في تجمعات عائلية عدة، في المطاعم والمراكز التجارية، يلفت أمر الأطفال العرب، في سن المدرسة وقبلها، الذين لا يتحدثون لغتهم الأم؛ ما يستدعي البحث في الأسباب، وتسليط الضوء على مُبادرات لتحبيب الصغار بالعربية.
في اليوم العالمي للغة العربية، التي يتكلمها يوميّاً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة والموافق في الثامن عشر من ديسمبر والمحدّد من الأمم المتحدة، دعوة من «سيدتي» إلى الأهل لبذل جهود أكبر، في إطار جعل الصغار يتكلمون العربية بطلاقة ويكتبونها.
اعداد - نسرين حمود
رسوم : دعاء عمار
تتفق د. راما كنج، الاختصاصية في علم النفس التربوي، مع «سيدتي»، لناحية اهتمام بعض الأهل بإتقان صغارهم الإنجليزية (أو الفرنسية)، بصورة تتجاوز العربية، بحجة أنه بذلك يسهلون على الأطفال الانضمام إلى الحضانة أو المدرسة ذات المنهاج الإنجليزي، موضحة أن الولد أو البنت في المرحلة السابقة لعمر السادسة أو السابعة، يستطيع أن يتعلم لغات عدة، في وقت واحد، لأن الدماغ مؤهل ليستوعبها، بشكل أسهل.
ما رأيك بالاطلاع على أدب الطفل.. جهود عربية لمخاطبة عقول الصغار والناشئة
الأهل والمربية والمدرسة
تضيف، في إطار ذكر الأسباب التي تجعل العربية تغيب عن ألسنة الأطفال، أنه في حضور المربيات الأفريقيات أو الآسيويات، وفي إطار تقديم قدوة لهن في كيفية التعامل مع الصغار، تضطر الأمهات إلى التحدث بالإنجليزية، ليتشرب الأولاد والبنات ذلك. كما تذكر أن المدرسة تقوم بدور في المجال؛ أي في تعلّق الأطفال العرب باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، بصورة لا تتوازى مع العربية، خصوصاً أن لغة التدريس الأولى لغالبية المواد في المدارس الخاصة بالدول العربية، ليست العربية، بالتالي لا يتعرض الأطفال كثيراً لها. مواد الإنترنت، بدورها، أجنبية (المسلسلات الدارجة والكتب وألعاب الفيديو تتمحور حول شخصيات غير عربية، وإنجليزية تحديداً)، ليشعر الأطفال من المشاهدين بغياب الدافع إلى تعلم العربية التي لا تمثل لهم مصدراً للتشويق أو الترفيه. خلال وقت اللعب، يقيم الأطفال صلات بين الوقت المنقضي في مقابل شبكة الإنترنت وألعاب الفيديو وبين اللغة الإنجليزية. كما عند الحديث مع أقرانهم عن الألعاب المذكورة أو المسلسلات، هم يستخدمون الإنجليزية لغة للتخاطب. تقول د. كنج: «على الرغم من محاولات جهات عدة، لكتابة قصص بالعربية جذابة، أو مسلسلات أو حتى أغاني، لكن هناك نقص مقارنة بالمواد الإنجليزية المتوافرة». وتضيء على الآتي: «العربية أصعب في تعلم قواعدها مقارنة بالإنجليزية، إضافة إلى أن الناس يتحدثون الدارجة، فيما لغة التعلم هي الفصحى، التي تزيد أمر التقرب منها تعقيداً».
"بعض الأهل ليسوا مصرين على تعلم أطفالهم العربية"
د. راما كنج
صحيح أن هناك مبادرات لأهل متمسكين بأصولهم، يصرون على أن يسجل الأطفال الذين يتابعون دروسهم في مدارس أجنبية، بنشاطات لتعلم اللغة العربية في بيئة لطيفة ومسلية، كما قد يعين البعض منهم مُدرّسة للعب مع الطفل وقص القصص عليه بالعربية، حتى يحبها ويربطها بالتسلية. في المقابل، هناك أهل آخرون يطلبون إعفاء أبنائهم وبناتهم من صفوف العربية أو دخول الصغار صفوف تعلم العربية المعدة للأجانب! تقول: «ترد إلى عيادتي، حالات تطلب إجراء تقييم نفسي تربوي للأطفال، للتعرف إلى ما إذا كانوا عن حق يشكون من صعوبات في تعلم العربية حتى أرسل تقريراً إلى المدرسة لتعفيهم من المواد العربية وتلحقهم بصفوف العربية لغير الناطقين بها، أو لتخفيض الصف الذي يتلقون فيه العربية تحديداً. وهذه الطلبات تردني بكثرة، وبصورة أسبوعية؛ ما يعني أن بعض الأهل ليسوا مصرّين على تعلم أطفالهم العربية».
