أحب البيوت

مريم شمص
مريم شمص
مريم شمص

أحب البيوت التي خبزها دائماً طازج، وشايها دائماً ساخنٌ حلوٌ وركوة قهوتها دائماً جاهزة لفنجان «أهلاً وسهلاً»...
أحب البيوت التي على مائدتها دوماً صحنٌ إضافيٌّ لضيفٍ عابر، وفي طبختها نصيبٌ لعزيزٍ نتذكّره في كلّ مرّة نتذوّق طعمها.. البيوت التي تخرج منها علب الطعام الشهيّة لحفيدٍ بعيدٍ لم يحضر في عطلة نهاية الأسبوع، أو لكنّةٍ عاملةٍ لا وقت لديها لتحضير الوجبات الصعبة..
أحبّ البيوت التي تزيّنها بسمة ربّة المنزل وتنيرها سماحة وجه ربّ البيت.. التي تسودها المودّة لدرجة تشعرك كأنّ الابتسامات مطبوعة على أوراق جدرانها، والكلمات الطيبة معلّقة بين ذرّات هوائها..
تلك البيوت التي في أدراجها على الدوام كيس سكاكر مخبّأ لأطفال قد يأتون فجأة في زيارة مع أهلهم، وفي خزنتهم كيس نقود احتياطيّ قد يطلبها عزيز محتاج على حين غرّة..
أحبّ البيوت التي يستقبلنا أصحابها بأبواب مشرّعة على اتساعها، ويخصصون لنا الركن الأجمل في غرفها.. التي يلحقنا أصحابها عند رحيلنا حتى العتبة، يرشّون علينا من سلال الحبّ باقاتٍ، يحيطوننا بأدعية السلامة، ويستحلفوننا بأن نعود لزيارتهم في أقرب وقت.. أولئك الذين يودّعوننا من على الشرفات بأكفٍّ ملوّحةٍ وبعيونٍ غائمةٍ بالمحبّة، تربط قلوبنا بوشائج الحنين إليها فور مغادرتها..
أحبّ البيوت الكريمة، تلك التي تشعر من فرط حميميتها كأنّها أوطانٌ صغيرة، تمرُّ بأهلها مرّةً فيسكنونك إلى الأبد.
أحبّ البيوت الوارفة، التي كلّما دخلت إليها شعرتَ كأنك غُمِرتَ بمعطفٍ من حبَقٍ وياسمين، وكلّما غادرتَها، شعرتَ كأنّ الحبقَ يفوح من أطراف أصابعك حتى عودتك إليها مرّةً أخرى..
أحب البيوت التي مازالت تؤمن بالتقاليد والقيم ولا تعدّها موضة بائدة، فيحترم أهلها كبيرهم ويحنون على صغيرهم.. البيوت التي تتزين للأفراح والأعياد، وتحترم حرمة المناسبات.. التي لايزال أهلها يطفئون جهاز التلفاز عند وفاة جارٍ قريب احتراماً لحرمة الحزن.. ويطلقون الزغرودة الأولى عند فرحةٍ تزور جارهم السابع.. ويفتحون أبوابهم للتوسعة على جيرانٍ ضاقت دارهم بمدعوّيهم في أية مناسبة.. 
أحبّ البيوت التي تربّي أبناءها على صلة الرحم والكرم وسماحة الوجه ولين القول وحسن الضيافة.. التي تربّي أبناءها على الرحمة، والتسامح، والإحسان. التي تذكّرهم أنّ الرّاحمين يرحمهم الله، والمحسنين يحبّهم الله، التي تعلّمهم أنّ فظاظة القلب تصرف الناس عن بعضها، وأنّ حبّ الخير للغير يأتي بالخير للجميع.. تلك البيوت التي تحرص أن تقدّم للحياة أشخاصاً يجعلونها مكاناً أجمل وأفضل.. 
أحبّ البيوت الجميلة، التي يسكنها السلام والخير والجمال. 
تلك البيوت التي تصنع الحياة، وتصنع الإنسان. لأنّ أصحابها يعرفون أهمّية أنّه في داخل البيوت تُصنَع الحياة ويُصنَع الإنسان، فيجعلونها أهلاً لهذه المهمّة، ومكاناً يليق بهذا الدور..