استندت على مرفقيها ونظرت إليه. حمل دلوه الصغير، وجرى بخفة نحو البحر. قلعة الرمل التي لم ينهِ بناءها بعد أن تنتصب بفخر وسط لعبه البلاستيكية الملونة...
«لا تبتعد كثيرًا... حبيبي...» أوصته باسمة، وثبتت نظارتها الشمسية فوق عينيها وتمددت على كرسيها وتنفست برضا. زوجها كان محقًا. هذه النزهات البحرية لا تقدر بثمن. صحيح... لن تحضر سهرة مطربها المفضل في العاصمة، ولكنها تستمع إليه الآن، وتستمتع بحمام الشمس، وهواء البحر، وصفاء الجو...
رفعت مستوى صوت سماعتيها ودندنت مع موسيقى آخر ألبوماته والنسمات البحرية تعبث بشعرها...
ملأ الصغير دلوه بالماء، وهرول وهو يرى بالونه الأحمر الزاهي يتدحرج مع الريح نحو الماء.
انسكب ماء دلوه... وانحنى شخصان وخطفا البالون قبل أن تحمله الأمواج... ومداه للصغير.
عجوزان لطيفان. وخطهما الشيب، وأثقلت بدانتهما المفرطة جسميهما.
قال الطبيب إنه لن يستطيع إجراء عملية القلب للرجل إن لم ينقص وزنه، ونصح زوجته بأن تحذو حذوه وتتخلص من كيلواتها الزائدة.
بدآ يتبعان حمية غذائية خاصة، ويقومان بتمارين رياضية. ويلهثان... طيلة الوقت يلهثان...
قلبه المريض لا يتحمل فكرة أن يرحل، ويتركها وحدها. وهي لا تتخيل أن تعيش يومًا واحدًا بعده...
شدت يده بوجل، وتمسك بها، وتابعا حصة مشيهما الصباحية البطيئة... وهما يلهثان.
مرا أمام شاب متوثب خرج لتوه من الماء. تعلقت عيناه بيديهما المتشابكتين، وتنهد وهو يلف جسده بمنشفة واسعة، ويجلس على الرمل حيث ترك أغراضه. ترى هل سيقدر له أن يتنزه وحبيبته... وقد تقدم بهما العمر... على شاطئ البحر...؟
تناول هاتفه المحمول، وتصفحه بلهفة وهو يرى رسالتها. بعثت له على الواتس أب صورة بطاقة القطار. هي قادمة إذن. ساعتان على الأكثر وتكون قربه. ساعتان... ويراها أخيرًا... وجهًا لوجه...
ثلاثة أشهر وهما يتراسلان عبر الإنترنت. أحبا بعضهما. ولم يستطع أن يصبر أكثر... وطلب أن يلتقيا في هذه المدينة الشاطئية التي لا يعرفهما فيها أحد...
ساعتان...
ارتدى قميصه، ومشط شعره بأنامله، وابتسم بنشوة وهو يأخذ سيلفي لنفسه، والبحر خلفه، ويبعث الصورة لحبيبته...
في الزاوية اليسرى للصورة، بدت ساقا رجل لم يتحرك من مكانه منذ مدة. قبضتاه كانتا غائصتين في جيبي سترته الرياضية المفتوحة، وعيناه المختفيتان خلف نظارة شمسية ضخمة تحدقان في البحر بحنق. ما العمل الآن...؟ رئيسه المباشر في البنك ورطه في عملية تزوير لا علاقة له بها. لم يكن يعلم شيئًا عن الوثائق التي وقّع عليها بحسن نية. كيف يثبت براءته، والقانون لا يحمي المغفلين...؟ وماذا يقول لزوجته...؟ ما مصيرها إن قبضت الشرطة عليه...؟ والطفل الذي ينتظرانه... ما ذنبه لكي يحمل وصمة العار التي ستلحق بوالده...؟
اقتربت الشابة التي كانت تتمشى في الماء من الرجل ذي النظارة الشمسية الضخمة، ومدت يدها إلى ذراعه، وتشبثت بها، وتنفس بعمق وهو يلتفت إليها، ويقبّل جبينها، وينظر بحنو إلى بطنها البارز...
