بعد تجربة في الحياة متنوّعة الروافد، أدركت أنّ أوكد علاقات الحبّ حاجة للرعاية وبذل الجهد في سبيلها هي حبّ المرء نفسه... ولما كان الحب مقروناً بالحماية فإنّ من يحب نفسه سيحميها من كلّ أصناف الأذى، لن يرضى بأقلّ ما تستحق روحه، ولن يبقي في حياته من يشوهها، سيمارس الرياضة ويعتني بأناقته، سيأكل أكلا صحيّاً وسيبتعد عن السّجالات العقيمة وعن إهدار طاقته في ما لا يعني، لن يحاول تغيير الآخرين لأنهم لن يتغيّروا، سيتفنن في وضع برامج تدخل عليها البهجة والفرح...
من يحب نفسه سيختار بعناية من يصاحب ومن يجالس ومع من يقضي حياته...
من يحب نفسه لن يضنيها بالتفكير في الآخرين، وفي بعض قوانين المجتمع التي ينوء بها ظهره ولا يجرؤ على التخلّص منها...
وإنّ التأمّل في حالنا نحن النساءَ هو ما جعلني أكتب هذه الأسطر، فالمرأة العربيّة امرأة معطاءة بامتياز، امرأة تقدّم جميع من في حياتها على نفسها، وقد اقترنت مسيرتها بالتضحية في سبيل الآخرين، ترث الإيثار والعطاء اللامحدود من البيئة التي نشأنا جميعاً فيها، فعلى الرغم من تنوّع بلداننا العربيّة وتوزّعنا جغرافيّاً على قارّتين، إلا أنّ الثقافة تجمعنا وتكاد تكون هي ذاتها في كلّ مكان.
ارتبطت الأمومة إلى حدّ كبير عندنا، ومازالت، بصورة الأمّ التي تحرم نفسها لتوفّر لأبنائها، وتجوع ليشبعوا، و تسهر إلى أن يناموا، و تبلى ثيابها ليلبسوا ويتأنّقوا، ولا تتفقّد صحّتها إلا إذا دقّت نواقيس الخطر لأنها تستخسر على نفسها الدرهم والدينار وترى أنّ أبناءها به أولى، ارتبطت الأمومة بالصّبر على أذى زوج لا يقدّر الالتزامات التي تفرضها عليه الحياة الأسريّة، ويرى أنّ دوره مقصور على توفير الحاجيات المادية للبيت والعائلة، وهي صورة ورثها بدوره من ثقافتنا التي تكرّس علويّة الرجل على المرأة واستقالته منذ نعومة أظفاره من أعمال البيت، فتتحمّل المرأة أعباء الجميع بتفان وصبر إلى أن ينفد زادها، وتذوي أنوثتها وتذبل زهرة صحّتها النفسيّة والجسديّة في سنّ مبكّرة...
صحيح أنّ المرأة العربيّة اليوم قد حقّقت نجاحات كبرى، وافتكّت لها مكاناً في المشهد الاجتماعي والفكريّ والسياسيّ والاقتصاديّ والعلميّ، لكنّي أرى أنها في حاجة إلى بعض المراجعات لإعادة بناء شبكة علاقاتها مع كلّ من حولها بطريقة تجعلها تحافظ على توازنها النفسي، وتقطع مع مقولة "الشمعة التي تحترق لتضيء على الآخرين"، فالعطاء الذي يسير في اتجاه واحد يستنزف الطاقة ويؤذي النفس ويهلك الجسد.
عندما تنجح المرأة في حبّ ذاتها (من دون شعور بالذنب)، تنجح جميع العلاقات التي تعقدها مع الآخرين؛ سواء كانت شخصية أو عائلية أو اجتماعية...
تعلمنا أن نحبّ الآخرين، بشراً، وورداً، وقططاً، وكلاباً، وعناصر طبيعة، بل حتّى جماداً - فنحن نحبّ أشياءنا ونعتني بها - ولكنني أرى أننا نحتاج في المقام الأوّل أن نتعلم كيف نحبّ ذواتنا.