التبرع بالأعضاء.. هل هو جائز أم حرام شرعاً؟

اختلف الفقهاء  والعلماء في مختلف أنحاء العالم حول شرعية التبرع بالأعضاء، فمنهم من حلله ومنهم من حرمه، فالذين حرموه فعلوا ذلك باعتبار أن فيه تلاعباً بأعضاء الميت وامتهاناً له، واستندوا إلى وجوب احترام المسلم حياً وميتاً، وعدم التعرض له بما يؤذيه أو يشوه خلقته، كما جاء في الحديث “كسر عظم الميت ككسره حياً” واستدلوا بذلك على عدم جواز التمثيل به لمصلحة الأحياء، كأخذ عينه أو كليته أو أي عضو فيه، أما المؤيدون فيرون أن في ذلك مصلحة للأحياء، ليثار الجدل بين الناس بين مؤيد ومعارض، وهل هو حلال أم حرام شرعاً؟

 

كذا هو الحال في السعودية، فهناك المؤيدون بجواز التبرع بالأعضاء، وهنالك الرافضون، وهناك من يؤيد وفي نفس الوقت أهله يرفضون وصيته وقد لا يعملون بها، ليبقى الاختلاف قائماً ويبقى المريض ينتظر من ينقذ حياته حتى ولو كلفه ذلك كل ما يملك. لكن ورغم ذلك نجد أنَّ التبرع بالأعضاء انتشر بين المجتمع السعودي في الفترة الأخيرة بشكل لافت، لكنه ليس بالعدد الكبير، فمثلاً هنالك، في السعودية، 16 ألف مريض بـ”الكلى”، ما زالوا على قائمة الانتظار ينتظرون من يفرج عنهم كربتهم، ورغم ازدياد الوعي العام في الفترة الأخيرة، إلا أن هناك بعض المعوقات قد يكون أهمها نظرة أهل المتبرع لمسألة التبرع، وذلك ربما عائد لاختلاف الفقهاء بالسعودية، وكذلك نظرة المجتمع للتعامل مع العمل التطوعي والتكافل الاجتماعي عامة، إضافة لجهل معظم الناس للحاجة الماسة للتبرع بالأعضاء من باب الصدقة الجارية وعمل الخير.

 

دور الجمعيات

 إن حاجة المملكة في التبرع بالأعضاء هي ما عجَّل بإنشاء جمعية التبرع بالأعضاء، وذلك بعد توقيع المملكة على اتفاقية عدم المتاجرة بالأعضاء “اتفاقية إسطنبول”، وتنشط الجمعيات الخيرية في السعودية لحث الناس على التبرع بالأعضاء، إثر موتهم، وتقبل هذا المفهوم من خلال التوعية الإعلامية وورش العمل لإتاحة الفرصة للمتبرع لاختيار الظروف المناسبة للتبرع ومساعدة المرضى على التفاعل مع الحدث، علماً بأنَّ الجمعية لا تعالج، بل تشجع على التبرع بالأعضاء، ونشر هذا المفهوم كثقافة مجتمعية، وليس مجرد كلية أو كبد يتبرع بها، ليكون دور الجمعية في تقديم المشورة الاجتماعية للمتبرع والمريض وأهاليهما حول تأثير المشاكل الاجتماعية والعاطفية على أداء المريض.

 

كل متبرع يفيد ستة أشخاص

مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء، الدكتور فيصل شاهين، أوضح أن نقص الأعضاء البشرية موجود في جميع دول العالم، لكن نجد، خاصة في الدول المتقدمة، أنَّ هنالك إقبالاً كبيراً للمتبرعين، الذين تقابلهم أعداد هائلة للمتضررين والمحتاجين. أما في السعودية فقد بدأنا، وكان ذلك عام 1986، بست حالات كانت موافقة ومقتنعة بالتبرع بأعضائها، والآن، ولله الحمد، وصل عدد الموافقين بين 110 – 130 متبرعاً، وكل واحد منهم يفيد أو يستفيد منه ستة مرضى، ما بين مريض القلب ومريض البنكرياس ومريض الكلى وغير ذلك، وفي بعض الدول الإسلامية هناك فتوى صريحة تبيح التبرع بالأعضاء صدرت عام 1982 من كبار العلماء، وهناك أسماء لشخصيات كبيرة ومعروفة قدمت ورقة تبرعها بأعضائها عن قناعة ولا تزال هناك أسماء تنوي التبرع ولهم الأجر بإذن الله.

