كان عبوري سريعاً، كان أشبه بوميضٍ جاء من عالم الخيال، لم ألتفت يمنةً ويسرة حتى لا أثير الشبهة، فتلك الغشاوة التي كانت تحجب عني زيف هذه الحياة، هي ما كنتُ أريد التشبث به، حتى آخر لحظةِ سقوط لي، كنتُ أجر ورائي خيبتي، وكل الميتات الصاعقة التي لحقتني رغماً عن هروبي المتكرر، فالوجع الذي نضمره عن شفقة العالمين، هو الوجع الذي يرسخ فينا فكرة الوحدة، فكرة الرحيل مع هذا الكل من الانكسارات دون عودة.
برغمِ الذكريات العائمة التي قد تغرقنا عنوة، قد نصل لضفةِ السلام، الضفة التي تصلح بأن تكون لبدايةٍ جديدة، لكننا ما عدنا نراها كذلك، بل بتنا نرى نهايتنا، نرى احتضارنا، ومدى البؤس الذي آل عليه حالنا فيها.
البداية التي أشبه بالموت الدائم، هي كل ما أحتاجه؛ حتى أعلن عن انكساري أمام كلّ المكلومين.
لطالما كنتُ متصالحة مع يُتمي، ما الضّير هذه المرة لو لم أكن كذلك؟ فبعض الأحزان لا تتطلب أن نعاملها بمثالية تامة، بل كل ما تريده هو بكاؤنا، ولم أكن لأبكي، حتى أبدأ من جديد، بل لم أفعل حتى أنتهي مرةً واحدة، حتى أشعر بدوار الحياة، حتى أفقد القدرة على مواصلة التماهي أمام رهافة الشعور.
هذا السكون الذي يمد جذوره جيداً فيّ، سيجعل من نهايتي كالحلم المشتهى، وكم من حلمٍ بات عادياً؟ وكم من لحظةٍ قد وقعت في فخ التكرار عمداً؟ حتماً الكثير، وأنا لم أكن لأصبح عادية الشعور، ولا عادية الحلم والموت.
كان بقائي غريباً، وسيكون رحيلي هذه المرة مؤكداً، أيها الموت القريب كحياةٍ فانية – فلتقترب أكثر- قد حانت ساعتك الآسنة.