«وقود العقل»
بعد عدّ الأسباب التي تبعد الأطفال عن لغتهم، لا مناص من تسليط الضوء على مبادرات لتحبيب الصغار العربية، ومنها: «وقود العقل»، الشركة الكويتية؛ عنها، تتحدّث صاحبتها كوثر محمد محسن خزعل، فتقول: «لم تولد فكرة مشروع «وقود العقل» في يوم وليلة؛ كان يتملكني حب وشغف بتثقيف العقول الصغيرة، بصورة جديدة. بحوثي لا تتوقف عن الأشياء التعليمية المتفقة مع الهوى المذكور. وطالما مارست متعة التسوق في المواقع الأجنبية عن ألعاب تعليمية بزخم لا ينافسه توفر الموارد باللغة العربية». وتضيف: «رغبتي في العلم والتعلم كانت الدافع الرئيس وراء تأسيس مشروع «وقود العقل»؛ حيث الفكرة ليست جديدة، لكن طرق طرحها وممارستها تختلف. لذا، حرصت على البحث عن فريق عمل يشاطرني الاهتمام والفكرة، والتقيت أمهات حاصلات على شهادات مختلفة في ميادين البزنس و«المونتيسوري» والتربية، إضافة إلى فطرتهن وتجاربهن المختلفة في عالم الطفل وما يحتاج إليه لتطوير مهاراته».
عن القصص والألعاب الصادرة من «وقود العقل»، تشرح أنها من خلال الشركة، خلقت فرصة لتعويض جزء من النقص الكبير في طرق تعليم اللغة العربية. وتزيد: «أعددت وفريق العمل ملفات تعليمية شاملة، ومنهجاً مدروساً يشعر المتلقي بالأريحية، ويدمج التعلّم بالمُتعة واللعب. من بين الملفات، يركز البعض على الكتابة وتهجئة الحروف وتركيبها، بصورة لا تخلو من تحدّ، من خلال المغناطيس على البطاقات، إضافة إلى إصدار عدد كبير من القصص العربية ذات الجودة الممتازة، موضوعاتها من القرآن الكريم، وأخرى تركز على تعليم الطفل المشاعر، وغيرها الكثير، مع الحفاظ على كيان اللغة العربية وقيمنا».
"مواد «وقود العقل» تعوض جزءاً من النقص الكبير في طرق تعليم اللغة العربية"
كوثر خزعل
عن تفاعل الأطفال مع القصص والألعاب المذكورة، تقول: «الصغار في عائلتي هم المجتمع الصغير الذي انطلقت من خلاله للتقييم والتجربة؛ في عداد أسرتي عدد كبير من الأطفال من أعمار مختلفة، والغالبية متمكنة من اللغة الإنجليزية، بصورة لا تضاهي التمكن من اللغة العربية. ركزت على الاختلاف وأسبابه، مع محاولات مني لمعرفة ما يشد الطفل وما يحتاج إليه للفت انتباهه».
تأمل خزعل بأن يصنع الجيل الحالي عدداً من الألعاب، باللغة العربية؛ تقول: «أقدّر صعوبة هذه المهمة، على صعيد المشاريع الصغيرة، لكن ما دام الهدف واضحاً، واثقة بأننا سنكبر آملين أن الدول الإسلامية ستنتج وتبدع في المستقبل القريب».
يمكنك أيضًا الاطلاع على العمر المناسب لتعليم الطفل القراءة
التطبيقات وجيل «ألفا»
للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي حضور قوي في حياة جيل «ألفا»، الذي يتحدر مواليده من عام 2010 وبعده؛ لذا لا مجال للحديث عن وسائل تحبيب الطفل بالعربية، من دون ذكر التطبيقات. في هذا الإطار، شروح عن «ضمّة»، التطبيق التعليمي الترفيهي للأطفال من سن 3 إلى 8 سنوات.
عن «ضمة»، يقول سمير الخطيب، مدير المشروع المنضوي تحت «شركة المستقبل الرقمي» إن «التطبيق يهدف إلى تقديم محتوى رقمي تفاعلي جذاب، بأسلوب ممنهج. ينقسم التطبيق إلى ثلاثة مستويات تعليمية متدرجة الصعوبة، علماً أن كل مستوى يتضمّن مواد القراءة والعلوم والرياضيات. ويعتمد التطبيق على المحتوى التفاعلي الذي يُحفّز الطفل على تقديم مدخلاته، وليس تلقي المعلومات حصراً، فيكون بذلك التعلم ذاتياً».
"اهتمام الصغار باللغة الإنجليزية، بصورة تتجاوز العربية، يرجع إلى شبكة الإنترنت"
سمير الخطيب
ويزيد: «بدأ التطبيق باللغة العربية، ثم تطور ليقدم المحتوى ذاته باللغة الإنجليزية، مع عرض المفاهيم بأسلوب قصصي؛ حيث يتعلم الطفل عبر الاستماع للقصة ومراقبة أحداثها؛ ما يساهم في إثراء مخزونه اللغوي والتعبيري».
يُرجع الخطيب اهتمام الصغار باللغة الإنجليزية، بصورة تتجاوز العربية، إلى شبكة الإنترنت والمدخلات الإعلامية المتعددة التي يتلقاها الأطفال في هذا العصر. يقول: «هم يرون أن الشخصيات الكرتونية المفضلة لهم تتكلم الإنجليزية، كما يجدون تحفيزاً شديداً على تعلم اللغات الأجنبية، إضافة إلى توافر وسائل تعليمية ممتعة ومتقدمة، باللغات الأجنبية. هذا الأمر جعل من الضروري تقديم وسائل تعليميّة بديلة ذات جودة ومعايير عالمية، وباللغة العربيّة الفصحى من أجل تحفيز الأطفال على الاستمتاع بتعلم العربية».
يمكنك متابعة اللقاء على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط رغم التحديات والعثرات... مبادرات لتحبيب الأطفال بالعربية