العمر الذهبي

رندة صادق بركات
رندة صادق بركات
رندة صادق بركات

خطوات قليلة وتخلع الشمس عتمة الليل، وتبدأ في ارتداء وجه النهار، تنطلق الأمنيات مع الصباح تدعو الله سبحانه وتعالى أن يكون اليوم يوماً طيباً في مسيرة أيام حصيلتها عمراً وسنين.
مهيب الضوء في جرأته، يكشف كل عيب ويضيء على كل جميل، وجوه تختبئ خلفها حكايات فيها انكسارات وانتصارات، ابتسامات ودموع، حب وشغف وتنافر محطات طويلة مدهشة حيناً وغريبة في أحيان أخرى، إنه البعض في داخل الكل والجزء المكمل لمشهد يطلق عليه اسم: الحياة.
يقول الفنان والكاتب والفيلسوف الروماني إميل سيوران: "مع التقدم في السن يتعلم المرء مقايضة مخاوفه بقهقهته".
 الحذر والقلق سمة من سمات هواجسنا التي تتراكم مع تراكم سنوات العمر، حيث نصاب بحالة مبهمة تجعلنا عالقين في قبضة الانتظار، عندما قرأت هذا القول لإميل سيوران توقفت كثيراً أمام تلك الوجوه الكهلة التي يبدو أنها نسيت كيف تبتسم وجوه يعلوها غبار من نوع خاص، غبار يهب من تدهور الوضع الاقتصادي العالمي وضبابية المشهد؛ لأننا في مرحلة الولوج إلى عالم مالي جديد سيغير كل القوانين المتبعة في التعاملات المالية الدولية من جهة وغبار كورونا من جهة أخرى هذا الفيروس الذي يحمل في طياته الموت المغلف بسلام أو بقبلة أو بحضن من نحب من أزواج وأبناء أو أحفاد أو أهل أو أصدقاء، إنها مغامرة العاطفة القاتلة الصامتة تأسر الحياة الرتيبة التي بتنا نشتاق إلى رتابتها.
لذا كلنا نتساءل: ماذا بعد وكيف تتكيف كل الفئات العمرية عامة وفئة المتقاعدين خاصة مع المتغيرات الطارئة التي نعيشها جميعاً؟
من المهم أن نستعيد قدرتنا على الابتسامة التي تخرج من دواخلنا، ولا يعوقها القلق أو الخوف أو أي اضطراب لنحرر أرواحنا المسجونة في جسد مقيد بحدود المكان والزمان.
هذه الانطلاقة قد تصطدم بواقع اجتماعي يكبح جموح الروح، خاصة في عالمنا العربي الذي يعيش وفق ضوابط وأفكار ومفاهيم تحكمها الأعراف والتقاليد، نجد مثلاً أن مفهوم الشيخوخة في مجتمعاتنا قاس إلى حد كبير؛ لأن هناك صورة نمطية تحكم نظرة المجتمع نحو من تقدم في العمر، نظرة ظالمة إلى حد كبير، حيث تعتبر المرأة متقدمة بالعمر عندما تبلغ سن الخمسين وما فوق، والرجل عندما يبلغ سن الستين وما فوق لكن هذا التصنيف يعدّ قديماً بعد أن جاءت منظمة الصحة العالمية واقتلعته من جذوره، حيث وضعت تصنيفاً جديداً لمراحل عمر الإنسان، أكدت من خلاله أن الإنسان يصنف شاباً حتى سن الخامسة والستين بغض النظر عن جنسه ذكراً كان أم أنثى، وهذا الأمر يعتبر نقلة نوعية خاصة بالنسبة للمرأة العربية التي كانت بعض المجتمعات تربط حياتها وشبابها بعمر الإنجاب، وليس بعمرها الفكري والإنتاج، من المؤكد التصنيف الجديد يفتح آفاقاً نفسية جديدة لمن يقترب من عمر الستين، ويظن أنه أصبح خارج الحياة، من هنا علينا جميعاً إعادة صياغة مفاهيمنا وتحديثها بشكل يتفق مع الواقع العالمي الذي يعتبر انتصاراً على النمطية الضيقة التي مارست قسوتها لعقود كثيرة، حيث كانت الفكرة السائدة تقول هذه الفئة العمرية هي فئة لا دور لها وتعيق تطور المجتمعات؛ كونها تتحول إلى فئة مستهلكة لا منتجة وتلقي بثقلها على واقعها الاقتصادي.
مع هذا الواقع الجديد يتضح لنا معنى قول جوزيف رينان "عمرك الذهبي أمامك وليس وراءك".
نعم ثق أن الآتي أجمل وأنك في المرحلة الذهبية من عمرك، وأنك في أوج نضجك وعطائك؛ لأنك الفئة التي تملك خبرات ضخمة وكبيرة بإمكانها أن توظفها لمساعدة الجيل الذي قد يملك العلم، ولا يملك الخبرة الكافية للنهوض بمجتمعه وبيئته.
المطلوب من مجتمعاتنا العربية تعديل هذا المفهوم والتحرر من النظرة الضيقة لمن دخل عمر التقاعد.