عملية نادرة تنقذ جنيناً من تورّم كبير في الرأس

تورّم غير خبيث، نادر للغاية من حيث الحجم، يتمركز في الرأس والحلق داخل فم مولود جديد، حيّر الأطباء في الولايات المتحدة الأميركية. وبعد أن تخلّى غالبيتهم عن الجنين وطالبوا الوالدة بالإجهاض، أجرى رئيس قسم الأنف والأذن والحنجرة لدى الأطفال في مستشفى «جاكسون ميموريال» التابع لجامعة «ميامي» البروفسور اللبناني الأصل رمزي يونس عملية جراحية لاستئصاله فور ولادته. وقد أنقذه بعملية «فريدة من نوعها» كما أطلقت عليها الصحف ووسائل الإعلام الأميركية.

«سيدتي» حاورت البروفسور يونس حول هذه العملية الفريدة.   

- ما هي المشكلة الأساسية التي كان يعاني منها الجنين؟ وكيف اكتشفتها الأم الحامل؟

يبلغ سنّ الوالدة 38 سنة، وهذا هو الولد الرابع لها، وقد عانت أثناء الحمل من بعض المشكلات. وبعد الفحوص، بيّنت الصورة الصوتية تورّماً غير طبيعي في رأس ووجه الجنين في شهره الثالث، فكانت الصورة مخيفة وغير طبيعية. لذا، اقترحت غالبية الأطباء على الوالدة الإجهاض لأن حجم التورّم كان كبيراً جداً وغير مألوف وغير معروفة طبيعته بعد. وإلى ذلك، كانت الأم تعاني من احتباس للمياه بشكل كبير ومزعج، فبعد زيارة عدد من الأطباء قرّروا جميعهم التخلّص من الجنين غير الطبيعي، خصوصاً أن الأعراض اللاحقة غير معروفة بعد، ومن المحتمل أن يكون الخطر على حياة الأم والجنين كبيراً للغاية، غير أن الوالدة أصرّت على إتمام الحمل، ورفضت التخلّي عن الجنين! وبعد عرضها على الإختصاصية في الطب النسائي، خضعت للمراقبة الدقيقة لمتابعة حالتها كما الجنين، ثم عرضت الصور الشعاعية على الإختصاصيين، ومنهم الإختصاصي في الأنف والأذن والحنجرة عند الأطفال.

الصورة الشعاعية كانت مخيفة، ومعلوم أن أوّل ما يجب الإهتمام به تأمين تنفّس الجنين وهو ما يزال معلّقاً بحبل السرة في الرحم، وذلك كي لا يفقد حياته إذا تمّ فصله لعدم وصول الأوكسيجين الضروري له. فكان الطلب أن تضع الأم بعملية قيصرية تحدّد في الأسبوع الـ38 لتأمين سلامة الجنين من دون تعريضه للنزف أو الإختناق، وتعريض الوالدة للنزف أيضاً، لأن الوضع قد يكون مميتاً للإثنين معاً.

 

مراحل العملية

- كيف تمّت المرحلة الأولى من العملية؟

في البداية تركنا الولد متّصلاً بالوالدة، وكان لا بدّ من العمل بسرعة وتحدٍّ لتمكين المولود من التنفّس، وكانت الخيارات المتاحة نظراً لكبر حجم التورّم، إما إدخال قسطل خاص بالتنفّس في القصبة الهوائية من الحنجرة أو إدخاله من الفم. ولكن، المشكلة هنا كانت أنه كان مليئاً بالتورّم وشبه مقفل، فتمّ اختيار إدخاله من الفم تحت التورّم، في المكان السليم فقط في بضع دقائق، وبعد ذلك تمّ قطع حبل السرة بعد التأكّد من أن الولد يتنفّس بشكل طبيعي، وتمّ إرساله إلى غرفة العناية الخاصة بالمواليد الجدد.

 

- ما هو هذا التورّم؟ وهل للمولود الجديد وجه مكتمل؟

طرحنا مجموعة من الأسئلة فور مشاهدتنا الجنين من خلال الصور: هل كان الوجه مكتملاً أم هناك عينان؟ هل هذا التورّم هو من الدماغ؟ وهل هو ممتدّ كثيراً؟ وهل سيعيش الجنين؟ وهل يعاني من

- مشكلات أخرى؟

كان شكل الجنين يبدو وكأنه مضغوط بجنين آخر، وبعد العناية الفائقة تمّ التشاور بين الإختصاصيين الآخرين وأجرينا عدداً من الصور الشعاعية والرنين المغناطيسي لمعرفة ما إذا كان التورّم يصل إلى الدماغ. وقد أظهرت النتائج أن وجه المولود الجديد طبيعي، لديه عينان وفم مفتوح بعض الشيء بسبب التورّم الذي تبيّن أنه يبعد من الدماغ نحو 3 ميلليمترات. بعدما تأكدنا أن وضعه الصحي جيّد، وأنه يعاني حصراً من هذا التورّم، كانت مسؤوليتي أن أحسّن الوضع كما يجب، والتحدّي الأوّل كان إنقاذ حياته في اللحظات الأولى من ولادته، وذلك من خلال تأمين التنفّس الطبيعي، ثم إزالة هذا التورّم.

