الكآبة مرض العصر... ويتربّص بالجميع!

قد نشعر أحياناً بالملل ونضيق ذرعاً بالحياة، أو نشعر بالإحباط والفشل واللاجدوى، وقد نحزن أحياناً إلى حدّ التفجّع والندب والبكاء الهستيري، وقد لا تأخذ هذه المشاعر منّا في العادة أكثر من أسبوع أو أسبوعين ولا تؤثّر على حياتنا أو عملنا أو علاقتنا بالأسرة والناس، ولكن حين تستمرّ هذه الأعراض لفترة طويلة وتبدأ بتغيير نمط حياتنا وتثير حولنا أسئلة الأهل والأصدقاء، فإن الأمر ينتقل هنا إلى مرض نفسي يدعى الكآبة. وهو شائع يصيب واحداً من خمسة في كل أنحاء العالم، ويقع ضحيّته أناس من كل المستويات الاجتماعية والثقافية، كما تؤكّد الطبيبة الاختصاصية في عيادة "نورث لندن" الدكتورة آنجيلا بالمر:

 

ربما لا يدرك المرء أنه مكتئب خصوصاً إذا ما جاءت الأعراض بشكل تدريجي. وبدلاً من ذلك، يبدأ بلوم نفسه لأنه كسول أو متهاون أو ضعيف الإرادة، ولكنّ أعراضاً أخرى مثل الصداع والأرق قد تكون أولى علامات الكآبة، إضافة إلى أعراض أخرى مثل:

 

•           الشعور بالتعاسة في غالبيّة الأوقات وفقدان الأمل ولاجدوى الوجود في الحياة.

 

•           فقدان الاهتمام بالحياة وعدم القدرة على التمتّع بمباهجها.

 

•           صعوبة في اتخاذ القرارات.

 

•           لا يستطيع الإنسان التعامل مع أمور كان يتقبّلها في السابق.

 

•           الشعور الدائم بالتعب.

 

•           فقدان الشهيّة والوزن (بعضهم يحصل له العكس ويزداد وزنه).

 

•           البقاء لساعة أو ساعتين في الفراش قبل الخلود إلى النوم، والنهوض بوقت أبكر من المعتاد.

 

•           فقدان الاهتمام بالعلاقة الزوجية.

 

•           فقدان الثقة بالنفس وسرعة التهيّج والعصبية.

 

•           تجنّب الناس الآخرين والشعور بالمزاج السيّئ في وقت محدّد من اليوم، وخصوصاً في الصباح.

 

•           التفكير بالانتحار.

 

ولكن غالبيّة المصابين بالاكتئاب لا يعانون من كل هذه الأعراض مجتمعة، بل قد يواجهون خمسة أو ستة منها على الأقل.

 

وربما يعود السبب إلى الشعور بالخذلان والإحباط أو فقدان إنسان عزيز أو فشل في علاقة عاطفية أو طلاق أو خيانة زوجية أو فقدان وظيفة، كما أن الإصابة ببعض الأمراض العضوية التي تشكّل تهديداً للحياة كالسرطان يمكن أن توقع الإنسان فريسة سهلة للكآبة، إضافة إلى بعض الأمراض المؤلمة كالتهاب المفاصل والأمراض الفيروسية (الحمى الغدية Glandular Fever) والأمراض الهرمونية (الإجهاد المزمن Underactive Thyroid) وأيضاً الخرف وباركنسون وترقّق العظام.

 

 

 

المرأة أكثر استعداداً للإصابة 

 

ويبدو أن المرأة أكثر استعداداً للإصابة، وربما يعود السبب إلى حساسيتها وسهولة جرح كبريائها، وإلى عدم رغبتها بالحديث عن مشاعرها الخاصّة للآخرين، وإلى كونها مخلوقاً مسالماً لا يفرّغ شحنات الغضب بمن حوله، إضافة إلى الأعباء الحياتية الملقاة على عاتق العاملة التي يجدر بها أن تهتم بالعمل ورعاية الأطفال معاً ممّا يصيبها بالإجهاد. وعموماً، فإن الكآبة تصيب الرجل والمرأة على السواء، وهي تعتمد بشكل كبير على شخصية الإنسان التي قد تجعله أقل حصانة وأكثر تقبّلاً للكآبة، وهذا يعود أساساً إلى نوع التجارب الحياتية التي عاشها في عمره المبكر وإلى جيناته أيضاً لأن الكآبة يمكن أن تكون عائلية. وإذا كان أحد الوالدين مصاباً بكآبة حادّة، فإن احتمال إصابة الابن بالكآبة تصل إلى 8 مرّات أكثر من الابن الذي يعيش في عائلة لا تعاني من هذا المرض.

