حديث في الأدب

مها شفيق السراج
مها شفيق السراج
مها شفيق السراج

لا شك أن الأدب أو ما يعرف بالأخلاق الحميدة، يعدّ جزءاً لا يتجزأ من شخصية الفرد ومكانته الاجتماعية، وقد يختلف الكثير في تعريف الأدب، ولكن سيتفق الجميع على المعنى الثابت للأخلاق الحميدة. 
والأخلاق الحميدة لا ترتبط بدين أو منزلة اجتماعية أو بمال وثروة، وإنما هي طباع وتنشئة يكتسبها الشخص من محيطه الذي نشأ فيه وقد تدعمها الثقافة التي يتلقاها الشخص من مصادر علمية وأدبية، وعلينا ألا ننكر دور الجينات الوراثية في تحريك صفات الشخص، إلا أن هذا العامل قد تتحكم فيه البيئة المحيطة بشكل كبير.
والأدب عنوان الكمال، يرفع الوضيع إلى درجة الرفيع ويعلو بالعامة إلى مرتبة الخاصة، وبالخدم إلى مصاف الأمراء، قال أحد الحكماء: "الأدب صورة العقل فصور عقلك للناس كيف شئت". 
ولأن الأدب صفة ترفع من الشأن وتمنح الشخص مكانة عالية وسط مجتمعه، فهو صفة محمودة للغاية، وقد يفني الوالدان عمرهما في تنشئة أبنائهم على مكارم الأخلاق؛ ليكون لهم مكانة اجتماعية عالية وسط مجتمعهم.
 يواجه المؤدبون في مجتمعاتهم الكثير من المصاعب، فقد يجدون أنفسهم وسط فئات من المجتمع لا تقدر تلك الخصال، أو يتعرضون لحالات نصب وغش وغدر لمجرد أنهم يعتقدون أن جميع من حولهم يتمتعون بصفاتهم نفسها، وهنا يدخل هؤلاء في صراع مع المجتمع تارة ومع أنفسهم تارة، وقد يدخلون في حالات اكتئاب شديدة وقد ينتهي بهم الأمر إلى عزلة يؤثرون من خلالها الابتعاد عن مكامن الأذى والتجريح؛ لأن العالم كما يكتشفونه ليس بالمثالية التي يؤمنون بها؛ لأن هؤلاء المؤدبين هم أصحاب مبادئ ومثل، وهم غير قادرين على التنازل عن مبادئهم؛ لأنها بالنسبة لهم أسلوب حياة. 
قد يكون التمسك بالمثل والمبادئ في وقتنا الحالي صعباً بعض الشيء، ولكن في الحقيقة فإن الأمر يستدعي بعض الموازنة والتكيف مع المواقف الصادمة، ويحدث هذا حين نؤمن بأن البشر يحملون في دواخلهم ضعفاً كبيراً، وأنهم وإن أبدوا بعضاً من الخصال غير الحميدة فهم يفعلون ذلك؛ لأنهم يقعون تحت ضغوط في الحياة قد تدفعهم للكذب أو النفاق أو الخيانة على سبيل المثال، وهو ليس مبرراً كافياً على أي حال، إلا أننا لا بد وأن نضع تلك الأعذار لهؤلاء؛ كي نخلق في عالمنا المثالي بعض التوازن الذي سيؤدي بنا بالتالي إلى التكيف مع الضعف البشري الذي يحيط بنا.
ما أكثر ما نواجهه في حياتنا من زلات إنسانية وما أكثر ما نشاهد هؤلاء ممن انكسر في داخلهم المعنى الحقيقي للحياة، وارتدوا على وجوههم أقنعة ليخفوا وراءها ذلك الضعف والانكسار، وما أصعب أن نواجه هؤلاء بضعفهم لأننا نحن أيضاً نشعر بضعفهم ويحزننا ما آل إليه حالهم.
ورغم أن الخصال الحميدة تحولت إلى شعارات عند البعض في زمننا هذا إلا أنها تبقى جزءاً من إنسانيتنا الشفافة لا نستطيع أن نتخلى عنها؛ لأننا ندرك أن سقوطنا سيأتي وقت أن ننزعها من نفوسنا فإن سقطنا إنسانياً، فلن يبقى في هذا العالم رحمة ومحبة تربطنا ببعضنا البعض.
"وما المرء إلا حيث يجعل نفسه... فكن طالباً في الناس أعلى المراتب" علي بن أبي طالب.