مع حلول شهر رمضان المبارك، تكثر المؤتمرات والندوات التي تهدف إلى توعية المصابين بالسكريّ حول كيفية الصيام، لتجنّب الوقوع في مخاطر صحية عدّة.
"سيدتي" تطلع من رئيس "الجمعية اللبنانية للسكريّ" الاختصاصي في أمراض الغدد والسكريّ الدكتور محمد صنديد على الحالات التي يمكن أن تؤدّي هذه العبادة ومن يحظّر عليهم الأمر، وما يجب ولا يجب على المريض القيام به في هذا الشهر الفضيل:
السكريّ هو ارتفاع مزمن في معدّل السكر في الدم (الغلوكوز)، لأسباب وراثية أو بيئية... و"الأنسولين" هو الهرمون المنظّم الرئيس للسكر، يتمّ إفرازه من خلال خلية "بيتا" في البنكرياس، ويجري في الدم ناقلاً السكر إلى العضلات وخلايا الجسم للاستفادة منه كطاقة. ومعلوم أن الأطعمة التي يتمّ تناولها وهضمها تتحوّل إلى سكر أيضاً من قبل الجسم، يمتصّها الجهاز الهضمي، وتذهب أيضاً إلى الدم. ويعتبر كلّ من الكبد والعضلات المخزّن الرئيس للغلوكوز، فعندما يحصل نقص في كمية "الأنسولين" أو عند وجود خلل معيّن في الأماكن المحدّدة لهرمون "الأنسولين" على الخلايا، تزداد كميّة "الغلوكوز" في الدم، وتبدو لدى المرء أعراض داء السكريّ التي تشمل: كثرة التبوّل والعطش الشديد والضعف الجسدي، فضلاً عن الالتهابات المختلفة (التهابات البول والالتهابات النسائية والجلدية) في حال لم يتمّ التشخيص في وقت مبكر.
والسؤال عن إمكانية صيام مريض السكريّ خلال شهر رمضان، يجيب عنه الدكتور صنديد بالقول "إن إمكانية الصيام تختلف بين مريض وآخر بحسب الحالة الصحية التي يقيّمها الطبيب"، مضيفاً: "يقسم المصابون بالسكريّ إلى فئتين":
- الفئة الأولى تعتمد على "الأنسولين" في علاجها، ويطلق عليها اسم النوع الأول من السكريّ، علماً أنّه يندرج تحتها من يأخذ حقنة واحدة من "الأنسولين" ومن يأخذ عدّة حقن من "الأنسولين" خلال النهار.
- الفئة الثانية التي لا تعتمد على "الأنسولين" في علاجها، ويندرج تحتها:
*المصابون الذين يعتمد علاجهم على الحمية الغذائية والذين يستطيعون الصيام لفوائده على حالتهم، علماً أنّه تنطبق عليهم مقولة "صوموا تصحّوا".
*المصابون الذين يعتمد علاجهم على حبّة واحدة من العقار المخفّض لمعدّل السكر في الدم، والذين يستطيعون الصيام شريطة توزيع كمية الطعام المحدّدة لهم يومياً على وجبتي الفطور والسحور بالتساوي، على أن يتمّ تناول الدواء قبل الإفطار مباشرة.
*المصابون الذين يعتمد علاجهم على أكثر من حبّة واحدة من العقار المخفّض للسكري، والذين يستطيعون الصيام شريطة تناول حبة الدواء قبل الإفطار وحبة أخرى قبل السحور.
الفئة الأولى والصوم
ويمكن للمصاب الذي يأخذ حقنة واحدة من الأنسولين (طويلة المدى) الصيام، شريطة أن يتمّ تعديل موعد هذه الحقنة، فتؤخذ قبل الإفطار بدلاً من الصباح. ولكن، يجدر به زيارة الطبيب المتخصّص قبل الصيام وفي الأيام الأولى منه، لتحديد جرعة الأنسولين المثالية التي تتلاءم مع كمية الطعام المتناولة ونوع العمل والحالة. ويُشترط به أن يقيس معدّل السكر في الدم في المنزل بشكل منتظم خلال النهار، تلافياً لحدوث هبوط مفاجئ في السكر. أمّا من يأخذ جرعات أو حقناً عدّة يومياً، فإن الصيام يشكّل خطراً على صحته.
وتجدر الإشارة إلى أن الطبيب المعالج يلجأ إلى تغيير العقاقير لمريضه أثناء رمضان، فيصف له أنواعاً تمتاز بالقدرة على عدم إحداث هبوط سريع في السكر خلال اليوم.
