لم يعد مستغرباً أن نرى تقرّب الأب أو الأم من أطفالهما بشكل أكبر عندما تتأزّم العلاقة الزوجية بينهما، فقد أصبح الأمر واضحاً أكثر عندما ينفصل الزوجان، يصاحبه سلوك من خضوع الوالدين لمطالب صغارهما، بشكل يقدّم تدليلهم المفرط على حساب مصالحهم التربوية والسلوكية. وإذ يطلق على هذا النوع من الخلل السلوكي المعرفي لدى الآباء (الأب والأم) في الغرب اسم «اضطراب آباء ديزني لاند» Disneyland parent syndrome في إشارة إلى أنّ الأب أو الأم يستغلان حصّة حضانتهما الأسبوعية مثلاً في إلهاء الأطفال باللعب والذهاب إلى الملاهي والأسواق ونحوها بشكل دائم وبطريقة مفرطة وضارّة في بنائهم التربوي، يوضح استشاري العلاج النفسي والاضطرابات النفسية والسلوكية الدكتور محمد مرعي جبران الأسباب المسؤولة عن هذا الاضطراب، وكيفية علاجه:
تعود الأسباب المسؤولة عن ظهور هذا الاضطراب لدى الآباء بعد الطلاق، إلى جملة من العوامل النفسية والمعرفية، أبرزها:
1 الشعور بالذنب: قد يشعر الأب أو الأم أنه قد «أجرم» في حق أطفاله إذ يدرك أنه السبب بعد الله في قدومهم إلى الوجود، كما أنه مسؤول عن معاناتهم وحرمانهم من البيت والأسرة المتحدة. من هنا، ينطلق «اضطراب آباء ديزني لاند» بتعويض الأطفال وإغراقهم بالهدايا والإفراط في تنظيم النزهات لهم والامتناع عن رفض طلباتهم، وتقديم فرص اللهو واللعب على فرص التوجيه والتربية.
2 شراء حب الأطفال: نظراً إلى أن الأطفال بعد الطلاق هم أعضاء لتلك الأسرة المفكّكة، فإنّ الأب أو الأم قد يناور لكسب هؤلاء الأعضاء ليصطفّوا إلى جوار أحدهما ضد الآخر. هذه الطريقة السلوكية الوالدية المضطربة بكل مواصفاتها تعتمد على ألا يقال «لا» للأطفال، مع تجاهل كل أخطائهم السلوكية والتربوية.
ما يحدث في الحياة الواقعية
لنا هنا أن نتصوّر الحال في المثال الافتراضي التالي والمتكرّر كثيراً في العيادات النفسية والسلوكية الاستشارية: يقيم الأطفال عند الأم في خلال أيام الدراسة، فتقوم بوظيفة متابعة تحصيلهم العلمي طوال أيام الأسبوع المدرسي، وندرك ما في هذه الوظيفة من مجهود رقابي تربوي سلوكي وما فيها من أوامر وتعليمات وانضباط، حتى في وقت النوم... ثم، تأتي نهاية الأسبوع بذهاب الأطفال إلى والدهم الذي ينقل مناخ الأطفال من الانضباط إلى الفوضى واللهو واللعب كي يعوّض عن شعوره بالذنب، أو لاستمالة مشاعرهم إلى جانبه على حساب طليقته. وبالتأكيد، فإنّ هذا المثال قد يكون بالعكس بين الأب والأم. وعلى العموم ومن خلال الخبرة العيادية، فإنّ الذي قد يصاب وبشكل أكبر بهذا الاضطراب السلوكي المعرفي هو الشخص غير الحاضن للأطفال بشكل دائم.
نتائج وحلول
وتتمثّل الضحيّة على الدوام في الأطفال. ولعلّ ما يدعو إلى الدهشة يكمن في أنّ الطلاق وفشل العلاقة الزوجية في ذاته ليس السبب في كون الأطفال يعانون بقسوة، بل السلوك الشخصي النفسي للآباء مع أبنائهم بعد الانفصال والطلاق. ولذا، تعتمد عيادات الاستشارات النفسية على تقويم ومعالجة السلوك الوالدي بعد الطلاق، وبطريقة تخدم الأطفال!
وفي ما يلي بعض التوصيات العامة التي تستظلّ بقول الله تعالى {ولا تنسوا الفضل بينكم}:
أ ـ التواصل مع الأطفال: يجدر بالوالدين التواصل الدائم مع أطفالهم هاتفياً، أو من خلال وسائط التواصل الأخرى والتي تجعلهم على اطّلاع بأحوالهم، وتُشعر الأطفال بالمتابعة الدائمة والمسؤولية في خلال الأسبوع.
ب ـ التواصل الوالدي: من الهام فتح قناة تواصل بين الأب والأم على الدوام، فعلى الرغم من انتهاء مهام ووظائف الحياة الزوجية، إلا أن وظائف ومهام تربية الأطفال لن تنتهي.
ج ـ المتابعة المدرسية: زيارة الأطفال في الروضات أو المدارس للاطّلاع على تحصيلهم وإشعارهم بالمتابعة.
د ـ امتناع كل طرف من الآباء عن انتهاز الفرص والعبث بالمشاعر على حساب المصالح، مع الحرص على عدم ذمّ الطرف الآخر أو الانتقاص منه في حضرة الأبناء.
هـ ـ المشاركة: الأب أو الأم مشاركان في اتّخاذ قرارات الأطفال، أي أن الاستئثار بالقرارات مدعاة إلى فشل في رعاية الأطفال واستقرارهم النفسي.
و ـ التواجد: لعلّ أعظم الهدايا التي يقدّمها الأب أو الأم هي الحضور والقرب والتواجد وليس الهدايا الغالية.
وإذ ليس مستغرباً أو مرفوضاً تماماً أن يقوم الأب أو الأم بتدليل أطفالهما بعد فترة غياب، لكن يجب أن تضبط هذه العملية بقواعد تحدّد مستوى السلوك المتسامح لهم. وسيشعر الأولاد بالثقة والاستقرار مع الوقت، إذا ما وجدوا والديهما يقدّمان لهم التعليمات والضبط كآباء، فهم يريدونكم كآباء وليس كأصدقاء!