اللغة هي جسر التواصل الإنساني بين البشر، ومنذ ولادة الطفل ينتظر الوالدان الوقت الذي سيتمكن فيه الرضيع من فهم لغتهما؟ وبعدها تأتي مرحلة الكلمات، والسؤال متى يفهم الرضيع كلامك؟ ومتى يدرك معنى الكلمات؟ وكيف يستطيع أن يترجم هذه الأصوات إلى معانٍ في ذهنه؟
ولأن تطور اللغة لدى الأطفال عملية معقدة، تتشابك فيها الجينات الوراثية مع مكتسبات البيئة، و تتناغم فيها أيضاً القدرات الإدراكية، والسمعية، والاجتماعية للطفل. كان اللقاء والدكتور إبراهيم الدالي أستاذ الأصوات وتعديل اللغة للتعرف على تلك اللحظات الساحرة التي يبدأ فيها الرضيع فهم العالم من حوله عبر اللغة، ويعرفنا كيفية تطوير القدرة اللغوية لديه، وكانت بحق الإجابات مذهلة.
خطوات تطور لغة الرضيع بين الفطرة والاكتساب:
نقطة البداية:
تطور الفهم اللغوي لدى الرضع هو عملية تدريجية، والمذهل أنها تبدأ منذ اللحظات الأولى للولادة وتستمر على مدار العام الأول وما بعده؛ حيث يبدأ الطفل في تمييز الأصوات والنغمات ثم يتطور إلى فهم الكلمات والاستجابة لها، ولا جدال في أن دور الأهل في تعزيز هذا التطور اللغوي مهم وكبير.
منذ اللحظة الأولى: اللغة قبل الكلام
منذ اليوم الأول لولادة الرضيع، يكون محاطًا بالعالم المليء بالأصوات؛ أصوات الأهل، الموسيقى، أصوات الطبيعة وحتى ضجيج الحياة اليومية، وعلى الرغم من أن الرضيع لا يفهم المعاني الكامنة وراء هذه الأصوات في البداية، إلا أن دماغه يبدأ في تكوين روابط بين الأصوات والوجوه والمواقف المحيطة.
اللغة ليست مجرد كلمات منطوقة، بل هي سلسلة من الإشارات المتنوعة تشمل تعابير الوجه، نبرة الصوت، والاتصال البصري، والطفل منذ لحظاته الأولى يتفاعل مع هذه الإشارات دون أن يدرك معناها بالكامل، والتواصل اللفظي مع الطفل منذ ولادته يساعده على بناء أساس قوي لفهم اللغة مستقبلاً.
ماذا تعرفين عن..ألعاب الرضيع في الشهر السابع؟
الأسابيع الأولى: تمييز الأصوات والاهتمام بالنبرة
تعتبر هذه المرحلة حجر الأساس في تطوير مهارات الاستماع، فالطفل يتعلم من خلال مراقبة الإشارات الصوتية حوله وربطها بالعواطف والسياقات المختلفة، لذا من المهم التحدث مع الطفل باستمرار وبنبرة صوت حنونة، ما يساعده على إدراك الكلمات المتكررة وفهم النبرة العاطفية من غيرها.
من 3 إلى 6 أشهر: الاستجابة للمناغاة وتقليد الأصوات
في هذه المرحلة، يبدأ الرضيع في المناغاة الصوتية وكأنه يقلد الأصوات التي يسمعها من حوله، ولا تعد هذه المناغاة كلمات حقيقية، ولكنها تشكل أولى محاولات الطفل للتواصل، و يظهر هذا السلوك وكأنه طريقة للتدرب على الأصوات اللغوية، و يبدأ الطفل في ملاحظة أن الأصوات التي يصدرها تجذب انتباه المحيطين به، مما يشجعه على الاستمرار في المناغاة، وهي لغة الطفل في تلك الفترة.
بحلول عمر 4 أشهر، يبدأ الرضيع في الاستجابة بشكل أكبر للأصوات المألوفة، مثل اسمه، فقد تلاحظين أنه يلتفت عند سماع اسمه أو يستجيب لبعض الكلمات البسيطة، مثل "بابا" أو "ماما"، حتى وإن لم يكن يفهم معناها بعد، وتكون استجابة الطفل في هذه المرحلة مرتبطة بالنغمات والتكرار أكثر من المعنى اللغوي للكلمات.