 

وقد يتصوّر البعض أن الاستسلام للكآبة هو نوع من الضعف والتهاون والسلبية، وكأن أمام المريض خيارات متعدّدة وهو حرّ في أن يكون كئيباً أو لا يكون. ولكن في الحقيقة إن الكآبة مرض يمكن أن يصيب كل الناس وحتى أقواهم شخصية وأكثرهم قوة إرادة وثقة بالنفس ونجاحاً وتفوّقاً وحتى عبقرية، وعلى سبيل المثال فإن ونستون تشرشل أعظم رئيس وزراء حكم بريطانيا كان يعاني من الكآبة التي لم يستطع الفكاك منها وكان يسمّيها "كلبي الأسود".

 

 

 

الحاجة إلى المساعدة

 

يحتاج المكتئب إلى المساعدة عندما يشعر بأن الكآبة تزداد سوءاً عن المعتاد ولا تبدو أية بوادر للتحسّن وأنها تؤثّر على عمله واهتماماته وعلاقاته بالعائلة والأصدقاء، وعندما يفكّر أن الحياة لا تستحقّ العيش وأن وضع من يحبهم سيكون أفضل بدونه.

 

وإذا كان الأمر لا يحتاج في حالات الكآبة الخفيفة والمتوسطة إلى أكثر من التحدّث إلى قريب أو صديق، وإذا لم يشعر المريض بتحسّن عليه أن يبدأ بمساعدة نفسه أولاً. وهنالك طرق عدة في هذا المجال يمكن أن نلخّصها بما يلي:

 

_ لا تتكتّم على الأمر: إذا ما سمعت أخباراً سيّئة أو شعرت بحزن أو غضب أو إهانة، أخبر من هو موضع ثقتك وتحدّث معه عن مشاعرك، وربما تحتاج أيضاً للبكاء ولأكثر من مرّة. افعل ذلك بدون تردّد لأن هذا جزء من الطريقة الطبيعية التي يستخدمها العقل للعلاج.

 

 

 

_ اشغل نفسك: اترك البيت من أجل التريّض حتى لو كان من أجل المشي فقط، وهذا ما يساعدك على البقاء صحياً جسمانياً ويساعدك على النوم في المساء. وحتى لو كنت غير قادر على العمل، فمن المهم أن تبقى نشيطاً، وهذا يمكن أن يكون من خلال الأعمال البيتية الروتينية أو من خلال تغيير بعض الديكورات في البيت أو زراعة وري النباتات.

 

_ تغذّى جيداً: ربما تشعر بعدم الرغبة في الأكل، ولكن احرص على تناول الطعام بشكل منتظم، وقد تجعلك الكآبة تفقد بعضاً من الوزن وكثيراً من الأملاح والفيتامينات ممّا يجعل الأمر أكثر سوءاً! اكثر من استهلاك الفاكهة الطازجة والخضر لأنها مفيدة.

 

_ خذ قدراً كافياً من النوم: إذا لم تتمكّن من النوم، فعليك ألا تقلق كثيراً وترتبك. استرخِ فقط واستمع إلى موسيقى هادئة أو تابع برامج التلفزيون وأنت مستلقٍ على الأريكة كي يأخذ جسمك بعض الراحة التي يحتاجها، فيما يبقى ذهنك مشغولاً وستجد نفسك أقل قلقاً ممّا يسهّل عليك النوم بعدها.

 

_ حاول أن تعرف السبب: إذا كنت تعتقد أنك تعرف السبب الذي يقف وراء كآبتك، فإنه سيكون مفيداً كتابة المشكلة ومعها طريقة المعالجة، ثم ابدأ بالتنفيذ.

