفي فرمير تاركاً زوجته بعد رحيله غارقة فى الديون، ويعود ذلك لقلة أعماله الفنية، فعلى الرغم من أنه كان يرسم ببطء إلا أنه كان يهتم بما يرسمه بشدة ودقة عالية، وهو ما أكسبه تميزه وفرادته.
قد ترغبين في التعرف إلى مدرسة فنية أخرى عبر معرض يكرّم السريالية في الذكرى المئوية لنشأتها.. رحلة إلى قلب الخيال الجامح لتجربة فنية لا تفوّت
بول غوغان
كان بول غوغان، مهتماً بالرسم منذ طفولته وقد بدأ بالرسم في أوقات الفراغ وبدأ بزيارة المعارض باستمرار، وقد فاجأ غوغان عائلته في سن الخامسة والثلاثين من عمره بترك عمله والتفرغ للرسم، إلا أنه في خلال عام واحد أصبح مفلساً تماماً فباع منزل الأسرة، مما اضطر زوجته للعودة إلى الدانمارك فلم تكن تجد ما يكفي لإطعام عائلتها، وكانت زوجته ترى مغامرته غير مبررة وأنانية منه فانفصل عن زوجته وعاد وحيداً إلى باريس، وقد أصبح الفقر واقع غوغان. ثم ماتت ابنته المفضلة ألين بالالتهاب الرئوي وتوفي ابنه كلوفيس بسبب عدوى في الدم. كانت مغامرات غوغان أكثر غرابة من أقرانه مما أدى به في النهاية أن ينقل حياته إلى بولينيزيا الفرنسية. هناك، أنتج روائع مثل "روح الموتى يراقبون"، والتي ألهمت إلى حدّ كبير الحركة البدائية - وهي حركة فنية مهمة في القرن التاسع عشر. بعد سنوات عديدة من الفقر والمرض، توفي غوغان بسبب قصور في القلب وحيداً، وغير مدرك للبصمة التي سيتركها فنه لاحقاً في القرن العشرين.
ونحو المزيد من الفنانين تابعي الرابط: 7 فنانين يعرفونك إلى المدرسة الانطباعية وأهم فنانيها