اخْرُجْ عن النّص!!

مريم شمص
مريم شمص
مريم شمص

 

قد يخطر في بالك أحياناً أن تخرج عن النص، في السيناريو الذي رسمته مسبقاً لحياتك، أو ذلك الذي تعلم أنه كتب لك بأيدي الآخرين.

قد تشعر فجأة بأن الكلمات التي تقولها تخرج بصوت شخص آخر، صوت ليس صوتك أنت.

قد تشعر بوجهك ثقيلاً على روحك، كأنه ليس وجهك، كأنه قناعٌ ليس أكثر.. كأن عينيك ليستا عينيك، كأنهما مجرد عدسات لاصقة بألوانٍ غريبةٍ عن قلبك.

قد تكتشف في لحظة من اللحظات أنك مجرّد مؤدٍّ ماهر، لدورٍ وجدت نفسك فيه.. إنك مجرّد شخصٍ يؤدّي دوره بإتقانٍ، وحين تنزل الستارة في آخر النهار، يجرجر نفسه عن المسرح مرهقاً.. يخلع في الظلام حيث لا تراه عيون المشاهدين، وجهه وعينيه وصوته وبصمات أصابعه، ليستطيع أن ينظر في مرآته بسلامٍ، وينام.

حين تشعر بكلّ ذلك: لا تتردّد.. اخرُجْ عن النّص!

تخلّص من ذلك الصوت الذي لا يشبهك.. ولا تنطق إلّا بصوتك.

احْرقْ القناع الذي يحجب عن الضوء ملامحك الأصليّة.. ولا تبتسم إلا بوجهك.

انزعْ تلك العدسات التي تقف بينك وبين ألوان الكون الحقيقية.. ولا تنظر إلا بعينيك.

وبأصابعك التي كنت تخفي بصماتها بقفّازات من حذر، مزّق السيناريو المكتوب لبطلٍ غيرك، فأنت لستَ بديلاً لأحد.

لا تتردّد، وتذكّر أنّ الأصوات التي ننتحلها لا تنطق بالحقيقة، والوجوه التي نتنكّر بها ألوانها صباغُ يزول مع أول هبّة مطر.

اخرج عن النّص وارتجل نصّك أنت، نصّك الذي كتمته طويلاً في صدرك.

قد يقفز من ارتجالك الثائر فرحٌ حلمتَ به طويلاً.. كأرنبٍ يقفز من قبّعة ساحرٍ في وجه طفلٍ مدهوش.

قد تبدأ قصتك الحقيقة التي ستجعلك بطلاً، من كلمةٍ قلتها من قلبك.

ولكن حذار.. حذار..

عليك أن تعرف أنّه ربّما..

ربّما لن يصفّق لك الجمهور إعجاباً.. ربّما لن يستسيغ زملاء المسرح ارتجالك المنغّص لخططهم المسبقة.. وربّما لن يتقبّل الذين سلّمتهم إخراج مشاهدك ارتفاع صوتك فوق سقف توقّعاتهم.

بل ربّما أيضاً، أجل ربّما.. سيقضم الأرنب السحريّ طرف أنفك ويؤلمك.. لا يهمّ..

كلّ ذلك لا يهمّ.

اخرج عن النّص الذي يحبسك في علبةٍ من ضجر.. واقفز عن المسرح الذي يقيّد خطواتك بحدود مساحته.. ولا تنتظر تصفيقاً من جمهورٍ تعرف أنّ كلّ واحدٍ منهم ينتظر تصفيقاً من جمهورٍ آخر. ولا ترجُ إعجاباً ممّن يريدون أن يشعّوا على حساب انطفاء روحك.

صفّق أنت لنفسك.. واعجَب أنت بنفسك.

واختر أنت بنفسك جمهورك، ومسرحك، ورفقاءك، وتوقيت عروضك، وتوقيت استراحتك.

تصفيق الآخرين مجرّد صدىً عابر، لا تربط نجاحك في الحياة بحبالٍ من صدى.. كُن أنتَ، فليست إلّا حياة واحدة، والدّور الذي ستلعبه فرصة تأخذها لمرّة وحيدة.. كن أنتَ، فهو دورُ عمرِك.