أضافت المزيد من الدقيق إلى الخليط المتجانس، وبدأت تدعك العجين بخفة. «كما ترى...»، خاطبته وهي تبلل أصابعها بالزبدة السائلة وتواصل الدعك «الأمور لا تتغير. والدك يصر على الرفض... وأنا لا أعرف ماذا أفعل...».
تركت العجين وسحبت صحن التفاح ورشته بمزيد من السكر والقرفة. «تأهلت فرقة الولد للنهائي. سيخوضون المباراة في طنجة، ولا مناص الآن من شراء الحذاء الرياضي الذي يحتاج إليه. ونحن في منتصف الشهر. ولم يتبق من الراتب ما يكفي...».
تنهدت بحرقة ونادت:
«هيثم... قم يا ولدي... حان وقت المدرسة...»
وضعت إبريق الشاي على النار، وعادت تجهز قالب الفطيرة وتضع العجين فيه: «سيسر عندما يرى فطيرة التفاح. من زمان لم أخبزها له. أريده أن يذهب إلى الفصل بمعنويات مرتفعة وبطن ممتلئ. لديه امتحان في الرياضيات هذا الصباح...».
أدخلت الفطيرة إلى الفرن وجهزت الشاي، وأخرجت علبة المربى من البراد. «أعرف... يكثر من أكل السكريات. لكنه فتى ينمو... ويحتاج إلى طاقة كبيرة. أستاذ الرياضة اتصل بي وأوصاني بأن أهتم بتغذيته. هو أفضل عنصر في فريقه. هذا ما قاله. يعتمد عليه للعودة بكأس البطولة من طنجة. أنا فخورة به...».
بلعت فيض الدموع الذي خنق صوتها، وأخذت نفساً عميقاً ونادت مجدداً: «هيثم يا حبيبي... قم... الوقت يمر...».
«حاضر يا ماما.... لا تقلقي...» جاءها صوته النعسان، وتنهدت وهي تتفقد فطيرتها... ثم واصلت حديثها: «لو يسمح لي والدك فقط باستعمال الجراج... لديّ الكثير من الزبائن هنا في البناية... سيتضاعف عددهم إذا افتتحت مكاناً أخبز فيه... سأوفر دخلاً إضافياً نحن في أمس الحاجة إليه... فطيرة التفاح هذه لاقت إقبالاً كبيراً خلال شهر رمضان... لديّ أفكار أخرى... ومشاريع. كعك العسل وخبز الزيت والزعتر والزيتون وحلوى عيد الميلاد والفطائر المملحة والمزيد من الوصفات... لكن والدك يحكم رأيه. لا يجوز أن أصير بائعة... لا نساء لديه يختلطن بالغرباء في الأسواق... ولديّ الراتب... لا أدري ما الذي يتخيله... ما أحصل عليه لا يكفي حتى لاحتياجات أكلنا الشهرية. مصاريف البيت ثقيلة والولد يكبر والمعيشة مكلفة... لا أعرف كيف كنت سأتصرف لو لم أساعد نفسي بما أخبزه للجيران من حلوى وفطائر... سامح الله والدك. لا يريد أن يستمع إليّ، ولا أن يناقشني...».
أخرجت الفطيرة من الفرن وتركتها تبرد، وبدأت تجهز المائدة وتشرح: «لا أطلب المستحيل... لديه جراج لا يستعمله... وأنا بحاجة له لأكفي نفسي حرج السؤال. خلال فترة مرض هيثم الأخيرة اضطررت أن أستدين من أخيك. بلعت كرامتي، وصبرت على لسان زوجته. أنت تعرفها... لا تطيقني ولا تخفي ذلك. لم أجرؤ أن أكلم والدك... جوابه الدائم لي «ماذا تفعلين بالراتب؟» هداه الله... ما الذي يمكن أن تقضيه لي ألفَا درهم في هذا الزمان؟ إيجار الشقة وحده يكلفني نصف هذا المبلغ...».
«صباح الخير ماما. ماذا؟ تحدثينه من جديد...؟».
التفتت إلى الفتى الممشوق القامة الذي اقترب يقبل جبينها ويمسح الدموع التي ترقرقت في عينيها.
«اجلس حبيبي... أنظر... جهزت لك فطيرة التفاح التي تحبها...».
«ماما» عاتبها الولد بلطف ومد يده إلى الصورة التي كانت تحدثها «يكفي ماما. بابا مات... وأنت تواصلين الكلام معه وكأنه لا زال يعيش معنا. ستفقدين عقلك إن استمررت على هذه الحال. أنت تخيفينني... أتعلمين؟».
حضنت ابنها، وشعرت بإطار صورة والده المرحوم يندس في صدرها، وبكت بصمت.