الدين يدعو للتسامح والتعارف والسلام

صدام الحضارات ليس قدرا محتوما، والإنسانيّة ليست محكوما عليها بالتّناحر، وكلّ ثقافة بإمكانها أن تحافظ على هويّتها دون أن تنال من هويّة الآخر، وجميع الدّيانات يمكن أن تقيم الدّليل على التّسامح في ما بينها:هذه هي زبدة الآراء والأفكار التي  أثارها وناقشها المشاركون في مؤتمر «حوار الحضارات والتّنوّع الثّقافي» بمدينة القيروان.

«سيدتي» حضرت جلسات المؤتمرالتي سادها النقاش والجدل، والتقت ببعض المشاركين فيه وخرجت بهذا التقرير.

 


 جانب من المشاركين في المؤتمر

 

المشاركون في المؤتمر الدولي حول حوار الحضارات والتنوع الثقافي بمدينة القيروان شخصيّات سياسيّة رفيعة، وخبراء دوليّون مهتمّون بقضايا الثّقافة والتّربية والإعلام من كثير من الدول العربية والإسلامية والغربية، وقد أجمعوا على ضرورة الابتعاد الكامل عن تشويه صورة الآخرين وإزدراء أديانهم ومعتقداتهم ورموزهم الدّينيّة وعدم المسّ بخصوصيّاتهم الثّقافيّة، وطالبوا بالتّصدّي للصّور النّمطيّة والتّعميمات والأفكار المسبقة، والعمل على ألاّ تؤدّي الجرائم الّتي يرتكبها أفراد وجماعات صغيرة إلى تعميم هذه الصّورة على شعب أو منطقة أو ثقافة أودين.

 

أهمية التواصل

وكان من بين المشاركين في المؤتمرالدكتورة نجاح العطار، نائبة رئيس سوريا التي كانت أهم صوت نسائي في المؤتمر بطرحها لرأي صريح  وجريء مفاده أن إلغاء الحدود بين الحضارات والثّقافات أمر أساسيّ، لكن إلغاء حضارات الأمم وثقافاتها استصغارا لها أو اتهاما مزورا لمعطياتها أمر مرفوض، والتّواصل ينبغي أن يكون هو القاعدة، و الحضارة ينبغي أن تكون متفتحة متفاعلة تؤكّد ذاتها بالتّداخل مع غيرها تأثّرا وتأثيرا لا تلغيه ولا يلغيها، وهي في النّهاية ملك الإنسانيّة جميعا. وفي تحليل الدّكتورة العطّار فإنّ العلاقة بين الحضارات هي فعلا علاقة حوار وتكامل تأخذ فيه كلّ حضارة من سابقتها ثمّ تبتدع تأليفا جديدا يقدّم إضافة كما فعلت الحضارة العربيّة حين نقلت كنوزها المعرفيّة إلى أوروبا عبر الأندلس.

 

الاعتراف بالآخر

اما عبدو ضيوف، رئيس السينغال السابق، والأمين العام للمنظّمة الدّوليّة الفرانكفونيّة - من موقعه كافريقي مسلم- فانه يوافق نجاح العطارفي طرحها مؤكدا فعلا أنّ الحوار الحقيقيّ والمثمر والنّاجع لابدّ أن يقترن بالاعتراف بالآخر والاحترام المتبادل بين الثّقافات. وعبدوضيوف - الذي يدير منظمة فرانكفونية(مقرها باريس) - يجزم  بأن العرب سعوا منذ الأزل إلى إقامة أفضل الصّلات مع الأمم الأخرى وإلى الحوار على أساس النديّة بينهم وبين الغرب، وإلى تطوير هذا الحوار لتبديل نظرة بعض الغربيين إلى العرب والإسلام ممن يفتقرون إلى معرفة الحقائق أو يتّسمون بالتّعصّب أو ممن يسيئون عن قصد إلى الاسلام.