أمّا المصاب بالنوع الثاني من السكريّ والذي يُعالج بجرعة واحدة من "الأنسولين" خلال اليوم، أو مضافة إليها أدوية مخفّضة لمعدّل السكريّ فيمكنه الصيام بعد استشارة الطبيب الذي يحدّد له خطّة علاجية تحول دون هبوط السكريّ خلال النهار.
ولكن، يشدّد الدكتور صنديد، في هذا الإطار، على ضرورة خضوع الحالات سالفة الذكر إلى فحوص طبيّة تبيّن أحوالها الصحيّة، وتؤكّد خلوّها من الإشارات التي تنذر بخطر المضاعفات القلبية وأمراض الشرايين والكلى وارتفاع ضغط الدم والاعتلالات العصبية المختلفة، كما لا تتعرّض إلى الجفاف خلال النهار من جرّاء نقص السوائل في أجسامها.
مخاطر...
ويتعرّض المصابون بالسكريّ إلى جملة من المخاطر، في حال إهمال العلاج الذي يعدّله الطبيب بما يتوافق مع خصوصية الصوم، تشمل:
- النقص الشديد في مستوى السكر في الدم ما يقود نحو الغيبوبة في بعض الأحيان، ويعود السبب إلى إهمال تناول وجبة السحور مع الأدوية الخافضة لمعدّل السكر. وتتمثّل أعراض هبوط نسبة السكر في الدم، في: الجوع الشديد والشعور بالتعب والإرهاق المفاجئ والدوار والصداع والتعرّق الشديد (خصوصاً العرق البارد) وارتعاش اليدين وغشاوة العينين وتسارع دقّات القلب، مع الميل إلى فقد الوعي. وإذا لم يسارع المريض الصائم إلى الإفطار، ولو كان موعد أذان المغرب يحلّ بعد نصف ساعة، فإنه سوف يدخل في غيبوبة. من هنا، تكمن أهميّة فحص الدم في المنزل، أثناء الصيام، لمرّات عدّة في اليوم ومراجعة الطبيب لتحديد ما يجب فعله.
- الارتفاع الشديد في مستوى السكر في الدم نتيجةً لإهمال المريض تناول العلاج أو إفراطه في الطعام الغني بالسكريات المركّزة والنشويات. وتتمثّل أعراضه، في: كثرة التبوّل والعطش الشديد وآلام في البطن والتقيؤ والشعور بالتعب الشديد والإنهاك. وبالطبع، قد تقود هذه الحالة نحو غيبوبة قبل حلول المساء. لذا، يستحسن في هذه الحالة المسارعة إلى شرب كوب من الماء وتناول دواء السكريّ والتوجّه إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم.
حالات يحظّر عليها الصيام
يحدّد الدكتور صنديد حالات السكريّ التالية التي يمنع عنها الصيام:
- المصابون بالنوعين الأول والثاني من السكريّ الذين يعالجون بحقن عدّة من "الأنسولين"، يومياً.
- الحوامل المصابات بالسكريّ.
- الأطفال المصابون بالسكريّ.
- المرضعات المصابات بالسكريّ.
- المصابون الجدد بالسكريّ والذين لم يستقرّ البرنامج العلاجي لديهم بعد أو لم تتمّ السيطرة على حالتهم بعد.
- المصابون بالمضاعفات المزمنة من جرّاء السكريّ، كأمراض القلب والكلى والشرايين وشبكة العين والقدم...
- من يعانون أمراضاً مزمنة مصاحبة للسكريّ كالضغط والقلب ويحتاجون إلى تناول الأدوية بصورة دائمة.
8 نصائح
1- يجدر بمريض السكريّ استشارة طبيبه وسؤاله في مسألة الصيام، فهذا الأخير هو الوحيد المخوّل تقدير الحالة.
2- يجب الاستمرار في تناول العلاج، مع مراعاة التغييرات التي أجراها الطبيب، بدقّة.
3- يحتّم على مريض السكريّ الامتناع عن تناول الحلويات الرمضانية التقليدية الدسمة وشرب المشروبات الغنية بالسكر (الجلاب والسوس والتمر الهندي...).
4- يجب التركيز على تناول المياه بوفرة، تلافياً لحدوث الجفاف في الجسم.
5- يفضّل تأخير وجبة السحور لتوفير الطاقة للجسم وتوازن كمية السكر في الدم طوال ساعات الصيام.
6- ينصح بممارسة رياضة المشي، بعد الإفطار.
7- يجدر بمريض السكريّ الاحتفاظ بجهاز تحليل السكر الدائم، وذلك لمراقبة معدّل السكر في الدم يومياً.
8- ينبغي إنهاء الصيام حال الشعور بأية أعراض تشير الى انخفاض معدّل السكر.
