ألحت عليّ طويلاً لأدعوه لتناول الإفطار معنا. وكالعادة... نجحت في ليّ ذراعي. لم أقتنع بكلامها. لا... لم أفكر فيه حتى. أنا كما أنا. ولا يمكنني أن أتغير لأرضي من حولي.
كل ما في الموضوع أنها كسرت دماغي بالزن صباح مساء. تعبت، ولم تعد لدي قدرة على المقاومة.
أتساءل أحياناً كيف تزوجتها. أتساءل بغباء لأنني أعرف الجواب جيداً. إلحاح الوالدة وإصرارها على أن أجمع حالي وأبني أسرتي مثلي مثل بقية إخوتي نال من عزيمتي. تركتها تختار العروس وتكلم أهلها وتتكفل بكل الترتيبات. وحضرت مغمض العينين لأضع يدي في يد إنسانة لم يسبق أن جمعتني بها غير لحظات طويلة ومملة من البحلقة والثرثرة. أحب الهدوء والسكون والصمت والتأمل، وتعشق الغناء والصياح والكلام بمناسبة وبلا مناسبة... وحكي كل ما يطرأ على بالها، اهتم الذي ابتلاه الله بالجلوس معها بما تقوله أو لم يهتم.
ماكينة نميمة. هذا ما أردده بيني وبين نفسي وأنا أتوسل إلى الله أن يلهمني الصبر عليها.
مر على زواجنا عام كامل، وهي لم تمل من قلب دنياي رأساً على عقب وتحويل حياتي إلى جحيم.
تركتها تصنع ما تريد، وحاولت أن أنكفئ على نفسي دون أن أنجح.
أنفها يجب أن يحشر في كل شيء. حتى في خصوصيات عملي.
لا أدري كيف توصلت إلى أرقام هواتف بعض زميلاتي في العمل. حرصت كثيراً على إبعادها عن مجال شغلي... تكفي الفوضى التي أحدثتها في علاقتي بعائلتي وجيراني. أنا الذي كنت أبتعد عن مشاحنات الأخوة ومشاكل الإرث وحساسيات الجيرة... صرت الآن أحارب في عشر جبهات. أخي الأكبر يستنكر كيف أطالب بحقي في بيت العائلة الذي غادرته حين تزوجت، وزوج أختي لا يفهم كيف أجرؤ على انتقاد علاقته بزوجته وأنا لا أعرف شيئاً عنهما، وأمي ترغي وتزبد لأنني سألت عمي عن نصيبي من غلة حقل جدي، وجيراني الذين لم يسمعوا صوتي يوماً يشتكون من ضجيج الراديو صباح مساء...
اتصلت بزميلات عملي وأخضعتهن لاستجواب بوليسي ممنهج، وتوصلت إلى أنني مغضوب علي من طرف المدير بسبب عزلتي وسلبيتي الزائدة. صار شغلها بعد ذلك أن تزن عليّ لأدعو المدير إلى وجبة إفطار تروق باله وتفتح عينيه على الموظف الشهم الأمين الذي حجبه حسد الآخرين ودسائسهم عن نظره...
وافقت أخيراً بعد أن تعبت من سماع نفس الأسطوانة كل يوم.
شمرت عن ساعديها وانطلقت تطهو أشهى الأطباق وألذ الأكلات وتشتري أفخم أنواع الحلوى والعصائر وتحضر وليمة إفطار لم أشهد مثلها حتى في حفل العرس.
اقترحت أن أدعو بعضاً من أقربائنا لأن الأكل يفوق حقاً حاجتنا نحن الثلاثة... ورفضت باستنكار. لا يمكن أن تدع شخصاً آخر يسرق الأضواء مني. أنا نجم الوليمة وأنا من يجب أن يبهر المدير. يمكن أن ندعو زوجته أيضاً، ولكن لا مجال للتفكير في ضيوف آخرين.
لم يأت المدير رفقة زوجته. ولا نعلم السبب. لكنه حضر في موعده وتحلقنا حول المائدة المثقلة بالطعام، وهرعت زوجتي التي لم تكف عن الدوران حولنا كالنحلة إلى حساء رمضان الساخن تسكبه للمدير وتدعوه لتذوقه وتقرب بقية الأطباق منه.
تناول ضيفنا الحساء بنهم وصرخ وهو يقفز من مكانه وقد احمر وجهه.
لسعت حرارة الطعام الساخن جداً لسانه واشتد ألمه والالتهاب يلوي فمه ولم يعد يعرف كيف يتصرف.
ماذا أقول؟
تحولت الوليمة إلى مندبة.
لم يستطع ضيفنا تناول شيء غير الماء. صبر بعضاً من الوقت ثم استأذن وذهب وترك زوجتي تنهال علي باللوم والتقريع؛ لأنني لم أنبهه ولم أعرف كيف أتصرف معه ولم أقدر تعبها وجهدها، ولم أحاول ثني ضيفنا عن الذهاب ولم أعرض عليه مرافقته على الأقل إلى سيارته...
لم تترك تهمة لم تلبسني إياها.
حنيت رأسي وتركت العاصفة تمر... كالعادة.
غدا سيصبح اسمي على كل لسان. زوجتي وأعرفها. ستطوف على كل من تعرفهم لتشتكي من الفضيحة التي ورطتها فيها.