 

 

 

جذوة الأمل في النفس

 

يجدر بالمريض ألا يفقد الأمل في الحياة وأن يبقى متفائلاً، وعليه أن يتذكّر أو يذكّره المقرّبون منه بأنه ليس وحيداً في معاناته وأن هنالك ملايين من الناس المصابين بالكآبة حول العالم، وكلّهم يجاهدون مثله للتخلّص منها. وعليه أيضاً أن يصدّق ما حصل له من مشكلات أو خسارات أو إحباطات وأن يتقبّلها ويتعامل معها كحقائق بحاجة إلى حلول، وأن ينظر للكآبة من منظار آخر أكثر إيجابية ويؤكّد لنفسه أنه سيخرج منها وهو أكثر قوة وأكثر قدرة على التحمّل، وأنها ربما ستساعده في النظر إلى العلاقات الإنسانية بطريقة أكثر نضجاً ووضوحاً. وربما سيأخذ بعدها قرارات هامة، ويخطّط لتغييرات كبيرة في حياته لم يكن يملك الجرأة على اتخاذها في الماضي.

 

 

 

 

 

وإذا فشل الكئيب في معالجة نفسه، يأتي دور الطبيب العام الممارس الذي يشخّص الحالة ويصف العلاج، ويمكن أن يقترح عليه متابعة بعض البرامج الموجودة على الانترنت أو الدخول في جلسات جماعية مع اختصاصيين متدرّبين وخصوصاً في الحالات الخفيفة والمتوسطة. ويمكن أيضاً استخدام طريقة التحدّث والإنصات Counselling حيث يجلس المريض مع اختصاصي نفسي ويبدأ بالحديث عن مشاعره والتعبير عمّا يجيش في صدره وما يقلقه من أمور الحياة وما يشغله في علاقته بالآخرين، ما يساعد الإنسان على أن يكون واضحاً وصريحاً وقادراً على تفتيت المشكلة إلى أجزاء وإلى إيجاد الحلول ولكن بصوت عالٍ وأمام إنسان مختصّ يتقن فنّ الإصغاء والتدخّل في الوقت المناسب. وإذا كانت المشكلة تتعلّق بإنسان آخر، كالزوج مثلاً، فإن وجوده مع المريض سيكون مناسباً لأنه سيعبّر عن مشاعره أمامه وهي فرصة لأن يفهم الشريك دواخله وهمومه. وعموماً، إن هذا العلاج أمين، ولكن قد يصاحبه أحياناً بعض الأعراض الجانبية بسبب إثارة ذكريات أليمة مدفونة في العقل! وقد يشعر المريض بالتدهور في وضعه النفسي وينخرط في البكاء لبعض الوقت أو قد يغيّر من نظرته لبعض العلاقات التي تربطه بالأصدقاء والمقرّبين، وهذا أمر طبيعي. ولكن، المهم أن يختار المريض اختصاصياً يثق به وبأمانته.

 

وإذا كانت الكآبة قوية أو استمرّت لفترة طويلة فربما يقترح الطبيب على المريض أخذ مضادات الكآبة لفترة من الزمن، وهي لا تحقّق المعجزات ولكنّها قد تساعد في التخفيف من القلق وتهدّئ النفس وتعين المريض على فهم مشكلاته والاستمتاع بالحياة من جديد وأخذ كفايته من النوم. ولكن، ثمة تأثيرات جانبية لهذه الحبوب، ككل الأدوية، وأبرزها: جفاف الفم والشعور بالنعاس أثناء النهار وعدم القدرة على قيادة السيارة أو القيام بالأعمال الميكانيكية الدقيقة. وإذا وجد الطبيب أن هذا النوع من الحبوب يناسب مريضه، فإنه ينصحه بالاستمرار في تعاطيها لمدّة لا تقلّ عن 6 أشهر بعد الشعور بالتحسّن، وإذا كانت حالة الكآبة متكرّرة عند المريض فإن عليه تعاطيها لفترة أطول.