ابتعدا ببطء، وصعدا الدرجات المؤدية إلى الساحة الخضراء المطلة على الشاطئ، حيث موقف السيارات.
تنحى شخص يتحدث في الهاتف ليفسح لهما الطريق. كان يبدو متوترًا وهو يروح ويجيء ويدس يده في شعره الكث وكأنه يريد أن ينتفه: «... وهل لديك حل آخر...؟ أخبريني... هيا... كيف أقنعها بأن تبقى في البيت وهي تعرف أن لديّ مهمة في العاصمة...؟» بدا على وشك الانفجار وهو يواصل حديثه الهاتفي المتوتر: «أرأيت؟ لا حل آخر... نعم... نعم... إنها مع الصغير على البحر... طبعًا لا. قلت لها إن لديّ اجتماعًا ما. ماذا تظنين...؟ للمرة المليون أؤكد لك أنني لم أقل لها شيئًا عن سفرية العاصمة. علمت ذلك بالصدفة والله. جاءت إلى المكتب والسكرتيرة الحمقاء أخبرتها بالأمر... طبعًا... طبعًا... قلبت الدنيا عليهما. لا أسمح بأن يتجسس عليّ أحد... أو ينقل أخباري... ولكنه ذلك المغني اللعين... لولا سهرته لتقبلت الأمر... والآن... الآن أسكتّها بهذه الفسحة. اطمئني... لن يزعجنا أحد... وأنا أيضًا... اشتقت إليك... اشتقت كثيرًا...».
استند على السياج الحديدي المطل على الشاطئ...
«وأنا أيضًا أحبك...» همس بصوت خفيض وهو ينظر بقلق للركن الذي ترك فيه زوجته وابنه....
على شاطئ البحر
استندت على مرفقيها ونظرت إليه. حمل دلوه الصغير، وجرى بخفة نحو البحر. قلعة الرمل التي لم ينهِ بناءها بعد أن تنتصب بفخر وسط لعبه البلاستيكية الملونة...
«لا تبتعد كثيرًا... حبيبي...» أوصته باسمة، وثبتت نظارتها الشمسية فوق عينيها وتمددت على كرسيها وتنفست برضا. زوجها كان محقًا. هذه النزهات البحرية لا تقدر بثمن. صحيح... لن تحضر سهرة مطربها المفضل في العاصمة، ولكنها تستمع إليه الآن، وتستمتع بحمام الشمس، وهواء البحر، وصفاء الجو...
رفعت مستوى صوت سماعتيها ودندنت مع موسيقى آخر ألبوماته والنسمات البحرية تعبث بشعرها...
ملأ الصغير دلوه بالماء، وهرول وهو يرى بالونه الأحمر الزاهي يتدحرج مع الريح نحو الماء.
انسكب ماء دلوه... وانحنى شخصان وخطفا البالون قبل أن تحمله الأمواج... ومداه للصغير.
عجوزان لطيفان. وخطهما الشيب، وأثقلت بدانتهما المفرطة جسميهما.
قال الطبيب إنه لن يستطيع إجراء عملية القلب للرجل إن لم ينقص وزنه، ونصح زوجته بأن تحذو حذوه وتتخلص من كيلواتها الزائدة.
بدآ يتبعان حمية غذائية خاصة، ويقومان بتمارين رياضية. ويلهثان... طيلة الوقت يلهثان...
قلبه المريض لا يتحمل فكرة أن يرحل، ويتركها وحدها. وهي لا تتخيل أن تعيش يومًا واحدًا بعده...
شدت يده بوجل، وتمسك بها، وتابعا حصة مشيهما الصباحية البطيئة... وهما يلهثان.
