الحبيب الجفري لـ"سيدتي": الأم المربية هي البداية الحقيقية لمناهضة التطرف

 

عقدت مؤخرا ندوة علمية بعنوان «15 قرنًا من المحبة والمودة»، نظمتها جامعة زايد والهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، ومؤسسة طابة للدراسات الإسلامية في جامعة زايد بأبوظبي، وافتتحها الشيخ نهيان بن مبارك وزير التعليم العالي والبحث العلمي، رئيس جامعة زايد، استعرضت دور المسيحيين وإسهاماتهم في الحضارة العربية الإسلامية ضمن النسيج الواحد للمجتمع العربي، وقد شارك فيها عدد من المختصين والأكاديميين، بحضور شخصيات عامة وأعضاء من السلك الدبلوماسي، وتحدّث فيها كل من الراهب القمص إسحاق الأنبا بيشوي، راعي كاتدرائية الأنبا أنطونيوس للأقباط الأرثوذكس بأبوظبي، والداعية الإسلامي الحبيب علي زين العابدين الجفري، المؤسس والمدير العام لمؤسسة طابة للدراسات الإسلامية، وذلك على خلفية التفجير الذي وقع أمام كنيسة القديسَين في الإسكندرية (مصر) ليلة رأس السنة.

على هامش هذه الندوة التقت «سيدتي» الداعية الإسلامي الحبيب الجفري، وكان حوارا من القلب ولا تنقصه الصراحة.

 

 

 

نود أن نسألك بداية: ما وظيفة الدين في الحياة؟

الدين الحق هو أساس السعادة والاستقرار في الحياة، فهو مفتاح حل لغز الحياة، وهو منهج عيش الحياة، وهو المعين على التعامل مع مصاعبها وحل مشاكلها.

عادةً لكي تمتهن مهنة ما فإنك تدرس عدة سنوات وتتخصص، كدراسة الطب والهندسة، لكن في المجال الإسلامي ليست هناك قواعد متعارف عليها، فكل فترة وأخرى يظهر لنا داعية، فما السبب، وما الحل؟

كانت هناك قواعد عريقة راسخة، لكن جرى تجاوزها من قبل بعض الأنظمة، وبعض التنظيمات المناهضة للأنظمة، وبعض وسائل الإعلام، فكانت النتيجة أن الجميع اليوم يجني مغبّة هذا التجاوز.

أما الحل فيكمن في العودة إلى هذه القواعد وتسليم الأمر لأهله تمامًا، فكما أنه من غير المقبول تدخل الحكومات والتنظيمات في النطاق الكنسي؛ كذلك ينبغي أن يكون الأمر بالنسبة إلى الخطاب الإسلامي، ولا ينبغي أن نقبل باقتحام غير المختصين لهذا الحرم، سواء بدعوى أن الإسلام ليس فيه كهنوت أو بدعوى التجديد وحرية الرأي، فالفتوى اختصاص وليست بالرأي، كما أنه ينبغي التفرقة بين الدعوة العامة التي مجالها النصح والترغيب في الخير، وبين الدعوة الخاصة مثل محاورة المخالف أو الفتوى.

ما نظرة الإسلام للآخر المختلف عنه في الدين، وأيضًا للمسلم المختلف عنه في المذهب؟ كيف نعاملهم ونتعامل معهم؟

الإسلام واضح في منهجه القائم على التعايش بالإحسان والبر مع المخالف غير المعتدي، وأهل السنة واضحون في عدم جواز تكفير أحد من أتباع المذاهب الثمانية (السني: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، والزيدي والجعفري والإباضي والظاهري)، وقد مرت قرون من التطبيق العملي لهذه المنهجية، ولم يحصل خرق حقيقي لها إلا من خلال الاستغلال السياسي لهذه الخلافات، أو بعض الاستثناءات المتنطعة التي سرعان ما تقوم المراجع بتقويمها.

