قد نتضخم أحياناً بالقلق وبالخوف من التعرض لحالة فَقْد ما؛ فنجد أنفسنا سجناء في دوائِر الفَقْدِ، ونكتشف أن معظم حالات القلق التي تُسجن أرواحنا في دوائرها قد تتحول مع الوقت إلى حقائق بشعة، وكأننا بذلك القلق قد نادينا على أحزاننا بأسمائها بكل قوّة أصْواتنا، وكأن حالات التوجس تلك ماهي إلا مقدمة لفقدان ما يرعبنا فقدانه.
فحين نتخوَّف من فقدانِ مفضلاتنا نفقدها، وحين نتخوَّف من التنازل عن أحلامنا نتنازل عنها، وحين نتخوف من مغادرة حكاياتنا الدافئة نغادرها، وحين نتخوف من سقوط أقنعة الوجوه التي أحببناها نشهد سقوطها، وحين نتخوف من فراق أحبتنا نفارقهم!
وحتماً لا يُفسر الأمر على أنه "حاسة سادسة" نبهتنا لحدوث الحزن قبل وقوعه كما يردد بعض الناس عندما تصدق هواجسه، لكن عمق تفكيرنا في الحَدَث قد يجْلبه إلى واقعنا ويحوله إلى حقيقة واقعية؛ لذا حين نكثف التفكير بالفقد فنحن قد نتعرض له، ونخوض تجربته بكل ما فيها من ألم؛ فحالات الفَقْد التي تمر بها أرواحنا ماهي إلا محطات قاسية قد تعرضنا للكثير من الحزن ومن الخوف، فنقف أمامها فترة من الزمن عاجزين عن الاستيعاب وعن المغادرة، لكن الحياة تستمر، ولا تتوقف لتمهلنا فرصة التأقلم مع أحزاننا، ولاتنتظرنا حتى نستعيد قدرتنا على اكمال الطريق؛ فالأيام تمضي حتى حين نتوقف نحن، والحياة تأخذ دورتها الطبيعية حتى حين نتوهم أنها قد توقفت معنا في تلك المحطة التي عجزنا عن مغادرتها؛ فهي تمضي ونمضي نحن معها دون أن نشعر، فلا أحد يستطيع أن يَتَغيَّب عن قَوافِل الأيام!
فالحياة تحركنا معها حتى حين نتوهم أننا نقبع في أماكننا ولانتحرك؛ فالزمن لايتوقف إلا في دَواخِلنا نحن، ما يُصعِّب علينا مواصلة الحياة الخارجية بكل حالات الفَقْد المؤلمة؛ لذا يجب أن نؤمن بالمراحِل المؤقتة وبالأحزان المؤقَّتة، وأن نستعْجل الرحيل من تلك المساحات المُعْتمة، وأن نصنع من لحظة الانْكِسار أجنحة جديدة؛ فإهْدار الأعمار في جمع ريش الأجنحة المُتكسرة سيجردنا من أجنحة الأمان ويدفعنا نحو الهاوية.
الذين أطالوا الوقوف أمام أحزانهم فاتهم الكثير من الفرح، والكثير من الفُرص الجَميلة، وفقدوا الكثير من القوّة الداخلية؛ ففترات الحزن الطويلة لا تعيد مَفْقوداتنا، واسْتِمْرار تذكرنا للحظات السُقوط لا يمنحنا القوّة التي تساعدنا على معاودة الوقوف.
قبل النهاية بقليل:
املأ خيالك بالإيجابيّة وبالفرح، ولاتستعجل الأحزان بترقُّب حدوثها! ْ