 

وهذه الحبوب لا تسبّب الإدمان وهي ليست مثل مادة "النيكوتين" مثلاً التي على الإنسان أن يزيد من كميّتها بمرور الوقت كي يحصل على التأثير المطلوب، ولكن ثمة ضوابط وتعليمات في كيفية استعمالها وفي التوقّف عنها. وإذا أراد المريض أن يتركها، فعليه أن يفعل هذا الأمر تدريجياً وببطء ووفق إرشادات الطبيب وليس بشكل فجائي غير مدروس، لأن هذا قد يعيد له حالة القلق من جديد ويسبّب له كوابيس ليلية، إضافة إلى الرعشة وجفاف الفم والإسهال. وعموماً، ثمة علاجات بديلة عن الحبوب منها عشبة اسمها "سانت جونز ورت" St John's Wort تستعمل على نطاق واسع في ألمانيا ويمكن شراؤها من الصيدليات بدون وصفة طبية، وهنالك إثباتات بأنها فعّالة في حالات الكآبة الخفيفة إلى المتوسطة وتأخذ على شكل حبّة واحدة باليوم، وهي تعمل بنفس طريقة مضادات الاكتئاب، ويرى كثيرون أن تأثيراتها الجانبية أقل من الحبوب. ولعلّ المشكلة الوحيدة أنها تتفاعل مع الطريقة التي تعمل بها الأدوية الأخرى التي ربما يتعاطاها المريض، لذا يجب مناقشة الأمر مع الطبيب.

 

 

 

ماذا يحدث إذا لم يأخذ المريض العلاج؟

 

لعلّ الأخبار الجيدة التي تبشّر بالخير تؤكّد على أن أربعة من كل خمسة من المصابين بالاكتئاب يمكن أن يتعافوا تماماً بدون أية مساعدة، وفي فترة تتراوح ما بين 4 إلى 6 أشهر، وأحياناً أكثر. ولكن هذا يعني أن واحداً من هؤلاء الخمسة سيبقى بحاجة إلى علاج، ونحن لا نعرف من سيتعافى ومن سيبقى منهم سوى بعد فترة طويلة من الزمن هي في الحقيقة صعبة وقاسية على المريض الذي قد يلجأ أحياناً إلى الانتحار، كما أن الدراسات تؤكّد أن الإصابة بالاكتئاب مرّة، قد تتبعها مرّات أخرى وبنسبة 50% أكثر من الإنسان الذي لم يصب بالاكتئاب أبداً في حياته. وعموماً، إذا استطاع الإنسان معالجة الاكتئاب بنفسه فهذا أمر جميل يتبعه شعور بالفخر والإنجاز و الثقة بالنفس، ولكن إذا ما استمرّ المرض لفترة طويلة بدون علاج فهذا يعني أن المريض سوف يحرم نفسه من الحياة ومباهجها كلّ هذا الوقت. ويجدر بالمريض أن يوازن بين هذا وذاك، ويقرّر ما إذا كان يريد أن يتعالج أم لا وما إذا كان المحيطون به سوف يشجّعونه على أخذ الخطوة أو يمدّونه بالقوة كي يواجه المشكلة بنفسه ويتغلّب عليها.

 

 

 

الإكتئاب الهستيري manic depression

 

هو نوع من الكآبة التي تحمل أعراضاً مختلفة تماماً عن الكآبة العادية، وفيها يكون الإنسان فرحاً جداً بدون سبب مقنع وفوضوياً جداً ومفرطاً بالنشاط وبطريقة تلفت الانتباه! وهنالك واحد من بين كل عشرة من الناس المصابين بالكآبة الحادّة يمكن أن يمرّ بهذا النوع من الكآبة لفترة من الزمن. وتصيب هذه الحالة النساء والرجال على السواء، وترتبط أيضاً بالجينات العائلية.

 

 

 

مشاهير أصيبوا بالاكتئاب

 

•           الليدي ديانا.

 

•           الممثلة بروك شيلدز.

 

•           الممثلة ايما تومسون.

 

•           الكوميدي جيم كيري.

 

•           جي كي رولنغ مؤلّفة قصص هاري بوتر.

 

•           المخرج السويدي انجمار بيرغمان.

 

•           الممثلة هيل بيري.

 

•           الرسام الفرنسي بول غوغان.

 

•           الكاتبة أجاثا كريستي.

 

•           رئيس وزراء بريطانيا السابق ونستون تشرشل.