عزيف القلوب

د. غادة طنطاوي
د. غادة طنطاوي
د. غادة طنطاوي

ما الذي نريده من الحب، وما الذي نبحث عنه؟ هل هو الشعور بالوحدة والخوف من المستقبل، أم أنها عادة جرى عليها الناس منذ القدم. إن كان الأمر كذلك، فلماذا نحبهم ونعيش الحياة على قيدهم، ثم نتركهم خلفنا؟ 
هل نحن نختار الحب.. أم الحب هو الذي يختارنا؟ الحب، العالم الساحر الذي تحلم به كل فتاة، ويتمناه أي رجل، هل هو قدرٌ أم اختيار؟ حالةٌ من المثالية نختلقها، من شأنها أن تُخرِج أسطورة الحب من حالة اللاوعي إلى الإدراك التام، من ميناء المصادَفات إلى بر الخيارات الشخصية. نحن لا نختار من نحب، المواقف هي من تزرع فينا بعض الأشخاص، وتقتلع آخرين. نستيقظ ذات يوم من كابوس العلاقات المريرة، لنجد حالةً من الهيام تستحوذ على نبض الوجدان فينا، وتصيبنا بحالةٍ من الخوف والقلق اللذيذ. بعضنا يهرب منه، والبعض الآخر يهابه لأسبابٍ مبهمة. لماذا بعد فترة يفقد الحب كل بريقٍ تركه لدينا في البداية، ويصيبنا بإعاقةٍ مؤقتة ننتظر فيها جراحنا حتى تشفى؟ لو كان الحب اختياراً، لماذا يختار بعضنا شركاء سيئين، يدمرون أحلامنا، وتستحيل حياتنا معهم إلى دميةٍ تحركها خيوط أهوائهم؟ نأتي بهم تحت مظلة الشعور الأسمَى في الحياة، والذي من المفترض أن يكون رديفاً للسعادة، ثم نعطيهم كامل الحق ليحفروا أخدوداً عميقاً في قلوبنا، فهل خياراتنا هي من توحي لنا بأننا نستحق الألم؟ وإن كان قراراً، فلماذا تتسلل إلينا الأسئلة السريالية عند وصولنا لحالة الكمال في الحب؟ نسمح للشك بأن يحل ضيفاً علينا؟ فنختلق مشاكل تُستَدْعَى منها، ثم تعترينا حالةٌ من الرضا. مفادها أن بداية تلك المشاكل تثبت شكوكنا، كأننا نتنفس ثاني أكسيد الحب، وكأن أحلامنا خيطٌ من الدخان يتلاشى عند استيقاظنا منها. لم يقدم لي الفلاسفة تبريراً مقنعاً، وطبيعتنا البشرية تجعلنا نفضل نظرية الأكسدة على تنفس الأكسجين؟ كم هو غريب ذاك الشعور المسمى بالحب! جريء يأتي من دون استئذان، تاجه نصلٌ يشق عتمة ظلماتٍ سرمدية فوق رؤوس العاشقين منا. وفي الوقت ذاته، هو الحبل نفسه الذي يلتف على رقبتك، فيصيبك باختناق، لو شعرت لحظة بأن هناك شخصاً آخر يأخذ حيزاً ولو كان قليلاً عند من تحب، وتَحِّلُ الطامة الكبرى لو سيطرت عليك رغباتك السادية في تملكه بحقوق عشقٍ حصرية، لا يستطيع قراءتها إلا من تجلى له العشق واقعاً يحياه. 

كيف لنا أن نعيش كل هذه الأحاسيس المؤلمة فقط لنعيش حالةً من الحب؟ وكأن الحب إكسير الحياة، أعراض الحرمان منه أجبرت جميع الشعراء أن ينحنوا لها احتراماً، ويقفوا على أطلالها تقديراً لهول الحنين. وعجزت أدوية الطب إجمالاً عن علاجها، وصفق لها علماء النفس لتفردها، كأنها طلسمٌ من طلاسم الحياة، يحتاج لفرعونٍ وقارئة كفٍ من ذاك الزمان حتى تبيح أسراره. إنه تعويذة جميع العصور، بدءاً من زمن قابيل وهابيل، مروراً بعصر كليوبترا، وأم كلثوم، وصولاً لعهد الفيصل والبدر. التعويذة الوحيدة التي لن يجود الزمان بمثلها.