بنوك الطعام فكرة إنسانية تستحق التطبيق في كل الدول



يؤمن الجميع بحق الإنسان في الحصول على الغذاء الكافي المتوازن؛ لتحقيق حياة كريمة وأن للجوع آثارا اجتماعية واقتصادية معوِّقة لنمو المجتمع؛ لذا فقد انتشرت في بلداننا العربية في الفترة الأخيرة فكرة إنسانية يطلق عليها في بعض الدول «بنوك الطعام»، وفي البعض الآخر مشروع «حفظ النعمة»، تعمل على نشر الوعي لدى الكبار والصغار في مجتمعاتنا العربية في كيفية التعامل مع الطعام من حيث تقليل الفاقد، واستغلال الفائض بالأسلوب المتحضر خاصة في المؤتمرات والأفراح والحفلات والمناسبات والولائم ويرسي العادات السليمة في تناول الأطعمة من خلال إقامة حملات توعية بعدم إهدار الطعام.

تقوم تلك البنوك بتوفير الطعام للمحتاجين بالتعاون مع فنادق ومطاعم كبرى «5 نجوم»، وذلك عن طريق أخذ وجبات من أطعمة سليمة نتيجة الفائض والفاقد الهائل الذي ينتج عن الحفلات وولائم الأثرياء لإعادة تغليفها وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، بالإضافة لقبول تبرعات من القادرين متمثلة في المواد الغذائية والتعاون مع الأفراد والقطاعات الرسمية والأهلية، والخاصة في التوعية بمشكلة الجوع القائمة على الأبحاث والدراسات، وتحفيز العمل التطوعي والدفاع عن حقوق المستحقين، واستقطاب التمويل اللازم لتوفير المساعدات الغذائية بصفة دورية للمحتاج الحقيقي من أيتام وكبار السن وأرامل وأسر محتاجة، وأشخاص غير قادرين على العمل والكسب رافعين شعار «معا ضد الفقر». عن مثل هذه البنوك طرحنا السؤال على العلماء: هل تنجح بنوك الطعام في القضاء على الجوع؟

 

يقول الدكتور علي جمعة مفتي مصر: إن الإسلام عندما حث على التكافل والتضامن بين المسلمين كان الهدف الأساسي ألا يشعر الفقير بفقره، ولا الضعيف بضعفه إنما تصبح الأمة «كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى»، وإطعام الطعام قال عنه ربنا سبحانه وتعالى: «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا».

أشار مفتي مصر إلى أن إطعام الطعام مقام من المقامات العالية التي ترفع أعمال المؤمنين، وتزكي أفعالهم ونهيب بالأغنياء أن يدعموا مثل هذه المشاريع، ويقفوا معها حتى تتحول هذه البنوك إلى أداة فاعلة للقضاء على الجوع بين فقراء المسلمين وغيرهم.

جدير بالذكر أن فضيلة مفتي مصر يشجع دائما هذه المشروعات من خلال مؤسسة مصر الخير التي يترأس مجلس إدارتها، وبنك الطعام في مصر. ويؤكد أن المسلمين تقدموا في هذا المجال على جميع دول العالم منذ أكثر من 1400 عام، حيث كان هناك ما يعرف بالوقف الذي يخصص إيراده لأغراض معينة، واعتبر فضيلته أن بدء نشاط بنك الطعام المصري فاتحة خير لإقامة بنوك أخرى، مثل بنك الكساء وبنك العفاف لمساعدة الشباب على الزواج، لما تحمله هذه الأفكار من إذكاء لروح التكافل الاجتماعي، وزيادة الدور التطوعي لرجال الأعمال والشخصيات العامة لحل مشاكل المجتمع.

 

ضرورية في ظل أزمة الغذاء

د.حمدي طه صاحب مؤسسة «حمدي طه للأعمال الخيرية»، والأستاذ بجامعة الأزهر، يرى أن أزمة الغذاء الحالية وارتفاع الأسعار جعلا فكرة بنوك الطعام فكرة حيوية، كما أن الله سبحانه وتعالى أمر الإنسان بأن يحض الآخر على إطعام الطعام. قال تعالى: «كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين». والرسول صلى الله عليه وسلم ضرب لنا مثلا بقبيلة الأشعريين، حيث كانت لهم عادة على غير القبائل فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الأشعريين كانوا إذا أرملوا في الحرب أو قل طعامهم جمعوا ما عندهم في وعاء واحد ثم اقتسموه فيما بينهم فهم مني وأنا منهم»، وهذا يدل على حض الإسلام على التكافل الاجتماعي.