مرا أمام شاب متوثب خرج لتوه من الماء. تعلقت عيناه بيديهما المتشابكتين، وتنهد وهو يلف جسده بمنشفة واسعة، ويجلس على الرمل حيث ترك أغراضه. ترى هل سيقدر له أن يتنزه وحبيبته... وقد تقدم بهما العمر... على شاطئ البحر...؟
تناول هاتفه المحمول، وتصفحه بلهفة وهو يرى رسالتها. بعثت له على الواتس أب صورة بطاقة القطار. هي قادمة إذن. ساعتان على الأكثر وتكون قربه. ساعتان... ويراها أخيرًا... وجهًا لوجه...
ثلاثة أشهر وهما يتراسلان عبر الإنترنت. أحبا بعضهما. ولم يستطع أن يصبر أكثر... وطلب أن يلتقيا في هذه المدينة الشاطئية التي لا يعرفهما فيها أحد...
ساعتان...
ارتدى قميصه، ومشط شعره بأنامله، وابتسم بنشوة وهو يأخذ سيلفي لنفسه، والبحر خلفه، ويبعث الصورة لحبيبته...
في الزاوية اليسرى للصورة، بدت ساقا رجل لم يتحرك من مكانه منذ مدة. قبضتاه كانتا غائصتين في جيبي سترته الرياضية المفتوحة، وعيناه المختفيتان خلف نظارة شمسية ضخمة تحدقان في البحر بحنق. ما العمل الآن...؟ رئيسه المباشر في البنك ورطه في عملية تزوير لا علاقة له بها. لم يكن يعلم شيئًا عن الوثائق التي وقّع عليها بحسن نية. كيف يثبت براءته، والقانون لا يحمي المغفلين...؟ وماذا يقول لزوجته...؟ ما مصيرها إن قبضت الشرطة عليه...؟ والطفل الذي ينتظرانه... ما ذنبه لكي يحمل وصمة العار التي ستلحق بوالده...؟
اقتربت الشابة التي كانت تتمشى في الماء من الرجل ذي النظارة الشمسية الضخمة، ومدت يدها إلى ذراعه، وتشبثت بها، وتنفس بعمق وهو يلتفت إليها، ويقبّل جبينها، وينظر بحنو إلى بطنها البارز...
ابتعدا ببطء، وصعدا الدرجات المؤدية إلى الساحة الخضراء المطلة على الشاطئ، حيث موقف السيارات.
تنحى شخص يتحدث في الهاتف ليفسح لهما الطريق. كان يبدو متوترًا وهو يروح ويجيء ويدس يده في شعره الكث وكأنه يريد أن ينتفه: «... وهل لديك حل آخر...؟ أخبريني... هيا... كيف أقنعها بأن تبقى في البيت وهي تعرف أن لديّ مهمة في العاصمة...؟» بدا على وشك الانفجار وهو يواصل حديثه الهاتفي المتوتر: «أرأيت؟ لا حل آخر... نعم... نعم... إنها مع الصغير على البحر... طبعًا لا. قلت لها إن لديّ اجتماعًا ما. ماذا تظنين...؟ للمرة المليون أؤكد لك أنني لم أقل لها شيئًا عن سفرية العاصمة. علمت ذلك بالصدفة والله. جاءت إلى المكتب والسكرتيرة الحمقاء أخبرتها بالأمر... طبعًا... طبعًا... قلبت الدنيا عليهما. لا أسمح بأن يتجسس عليّ أحد... أو ينقل أخباري... ولكنه ذلك المغني اللعين... لولا سهرته لتقبلت الأمر... والآن... الآن أسكتّها بهذه الفسحة. اطمئني... لن يزعجنا أحد... وأنا أيضًا... اشتقت إليك... اشتقت كثيرًا...».
استند على السياج الحديدي المطل على الشاطئ...
«وأنا أيضًا أحبك...» همس بصوت خفيض وهو ينظر بقلق للركن الذي ترك فيه زوجته وابنه....