 

التبرع رغبة شخصية

أما الأستاذ عبد الله العلمي، عضو مجلس الجمعية السعودية للتبرع بالأعضاء بالمنطقة الشرقية، فرأى ضرورة تنشيط التبرع بالأعضاء وقال “نقوم بتقييم شامل لظروف المتبرع والمتبرع له اجتماعياً، وكذلك أهل المتبرع والمتبرع لهم، وتنسيق لقاء يجمع بين أهل المريض والمتبرع للتوصل حول خطة الرعاية الاجتماعية حسب كل حالة، مع وضع خطة للرعاية الاجتماعية، خاصة التدخلات الاجتماعية على المستوى الفردي والعائلي، وهي خطوة مهمة في عملية التثقيف المعنوي للمريض وعائلته ومقدمي الرعاية، لكن تبقى مسألة التبرع بالأعضاء رغبة شخصية، وأتمنى أن ننجح في الجمعية بنشرها في المجتمع لتكون ضمن أهدافنا لمساعدة الآخرين، إذا ما علمنا أنَّ التبرع هو رد جميل للمجتمع في ما يقدمه المجتمع للفرد، والإحساس بالمسؤولية والواجب العام تجاه الوطن”.

 

تصحيح المفاهيم الخاطئة

استشارية زراعة الأعضاء بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، الدكتورة حنان الغامدي، قالت “إنها على تواصل مستمر مع أصحاب الفشل العضوي وما يتكبدونه من مشاق وما تعانيه أسرهم، والأكثر إيلاماً هو عدم تمكن الكادر الطبي من إنقاذ حياتهم ما لم يتوفر متبرع بالأعضاء، لذلك وجدت مع أشخاص آخرين لديهم حسِّ إنساني واعٍ، وجوب توعية المجتمع ورفع عدد المتبرعين، وذلك من خلال التوعية وتصحيح مفاهيم المجتمع، وأتمنى أن يكون هناك استنفار للعمل التطوعي لتنشيط مفهوم التبرع بالأعضاء مع أهمية تصحيح المفاهيم الخاطئة، وذلك بوجود وعي مسبق لأهمية التبرع عن طريق وزارة الإعلام وإيجادها في المناهج الدراسية، وتذكير الناس بأنَّ ما يقدمه المتبرع عمل خيري”.

 

“كسر عظم الميت ككسره حياً”

لكن الأستاذ المشارك في قسم الفقه بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة الشيخ أحمد العمري، قال “الإنسان ليس حراً في أعضائه، وهي ليست سلعة تباع وتشترى، وأنا مع المشايخ والقضاة الذين أقروا عدم التبرع بالأعضاء شرعاً، فالرسول، صلى الله عليه وسلم، قال (كسر عظم الميت ككسره حياً) صدق الرسول الكريم، ففي ذلك انتهاك لحرمة الميت. ولا يجوز أن يؤذى الميت، ولا يجوز الاعتداء عليه، وقد أجمع أهل العلم أنَّ حرمته باقية، بعد موته، خاصة أن الميت، لا يستطيع أن يدافع عن نفسه؛ فتعظم حرمته”.

 

المتبرع بالعضو مأجور

 في حين أكد عضو المحكمين في السعودية واستشاري قسم المواريث الشرعية، الدكتور أحمد المعبي، أنَّ كبار العلماء أجازوا التبرع بالأعضاء، لكن بأخذ موافقة الشخص أو المتبرع قبل وفاته، بشرط أن يكون ذلك بعيداً عن التجارة والبيع، لما نسمع عنه في الآونة الأخيرة عن مثل هذه الأشياء، ولا أعتقد أنَّ هذا يتنافى مع حرمة الميت إطلاقاً، وصاحب العضو المتبرع مأجور، وإذا كان هناك من يتكلم عن حرمة الميت فما يحصل في الكليات الطبية من تشريح الأعضاء والدراسة عليها فهو من باب الفائدة وهي جائزة بطبيعة الحال ولم يسبق أن سمعت من حرمها.