 

- كيف تمّ إجراء هذه العملية الجراحية؟

بعد إجراء عدد من البحوث عن هذه الحالة الغريبة، تبيّن أنه من النادر للغاية وجود هذا النوع من التورّم، خصوصاً لناحية الحجم. ومن العام 1950 إلى اليوم، هناك 70 حالة فقط من هذا النوع، ولكنها بمجملها أصغر من حيث الحجم، ومعظم المواليد الجدد توفّوا بسببه. وقد أجريت العملية بعد تسعة أيام من الولادة، وكان الخيار إجراءها بدون أي شقّ في الوجه، بل من خلال الفم والمنظار لعدم تعريض الطفل إلى أي نوع من الندوب في الوجه. وإذ استغرقت نحو 5 ساعات، تمّت إزالة التورّم في شكل تام بدون أي ندوب أو تعقيدات، وتعافى المولود الجديد. وبعد ستّة أسابيع من إزالة التورّم، عاد وجهه إلى حجمه الطبيعي.

 

التوأم الطفيلي

- ما هي طبيعة هذا التورّم وحجمه؟

كان حجم التورّم 18 سنتيمتراً لناحية الطول و15 سنتيمتراً لناحية العرض، وبسماكة تصل إلى 15 سنتيمتراً، ووزنه كيلوغرام ونصف الكيلوغرام، علماً أن وزن الطفل كان 3 كيلوغرامات. بعد استئصال هذا التورّم، تمّت دراسة عيّنة منه في المختبر، فتبيّن أنه «تيراتوما» وهو نوع من التورّم الذي ينشأ من خلايا صغيرة مختلفة موجودة أصلاً لتكوين الجنين، ولكن البعض منها ينمو بشكل غير طبيعي في أماكن غير طبيعية، ولا ينتج منها الجنين الأصلي، فتتراكم مشكّلةً هذا النوع من التورّم الذي بإمكانه أن ينمو في أماكن مختلفة من الجسم، علماً أن الأكثر شيوعاً تنمو في الظهر أو في البطن أو في الوجه، ويمكن تسميتها «التوأم الطفيلي» أو «جنين من داخل آخر». ولعلّ الغريب في هذا التورّم أنه فريد من نوعه لناحية الحجم، ويحصل كحالة من بين نصف مليون مولود جديد.

 

- أشرفت على مجموعة من البحوث المتعلّقة بمشكلات الجيوب الأنفية لدى الأطفال. ما هو الجديد في علاجها؟  

لالتهابات الجيوب الأنفية لدى الأطفال أسباب عدّة، أبرزها التحسّس الأنفي والفيروسات واللحمية، فضلاً عن أسباب أخرى تتمثّل في ضعف المناعة أو بمشكلات في تكوين الغشاء أو انسداد في الأنف والجيوب. ويعتمد العلاج على سنّ الطفل والأسباب المؤدّية إلى الإصابة. وهناك وسائل مختلفة للعلاج، منها ما يعتمد الوقاية أوّلاً، ثم العلاج الطبي من خلال الأدوية، وأخيراً هناك الحل الجراحي إذا لم يتجاوب المريض مع الحلول الأخرى. ويعتمد العلاج الوقائي على تجنّب التعرّض للتحسّس عند الأطفال والإبتعاد عن مصدرها وتجنّب التدخين خصوصاً أمام الأطفال.ولعلّ العنصر الوقائي الأساسي هو التشخيص السليم للحالة. بعد التأكّد من التشخيص والإبتعاد عن كل مسبّبات الإصابة، يمكن البدء بالعلاج الطبي الذي يعتمد على إعطاء المضادات الحيوية والبخّاخات لتنظيف الأنف وأخرى للتخفيف من التورّم والإلتهابات. أما العلاج الجراحي، فيتمّ اللجوء إليه إذا فشلت الوسائل العلاجية الأخرى، وما يزال الولد يعاني من المشكلات في الجيوب الأنفية. وعادة ما يتمّ على مراحل: المرحلة الأولى إزالة اللحمية، والمرحلة الثانية تنظيف الجيوب الأنفية وتوسيعها بجراحة المنظار. ومن الممكن إجراؤهما معاً في بعض الحالات الخاصة.