من 6 إلى 9 أشهر: زيادة الفهم والتفاعل مع المحيط
بين عمر 6 و9 أشهر، يبدأ الرضيع في فهم بعض الكلمات البسيطة والإشارات التي يكررها الأهل، يمكنه ربط بعض الكلمات بالأفعال أو الأشياء المحيطة به، على سبيل المثال، قد يفهم الطفل كلمة "شرب" عندما تُقال له قبل تقديم الزجاجة، أو يدرك معنى "وداعًا" عندما يرى أحد الأفراد يغادر فيستخدم هذه الكلمة مع الحركة.
بل وتظهر علامات واضحة تدل على تطور الفهم اللغوي في هذا العمر، حيث يبدأ الطفل في توجيه الانتباه للأشياء التي تسميها الأم أو الأب، مثل لعبة مفضلة أو شخص معين، الأطفال في هذا العمر أيضًا يصبحون أكثر قدرة على قراءة تعابير الوجه والنبرات العاطفية التي يستخدمها الكبار.
من 9 إلى 12 شهرًا: فهم المقصود وراء الكلمات
بحلول نهاية السنة الأولى، يصبح لدى الطفل قدرة متزايدة على فهم المقصود من الكلمات، على الرغم من أن عدد الكلمات التي يفهمها الطفل لا يزال محدودًا، إلا أنه يكون قادرًا على ربط تلك الكلمات بالسياق، مثل "تعال"، "توقف"، "لا"، "نعم"، وغيرها من الأوامر البسيطة.
يمكن أن يستجيب الطفل بتصرفات تعبر عن فهمه لتلك الكلمات مثل الزحف نحو الأم عند قول "تعال" أو الابتسام عند سماع كلمة "مرحباً"،
كما يبدأ الطفل في تمييز التفاعلات الاجتماعية ويربط بين الكلمات والمشاعر.
يكتشف أن كلمات مثل "جيد" تُستخدم في مواقف مشجعة، بينما كلمة "لا" ترتبط بمواقف تتطلب التوقف عن فعل شيء معين، هذا الربط المبكر بين اللغة والسلوك يعتبر مرحلة هامة في تطور الفهم الاجتماعي واللغوي لدى الطفل.
بعد السنة الأولى: الانفجار اللغوي وبداية الكلام
بعد أن يتم الطفل عامه الأول، يبدأ ما يعرف بالـ "الانفجار اللغوي". في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في اكتساب المزيد من الكلمات بشكل سريع، يمكن أن يبدأ الطفل في نطق بعض الكلمات البسيطة مثل "ماما"، "بابا"، أو أسماء بعض الأشياء المألوفة.
إلى جانب اكتساب الكلمات، يزداد فهم الطفل للغة، في هذه المرحلة، يستطيع الرضيع فهم جمل قصيرة مثل "أين الكرة؟" أو "أعطني اللعبة"، كما يمكنه الاستجابة لتلك الجمل عبر إشارات أو تصرفات معينة مثل الإشارة إلى الكرة أو تسليم اللعبة.
كيف تساعدين طفلك على تطوير مهاراته اللغوية؟
دور الوالدين في هذه المرحلة حيوي للغاية، ويتمثل في التحدث مع الطفل بشكل مستمر، ما يساعده على تعلم الكلمات وفهم السياقات المختلفة، ولتعزيز مهارات طفلك اللغوية اتبعي الآتي:
التحدث بشكل مستمر: اجعلي التحدث مع طفلك جزءًا من يومك العادي وصفي له ما تفعلينه، اسأليه أسئلة حتى لو لم يكن يستطيع الإجابة بعد، وسمي له الأشياء من حوله.
قراءة القصص: القراءة للطفل من عمر مبكر تفتح أمامه عالماً من الكلمات والأصوات الجديدة، اختاري قصصًا تناسب عمره وتحتوي على صور ملونة لتعزيز التفاعل.
استخدام الإشارات: بالإضافة إلى الكلمات، استخدمي الإشارات والحركات مع طفلك، مثلاً قومي بالإشارة إلى الأشياء عند تسميتها، فهذا يساعد الطفل على الربط بين الكلمات والأشياء
التفاعل مع المناغاة: عندما يناغي الطفل، تفاعلي معه كأنه يجري حوارًا، هذا النوع من التفاعل يشجعه على الاستمرار في تقليد الأصوات والتدرب على الكلام.
تكرار الكلمات: التكرار مهم جدًا للأطفال الصغار، أعيدي الكلمات والجمل بشكل متكرر حتى يعتاد الطفل على سماعها وفهمها.
*ملاحظة من"سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.