نود أن تضعنا في صورة لحجم الجالية العراقية في هولندا؟
بات عدد أفراد الجالية العراقية في هولندا حسب آخر إحصاء رسمي هنا بحدود 52 ألفًا. وأغلب أبناء الجالية ممن تحصّل على التعليم المتوسط وعلى شهادات جامعية، وكثير منهم يحملون الدرجات العلمية العليا، ويشغل عدد من المتخصصين اليوم رئاسة أقسام طبية وهندسية في مؤسسات هولندية عالمية معروفة، ويشتركون بفعالية في جهود مراكز بحثية ومؤتمرات علمية عديدة، كما ينافس طلبة الجالية العراقية بتميز أقرانهم بالمدارس والجامعات الهولندية بمختلف التخصصات.
ما أبرز أنواع المعاناة التي يتعرضون لها بشكل يومي؟
ما عدا إشكالية الإقامة وظروفها القانونية، وهي قضية باتت أكثر تعقيدًا وضغطًا في الآونة الأخيرة تبقى تفاصيل اليوم العادي ليست سهلة بالنسبة للقادمين الجدد، إذ تبدأ أول مشكلة تتعلق باللغة الهولندية؛ ثم هناك حالات انغلاق بين بعض أفراد الجالية، ما يسبب تشويهًا غير مبرر، وردود فعل غير محسوبة، خصوصًا مع تنامي أصوات القوى العنصرية وأشكال التمييز الذي يجري التصدي له بتفاعل إيجابي، إن إشكالية العنصرية والمواقف المتشنجة يعاني منها حتى أبناء الجالية المستقرين منذ عقود، وإن كانت محدودة في إطار هولندا بخلاف بعض البلدان الأوروبية الأخرى.
هل تعتقد أن إنشاء الجامعات العربية والإسلامية في الغرب لها تأثير إيجابي أم لا؟
الجاليات العربية والمسلمة في دول الاتحاد الأوروبي باتت من الحجم بالملايين، وهي هنا بهولندا تقارب الـ12 %، وكثير من هؤلاء لا يتقنون اللغة المحلية بمستوى متابعة الدراسات الجامعية، كما هو حال اللغة الهولندية التي لا يستخدمها إلا أهلها، وعدد محدود من مستخدميها في أرجاء المعمورة، دع عنك أن نسبة رئيسة من أبناء جالياتنا انخرطت في العمل، والبحث عن لقمة العيش في ظروف تتطلب صراعًا من أجل البقاء في سوق العمل الصارم هنا، وبين إشكالية اللغة من جهة وعدم التفرغ وشروط الدراسة في الجامعات الأوروبية لا يبقى أمام المهاجر إلا التوجه لجامعات تعتني به وتتلاءم مع ظروف عمله وانشغاله وعدم تفرغه، فضلاً عن معالجة متطلبات عديدة أخرى. ومن هنا فإن إنشاء جامعات عربية في المهجر مهمة نوعية كبيرة، وحاجة وضرورة لمصلحة أبناء جالياتنا، ولمنع تراجع المستويات العلمية بينهم، وكذلك للارتقاء بمستوى تفاعلاتهم مع محيطهم وتقدمه المعرفي العلمي، الأمر الذي يتطلب متابعة جدية مؤثرة لا تنهض بها سوى مثل هذه المؤسسات العلمية.
ما الدور الذي تقوم به جامعة ابن رشد في هولندا؟
جامعة ابن رشد جاءت في ضوء قناعة وطيدة بأهمية انطلاق مؤسسة أكاديمية تستند للرصانة العلمية، وتستخدم أحدث تكنولوجيا التعليم «نظام التعليم الإلكتروني»، وهي مؤسسة تعمل بشكل رئيس لمصلحة أبناء الجاليات وللتفاعل مع الجهات العلمية والثقافية الهولندية من جهة، ومن جهة أخرى تعمل على نقل التجارب العلمية الأحدث إلى حيث يمكن استفادة طلبتنا في البلدان العربية كافة، حيث تمثل الجامعة الجسر المعرفي لخبرات باحثينا وأساتذتنا المغتربين.
