عندما كنت في الحياة الجريدة.. أي جريدة الحياة اللندنية، تعلمت أشياء كثيرة، أنا مدين فيها إلى هذه المدرسة الصحافية العريقة، ومن ضمن ما تعلمت أن الكلام إذا كان من نافلة القول فلا تقله، واترك القشور واذهب بعيداً في التجارب العميقة، واستخلص منها تجربتك واصبغها بنكهتك الخاصة.
لذلك عندما أكتب شعلانياتي أبتعد كثيراً عن نافلة القول، وأذهب أكثر إلى تجارب الآخرين، وأصبغها بنكهتي وإحساسي الخاص بالأشياء.. فالأفكار على قارعة الطريق، ولكن من يستطيع أن يمنحها شيئاً من بصماته وإحساسه، فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أولى الناس بها....
فأنا آخذ كلمات الناس من أفواههم وأعيدها إليهم بنكهتي وإحساسي وتجربتي التي تعكس قراءتي لوجوه الناس، التي لو لم يبقَ لي أي كتاب أقرأه فسأجد فيها ما أقرأه؛ لذلك اعذروني فلن نجد في هذا العمود شيئاً من نافلة القول، ولكن شيئاً من صميم القول.
كنت طوال تجربتي الكتابية أهرب من الكتابة الرتيبة؛ الكتابة الجميلة المتفردة هي غايتي، فأنا منذ البداية آمنت بأن الكتابة عمل انقلابي، وأي عمل انقلابي لا يحدث دوياً هو نوع من أنواع العبث الطفولي على طريقة الكتابة على الجدران، وأزعم أن الكتابة على الجدران ربما تكون أكثر تأثيراً. فهي في أسوأ الأحوال توصل رسالة، وربما تعبر عن حالة حب، مثل حالة نزار قباني، «علمني حبك أن أتصرف كالصبيان، علمني حبك أن أرسم وجهك بالطبشور على الحيطان»، فكانت الكتابة على الحيطان رسالة راقية، ولكن ليس كل الكتابات كذلك، من البداية آمنت بأن الكتابة هي حرب استنزاف، وقِلة هم الذين يمتلكون عتاداً يكفي للاستنزاف والنزف اليومي منذ البداية آمنت بأن الكتابة هي عبارة عن خلطة سرية أشبه ما تكون بخلطة «كنتاكي».
لا يعرفها إلا الراسخون في علم النكهة؛ لذلك كنت ومازلت أكتب بوحي في كل ذلك، فقدت أول انقلاب في حياتي أطحت من خلاله بكل وسائل الكتابة الرتيبة، وأعلنت البيان رقم واحد!
كنت ومازلت أطارد الكتابة غير المألوفة، واللغة غير المألوفة؛ لأنني رفضت منذ البداية أن أسجل تواقيعي كما يسجل موظف الصادر والوارد تواقيعه. فالتواقيع هي البصمات، والبصمات لا تتشابه؛ لذلك لا أريد لتواقيعي وبصماتي أن تشبه أحداً إلا إذا كان هذا الأحد هو أنا!
شعلانيات:
. لا أحد يتغير فجأة، كل ما في الأمر أننا في لحظة ما نغلق عين القلب ونفتح عين العقل، فنرى بعقولنا حقائق لم نكن نراها بقلوبنا.
. حياة الإنسان كتاب.. لكن قلائل هم الذين يعرفون قراءة أكثر من صفحة منه!
. كل يوم تزيد أعداد الذين تمتلئ أفواههم بالماء.. وبأشياء أخرى!!
. أكثر الذين يقدمون النصائح للآخرين هم أكثر الناس الذين لا يقبلون النصيحة.
. إذا اتسخت نفسك فلن تغسلها بحار العالم.