هادئة جداً، وهذا على غير عادتي، وكأن كل الصخب الذي كان يسكنني قد تركني ورحل، تماماً كما يفعل كل الذين أحبهم.
مهما أنكرنا حقيقة أنهم قد غادرونا عنوة، إلا أننا في النهاية سنؤمن بها، شئنا أم أبينا، فالوقت قد حان لندرك بأن العمر الذي قد أسرفناه بانتظارهم لن يعوضه أي عمرٍ قادم، إذن ما هي الخطوة القادمة؟ حتى نكوننا من غيرهم!
إذا أردنا حقاً ذلك؛ علينا أن نخرج أولاً من دائرة حصارهم، من أشيائهم، وذكرياتهم، أعلم بأنه ليس من السهل أن نفعل ذلك، لكن لا خيار لنا سوى أن نتناسى وجودهم، أن نملأ كل الوقت الذي كان لهم بحماقاتٍ جديدة، بوجوهٍ جديدة، بعطور وأغنياتٍ جديدة، أن نفعل كل شيء؛ حتى لا نواجه حقيقة خيبتنا بهم بمفردنا.
أي شيء نريده أو حتى نعيشه، له صلاحية معينة وينتهي، كالمشاعر.
لذا لا بأس إن جاءتنا الخيبة بوقتٍ لم نكن لنتوقعه، المهم حقاً هو ألا نظل تحت الركام طويلاً.
وفي الوقت المناسب الذي سنتصالح فيه مع الحياة من جديد، سنعيد الكَرّة، وسنحب كما لم نفعل قط، والكارثة سنكون أكثر جنوناً من ذي قبل، وكأننا لم نخذل ولم نتألم.
فالحماقات كثيرة، لكن ألذ تلك الحماقات هي: الحب.
حسناً، فكلنا قد شعرنا بذلك، لا داعي بأن نخجل من ضعفنا، فنتوارى عن الأعين، وكأننا اقترفنا ذنباً لا يمكن الصفح عنه، الوقت لم ينتهِ بعد، ما زلنا نتنفس، نصافح الأغصان، نتحسس التربة، ونسقط بتعبنا فوق العشب، مازلنا نحيا من أجلنا، لم ننتهِ كما اعتقدنا، ولم نمت حباً كما كنا نقول، كل ما في الأمر أننا سنبقى طريحي الفراش لأيام، لأشهر، وسنتجاوز هذه الوعكة العاطفية كما لم نتخيل قط.