 

سلبيات العولمة

في نفس هذا السياق فإن جون بول كارترون:سفير «الأيسيسكو» (المنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والعلوم) للحوار بين الثّقافات والحضارات أعلن صراحة أن العولمة أفرزت العديد من السّلبيّات منها الإساءة إلى الهويّات الوطنيّة، وتأجيج مشاعر الكراهيّة والأفكار الأصوليّة في بعض الأحيان كردّ فعل على الأزمات الإقتصاديّة والماليّة الّتي تسبّبت فيها خاصّة الرّأس ماليّة المتوحّشة.

 

الإصبع على الجرح

أما ريموند فيبير، رئيس جمعيّة «ثّقافةوتنمية»، بمدينة «غرونويل» الفرنسيّة فانه يرى أنّ الثّقافة شرط لتحقيق التّنمية والدّيمقراطية فضلا عن أنّها تساهم في تحقيق اللّحمة الاجتماعية ،  مضيفا:«أنّ الرّأس مال الثّقافيّ لا يقلّ قيمة وتأثيرا عن الرّأس مال الاقتصادي  .ومن وجهة نظر  د. رياض نعسان آغا، وزير الثّقافة السّوريّ، فان الحوار بين الحضارات مازال مضطربا، وبقي منحصرا بين الحضارة العربيّة الإسلاميّة والغرب ، ووضع عبد العزيز خوجة وزير الثّقافة والإعلام بالمملكة العربية السّعوديّة الاصبع على الجرح عندما اعلن  أن هناك 65 بؤرة توتّر في العالم فشل النّظام العالميّ في التّعامل معها، وهو يستنتج أنّ الحواراليوم غير متكافئ قائلا: «نحن نحتاج إلى تحاور بوش مع نجاد أكثر من حوار خاتميّ مع أوباما،» مشيرا  إلى أنّ الحضارة الإنسانيّة واحدة فإبن خلدون مهّد لأوغست كونت ونيوتن مهّد لإنشتاين، فهناك مدّ حضاريّ يجمعنا ولكن هناك إختلاف في التّفكير مع هذا الإرث الإنسانيّ .

وشرح الوزير السعودي أنه بعد الحرب العالميّة الثّانية نشأ نظام دوليّ جديد وعد بالعدل والسّلام والتّنمية ولكنّه فشل في ذلك،  ملحا على ضرورة البحث عن وسائل جديدة لتحقيق هذه الأحلام المشروعة .

 

20 منظمة عالمية

شارك في المؤتمر نحو عشرين منظّمة دوليّة، منها منظّمة الأمم المتّحدة، ومجلس أوروبا والإتّحاد الإفريقي، وجامعة الدّول العربيّة، وإتّحاد المغرب العربي، واليونسكو، والألسكو، ومؤسّسة أنا ليند الأرومتوسّطيّة ومجلس التّعاون لدول الخليج العربيّة، والبنك الإسلامي للتّنمية، إلى جانب عدد من المنظّمات غير الحكوميّة والهيئات المتخصّصة.علما بأن المؤتمرنظمته تونس، و«الايسيسكو»، والمنظمة العالمية للفرانكفونية» بمناسبة الإحتفاء بمدينة «القيروان» عاصمة للثّقافة الإسلاميّة.

من أبرز الشخصيات التي شدت انتباه الاعلاميين محمد خاتمي الرئيس السابق لايران  وكان دينامو المؤتمر هو د.عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة.

 

إعلان القيروان

توّج المؤتمر أعماله بإعتماد إعلان القيروان الذي كان من بين أهم نقاطه:

ـ الثّقافات والأديان مدعوّة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، إلى الحوار الدّائم وتعزيز التّعايش، وإغناء بعضها بعضا، بعيدا عن كلّ توتّر وإستعلاء، وعبر سلسلة من الإسهامات المتبادلة المبنيّة على القيم والمبادئ الكونيّة المشتركة، الّتي ينبغي الإرتقاء بها بإعتبارها إرثا إنسانيّا مشتركا، وإنّ إسهام هذا الحوار في تقدّم الحضارة الإنسانيّة إسهام جوهريّ من شأنه أن يعزّز روابط التّعاون والتّعايش والسّلم والمحبّة والتّسامح والتّلاقح الثّقافيّ بين الأمم والشّعوب.

تفاصيل أوسع تجدونها في العدد 1478 من مجلة "سيدتي" المتوفر في الأسواق.