ما مشاريعكم المستقبلية كجامعة تساهم في نشر وتعليم العربية في الغرب؟
طموحاتنا وبرامجنا تتسع بحجم بنات جاليتنا وأبنائها، كما تتعمق بحجم التنوع المعرفي ومسيرة التحديث فيه، ومن أجل ذلك نعمل على نقل منشوراتنا في المكتبة الإلكترونية إلى الطباعة الورقية، وإيصالها إلى أوسع قرائنا في البلدان العربية إلى جانب أبناء الجالية في المهجر، ومن أبرز تلك المنشورات الدورية العلمية المحكَّمة مجلة جامعة ابن رشد، وعدد من المؤلفات والأطاريح والرسائل العلمية المخصوصة، وطبعًا فإن وجود البحوث بأكثر من لغة يعزز دور النشر بالعربية، وينقل تلك النصوص بالإنجليزية بين ضفتي الحوار، كما نتطلع للتأسيس لمعرض الكتاب العربي في أوروبا، وجذب مؤسسات النشر المعنية وربطها بجمهور الكتاب العربي في المهجر.
هل جامعة ابن رشد هي أول جامعة تقوم بتدريس اللغة العربية في هولندا؟
نعم، بالأساس انطلقت جامعة ابن رشد من تأسيس المعهد الأوروبي العالي لدراسات العربية، وهو مؤسسة أكاديمية جامعية ريادية أولى في ميدانه وطبيعة مهامه، ومن الأولويات كانت خطة إنجاز تعليم اللغة العربية لأبناء الجاليات وبناتها، ومحو الأمية التي باتت تتسع مهجريًا بسبب ظروف العائلات العربية وانتساب الأبناء لمدارس لا تهتم بالعربية أو باللغة الأم بالمستوى المنتظر، ومن هنا فإن المستوى الجامعي التخصصي بجامعة ابن رشد يمثل مركز تحفيز وتطوير يدفع باتجاه البحث في آداب اللغة العربية وعلومها، ومتابعتها لأحدث المتغيرات العلمية في الدرسين الأدبي واللغوي هنا بأوروبا.
كيف تقيم واقع التعليم في العالم العربي ومخرجاته في ضوء متطلبات سوق العمل حاليًا؟
نحن نفتقر في بعض البلدان إلى قوانين مناسبة في التعليم فيما نراوح بعيدًا عن التطور العالمي في لوائح بلدان أخرى، إلى الدرجة التي مازال فيها أناس يتخندقون خلف متاريس التعليم الإملائي وقوانينه؛ رافضين أي محاولة للتحديث والتغيير في لوائح التعليم وفق المستجدات التي تفرضها الظروف المعاصرة، ومن الطبيعي أن يؤثر هذا في الأداء الأكاديمي العلمي وبقائه بعيدًا، بل منفصلاً في أغلب البلدان العربية عن حاجات السوق المباشرة.
حدثنا عن الدور الذي يقوم به البرلمان الثقافي العراقي في المهجر؟
العمل على دعم جهود الإبداع والمبدعين العراقيين، ودعم وحدة المثقفين وعملهم الجمعي، وصبه في الإطارين الوطني والإنساني المرتجى، وتوطيد أواصر العلاقات بين أعضاء البرلمان أنفسهم، وبينهم وبين المنظمات العربية والأجنبية الرديفة، ومن ثمّ محاولة تقديم الصورة المشرقة المشرِّفة لثقافتنا وحضارتنا بكل خصوصياتها للعالم، والدفاع عن شخصيتنا الثقافية المميزة، والدفاع عن أعضاء البرلمان بما ينسجم وأهدافه ومصالح الأعضاء وحقوقهم الإنسانية والأدبية في جميع المحافل، ومساعدتهم بمعونة الهيئات المختصة.
بوصفك مستشار رابطة الكتَّاب والفنانين الديمقراطيين العراقيين في هولندا كيف تقيّم الواقع الفني والثقافي في العالم العربي؟
إن المبدع العربي ربما يعاني من عاملي الإغفال والتجاهل، والكثير من إحباطات ظروفه، لكن الأقسى يكمن في نسبة الأمية التي تصل إلى أكثر من 70 مليون أميّ. وإلى نسبة الفقر والضغوط الحياتية المعيشية التي تحرم تلك الملايين من التفاعل مع العقل المبدع ومنتجه، كما تأتي عوامل ضغط أخرى ترتبط بقيود ليست من السلطات، بل من التقاليد البالية التي ترفضها قيمنا الدينية الروحية والثقافية، لكنها تغلغلت بين أوساط الأميين، ومن أصابتهم آفات الجهل والتخلف تعسفًا، في ظل هذا المشهد هناك قسوة غير طبيعية يعاني منها الإبداع وحركته في وطننا الكبير.