بين التسمين والتنحيف أين هي المرأة؟

د. العالية ماء العينين
د. العالية ماء العينين
د. العالية ماء العينين

ارتبطت الصورة النمطية للمرأة في فضاء الثقافة الحسانية (الجنوب المغربي وشمالي موريتانيا) بنظرة خاصة لجمال المرأة خصوصاً جسدها. ويبرز "لَبْلوحْ" أو ظاهرة تسمين الفتيات، كواحدة من أهم معايير الجمال في هذا المجتمع. وقد طغت هذه الصورة على ما عداها، حتى أصبحت لصيقة بالمرأة الحسانية، ومادة دسمة للكتابات الصحفية، والتي تتعامل معها بخلفية عجائبية لا تخلو أحياناً من السخرية والأحكام القيمية على مجتمع بأكمله.
في مقابل هذا المعيار المرتبط بثقافة محلية تقليدية، تبرز على الضفة الأخرى صورة المرأة النحيفة كرمز "عالمي" للجمال والرقي، أو هذا ما أقنعنا به سدنة الموضة والمال ووسائل الإعلام.
إلى أي مدى يمكن الحكم بأن هاتين الصورتين، تعبران عن إجماع مجتمعي في صورته المحلية، والعالمية؟ وهل هناك فعلاً فرق بين العقليتين، حيث يتم النظر إلى الأولى كمظهر تخلف والثانية كمظهر تحضر؟
ظاهرة "لَبْلوحْ" على الرغم من شيوعها لم تكن محل اتفاق اجتماعي، بل إنها دخلت دائرة الفتاوى، وهذا دليل على أنها أثارت نقاشاً وخلافاً، لأن بعض أساليب لبلوح كانت عنيفة، بل ومميتة أحياناً، وتُخضع الفتيات للتسمين بالعنف. وهذا دفع بالكثير من العلماء والفقهاء إلى رفضها، بل وتحريمها "إذا أدى لضرب أو ضرر بالجسم أو ضياعة للطعام". وهذا النقاش الشرعي، الذي سيتعزز في العصر الحديث بحركات توعية اجتماعية ضد "لبلوح"، يكشف أن هذه الظاهرة لم تكن محل إجماع.
الشيء نفسه بالنسبة للنحافة كمعيار للجمال، والتي تسببت في كوارث صحية خصوصاً بالنسبة لعارضات الأزياء، اللواتي فقدت الكثيرات منهن الحياة بسبب التجويع للوصول إلى أقصى درجات النحافة، فقد نشأت حركات نسوية، لمحاربة سجن الجسد في قالب واحد، مدافعات عن صورة المرأة "البدينة" وحقها في فرض حضورها بالشكل الذي يرضيها، وتم إصدار العديد من المنشورات ضد التمييز على أساس الحجم. كما تم إنشاء علامات تجارية للملابس ومجلات الموضة خلال هذا الوقت لاستهداف الجمهور من البدينات. 
نستنتج مما سبق أن كلا الوضعيتين، أنتجت اتجاهاً معاكساً ومخالفاً لمحاولة سجن الجسد النسائي في قالب واحد. كما أنها تُظهر تسلطاً في التعامل مع جسد المرأة واعتباره ملكية جماعية. تبتغي الحالة الأولى (لبلوح) تكريس نموذج المرأة الممتلئة لإرضاء المجتمع وتنفيذ رغباته. وفي الوضعية الثانية (جسد المانيكان) إرضاء لعالم المال والأعمال، الذي يكرس صورة واحدة لامرأة صالحة لاستهلاك ما تنتجه دور الأزياء العالمية والنسخ المشوهة عنها في كل أنحاء العالم.
في كتابها "هل أنتم محصنون ضد الحريم؟" تقول، عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي متحدثة عن الموضة، إن ما تمليه مصانع الصور والقوانين الإعلامية من معايير جمالية على النساء الغربيات، وهو ما تطلق عليه "الحريم الذهني"، يعطي للرجل هامشاً كبيراً من حرية التصرف في المرأة، خارجياً، وتعبر عن ذلك بطريقتها الساخرة قائلة:
" بطن الرجل قد يتكور قليلاً من دون مشاكل... يستطيع الرجل أن يهرم من دون الإصابة بعقد نفسية، لأن الشيب على الصدغين يمثل قمة الإغراء، أما المرأة التي تجازف بعدم تخصيب شعرها الشائب وتمتلئ مع تقدمها في السن، فهي البشاعة بذاتها..." الملاحظ في النقاش حول هاتين الظاهرتين، بصورتيهما التقليدية و"الحداثية"، أنه يُغَيِّب أمرين أساسيين أولهما صحة المرأة، وثانيهما رغبتها. كما أنه يلغي الجانب الأهم وهو رضى المرأة عن نفسها وتصالحها مع ذاتها في كل أحوالها.