أطلقتم مبادرة كلمة «سواء» ووجهتموها للقيادات المسيحية، فلماذا لا توجد مبادرة مماثلة ودعوات جدية للحوار الإسلامي ـ الإسلامي بين المذاهب والفرق والجماعات الإسلامية المختلفة؟

نحاول العمل على ذلك، ولم نجد عقبة أكبر من عرقلة بعض السياسيين (من تنظيمات وأنظمة) لهذا العمل.

الآن ظهر الانتحار حرقًا، فهل هذا جائز؟ وأيضًا هناك أوجه عديدة للانتحار يمارسها البعض كالانتحار الفكري، وهذا بالتأكيد مؤشر لخلل ما، فما العلاج؟

قتل النفس، أي الانتحار، محرم بالإجماع، ومرتكبه معرض لخطر الخلود في النار، وما جرى في تونس لم يكن ضمن خطة لإحداث ثورة كما هو ظاهر، وإنما كان نتيجة لحالة ضغط نفسي لعله أفقد صاحبه صوابه وتمييزه، مما قد يعذر بسببه وترجى لصاحبه المغفرة، وكان لتصرف الحكومة الأهوج بمقابلة المظاهرات بالرصاص أثره في تهييج الناس، لكنّ الآخرين أرادوا تكرار ثورة تونس بتعمد حرق النفس، وإنّ الذي يفعل ذلك آثم يخشى عليه من الخلود في النار.

وفي الوقت نفسه ينبغي أن نشير هنا إلى خطورة استمرار الظلم والفساد والمسخ الثقافي الذي يمكن أن نسميه الانتحار السياسي والانتحار الاقتصادي والانتحار الفكري، وكل ذلك آثام وجرائم أوصلت الجيل الراهن إلى المسارعة نحو ظاهرة حرق النفس، وهو أمر خطير للغاية أن يصل شبابنا وهم الثروة والأمل إلى مستوى من الاحتجاج يغيب فيه العقل والدين! وإثم المتسببين في ذلك دون شك أعظم من إثم الذين يحرقون أنفسهم.

المرأة التي هي نصف المجتمع، هي الأم، الزوجة، الابنة والأخت، كيف يمكن لها أن تساهم في القضاء على التطرف؟

الأم المربية هي البداية الحقيقية لمناهضة التطرف، فحنانها وغرسها لقيم المحبة والرحمة وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي أساس البناء السليم السويّ.

كيف تنظر لنشاط المرأة في المجال السياسي؟ وهل هو مقبول إسلاميًا؟

هو مقبول دون شك إذا جاء على وجهه وبضوابطه الشرعية التي بعضها ثوابت وغيرها متغيرات، بل إنّه قد طُبِّق لأجيال في تاريخنا.

ذكرت خلال الندوة أن الإعلام قد تجاهل إبراز السيدات المسلمات المحجبات وشددت على كلمة «المحجبات»، وطلبت أن نضع تحتها أكثر من خط عندما شكلن دروعًا بشرية لحماية الكنائس في مصر يوم عيد المسيحيين، وهنا يحضرني سؤال بخصوص المرأة المسلمة غير المحجبة: كيف ينظر إليها الحبيب الجفري؟

إن التركيز على المحجبات هنا متعلق بسياق الموقف، حيثُ تسعى وسائل الإعلام إلى تصوير المحجبة على أنها متشددة ومنغلقة وسلبية، بل وإرهابية أحيانًا! أما غير المحجبة فهي وإن كانت مخالفة لأمر الله تعالى بعدم احتشامها، وهي إن أضافت إلى ذلك المكابرة بإنكار وجوب الحجاب فهي على خطر عظيم في دينها، غير أن ذلك لا يبرر نبذها واتهامها في شرفها وأخلاقها، كما يفعل البعض، كما أن الحجاب لا يلزم منه بالضرورة أن تكون الفتاة المحجبة معصومة من الأخطاء، على أنّ التطرف في كل الأحوال مذموم.