أشتهي يوماً تافهاً، يوماً سخيفاً فارغاً، يوماً سطحياً، أعبره بخفّة وسهولة، أمشي فوقه بسلاسة، لا تلمس فيه أطراف روحي ماءً ولا يابسة، ولا يطاله رذاذ وحلٍ ولا زَبَد موجٍ..
أشتهي يوماً ساذجاً بسيطاً.. يوماً خفيفاً! لا أحتاج فيه للتفكير..
يوماً غبيّاً.. بلا معانٍ قد أحتاج لفهمها، ولا رموز عليّ أن أغوص في تحليلها..
أشتهي يوماً مريحاً.. ليس فيه هموم تستنزف حواسي في تحليل مصادرها وأسبابها، ولا في محاولات استنباط حلولٍ لها..
أشتهي يوماً فارغاً.. فارغاً من كلّ شيء، كغرفة بيضاء ناصعة، تخلو من أي شيء غير ضوء حنون يتسرب من شقوق ستائر حريرية.. غرفة شاسعة دافئة، لا يشوب هدوءها حتى رفرفة جناح فراشة قد تشتّتني ألوانها..
أشتهي يوماً مضجراً، بليداً كسولاً.. يوماً يتهادى ببطء بلا نقطة انطلاق محددة، ولا وجهة وصول مرسومة سلفاً.. يوماً لا يهمّه متى يبدأ ولا إلى أين يسير ولا كيف يتجه..
أشتهي يوم إجازة منّي ومن تعمّقي ومن حواسي المتأهبة دوماً ومن حساسيتي تجاه كلّ شيء يحيط بي.. يوم عطلة من شغفي ومن هواياتي ومن اتساع اهتماماتي المترامية الأطراف..
أشتهي يوماً بلا قلب! يوماً خالياً من مشاعري ومن انفعالاتي ومن استمرار انعكاس كلّ ما يحدث في هذا الكون على زجاج قلبي الهشّ.. يوماً بلا مشاعر لا جارفة ولا خاطفة ولا عاصفة! بلا أحاسيس لا مسرفة ولا مترفة ولا خارقة ولا حارقة..
وأشتهي أيضاً يوماً بلا عقل.. بلا ذكاء عاطفيّ ولا فكريّ ولا وجوديّ ولا حسابيّ..
أشتهي يوماً لا يشبهني ولا يرضيني.. ولكن يوماً يريحني.
يوماً لا أقرأ فيه، ولا أفكر فيه، ولا أشعر فيه.
لا أعرف فيه شيئاً عن أي شيء، ولا أمراً عن أي أحد.. يوماً لا يؤلمني فيه قلبي تأثراً ولا تعاطفاً، ولا يؤلمني فيه عقلي تحليلاً ولا تعليلاً، ولا تؤلمني فيه روحي حسرةً أو أسفاً، ولا يؤلمني فيه جسدي تعباً..
أشتهي يوماً أمارس فيه أكثر ما أكره: أمارس فيه التبلّد العاطفي والفكري فلا أحزن فيه ولا أغضب، ولا أفهم ولا أرفض ولا أثور.
يوماً أمارس فيه أكثر ما أرفض: الأنانية والتجاهل.. أتصرف فيه كأنني وحدي محور الكون والوجود.. يوماً أمارس فيه العدم..
أشتهي يوماً لا أحبّه، ولن أسعى إليه مهما تمنيته، يوماً أستقيل فيه منّي.
أشتهي يوماً لا تعب فيه.. يوماً لن يحدث، مهما كان في حدوثه راحةٌ لي. أشتهي يوماً لا أريده.