أشار د.طه إلى أن الأثرياء في العصور السالفة كانوا يقيمون ما يسمى بـ«التكايا» إلا أن هذه الظاهرة انقرضت من العالم الإسلامي، والغريب أنها موجودة في البلاد الأوروبية، حيث تقيم بعض الدول مثل السويد والنرويج وإيطاليا دورا ملحقة بالكنائس تأوي المشردين والأيتام والمساكين، وتقدم لهم الغذاء والكساء؛ لأنهم يدركون أن الإنسان لا يلجأ إلى السرقة والجريمة إلا تحت ضغط نفسي نتيجة الاحتياج للدواء أو الطعام أو الكساء، فهم يقولون نحن نقي مجتمعاتنا من الجريمة بتقديم الطعام لهؤلاء، وأن الكتاب المقدس يحضنا على ذلك مع أننا في ديار الإسلام، نجد أن الإسلام يجعل هذه الأعمال من أفضل الخصال الأخلاقية له، ومع ذلك نجد تجاهل معظم المسلمين لهذا الأمر ولم ينظروا إليه، ولقد أقمنا في مؤسسة طه الخيرية مطعما مفتوحا للمشردين وأولاد الشوارع والمساكين وعابري السبيل.

 

حاجات ضرورية

أكد د.شوقي الفنجري أستاذ الاقتصاد الإسلامي أن أولى الحاجات الإنسانية الضرورية لقيام حياة الإنسان الأكل أو الطعام؛ لأن الإنسان إذا لم يأكل ما يكفيه وتعرض للمجاعة ونقص الغذاء خارت قواه وأصابته الأمراض فلا يستطيع القيام بواجباته الدينية فضلا عن الإحساس بالظلم، وهو يرى غيره من المترفين يملأون بطونهم بكميات كبيرة من الطعام وبالتالي تنتشر البغضاء في المجتمع؛ لذا فإنه نظراً للآثار السيئة للجوع فقد استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع».

أضاف أننا في زمن زادت فيه مساحة الفقر وأول مظاهر الفقر هي مشكلة نقص الغذاء والجوع التي جعلت الفقراء يتعرضون باستمرار لأمراض سوء التغذية، وإذا كان الهدف الأساسي من الاقتصاد هو إشباع الحاجات الإنسانية فإن الأكل هو أول هذه الحاجات، وإذا كانت إرادة الله وحكمته قد فضلت بعض عباده في الرزق، وأن منهم فقراء يتعرضون لسوء التغذية لعدم قدرتهم على توفير الغذاء اللازم لهم فإنه سبحانه أمر عباده الأغنياء بإطعام الفقراء والمحتاجين.

أشار د.الفنجري إلى أن التبرع في بنوك الطعام صورة من الصدقات التي حث عليها الإسلام، وأمر بها بشكل عام إلا أنه لعظم وأهمية الإطعام جعلها صدقة متميزة عن باقي الصدقات، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن أسرع صدقة إلى السماء أن يصنع الرجل طعاما طيبا ثم يدعو عليه ناسا من إخوانه»، وخصصها بنصوص عديدة جاءت متنوعة ومتعددة.

 

أساليب عديدة

يقول د.محمد داوود أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس: إن الإسلام لم يقف من مشكلة الجوع عند حد الأمر والحث بإطعام الجياع، والتحذير من ترك ذلك إنما شرع واجبات وأمورا عملية منها الأضحية والعقيقة وحق الضيف وإكرامه وحقوق الجار، كما جعل إطعام المساكين جزاء على من ترك واجبا من واجبات الدين أو خالف أمرا من أوامره، أو ارتكب منهيا عنه مثل إطعام عشرة مساكين عند الحنث في اليمين وإطعام مسكين عن كل يوم يفطره غير القادر على الصيام في رمضان، وإطعام ستين مسكينا عن كل يوم يفطره القادر على الصيام في رمضان، وإطعام ستين مسكينا لمن يظاهر من زوجته، وهكذا، وبذلك نجد أن الإسلام اهتم بمشكلة الجوع وعالجها من خلال أساليب عديدة بما يؤكد سبق تفوق النظام الإسلامي على غيره.

دعا د.داوود أصحاب رؤوس الأموال وأهل الاختصاص إلى استثمار بعض أموالهم في أعمال الخير عن طريق إقامة المشاريع الخيرية التي تنهض بفقراء الأمة، وتوفر فرص عمل لشبابها فكل مواطن يساهم بما لديه من إمكانيات، وهذا هو عين التكافل والتواصل؛ لأن كل هذه المشاريع تصب جميعا في أعمال الخير.

 

بداية بنوك الطعام

ولدت فكرة «بنك الطعام» قبل أعوام في هولندا، وتبنتها فتاة شابة تدعى «ريجينا ماك نيك»، وبدأت بتنفيذها من خلال منزلها، وذلك بإعداد كميات من الطعام بنفسها بصورة يومية ووضعها في علب لتوزيعها على الفقراء القريبين من الحي الذي تقيم فيه، ثم اتسعت رقعة نشاطها بانضمام كثير من المتطوعين من الأثرياء وميسوري الحال، وتطورت الفكرة التي ولدت كفكرة شخصية إلى إنشاء مؤسسة خيرية كبيرة، أصبح لها مجلس إدارة وأعضاء وتمويل خاص، حتى إن المطاعم الكبرى والفنادق تتطوع أحياناً بتقديم وجبات مجانية للمؤسسة لتوزيعها على الفقراء.

وبدأت تلك الفكرة تنتشر في عدد من دول العالم، فتم تنفيذها في الهند وكوريا والولايات المتحدة، ومصر وسوريا وفلسطين والمغرب والسعودية وقطر وغيرها.